الروائي اليمني بسام شمس الدين: الأدب لا يحتاج إلى هدف أكبر من المتعة بقلم: صالح البيضاني

  • 4/2/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الروائي اليمني استطاع أن يحوّل الكتابة الروائية إلى متعة واحتراف أدبي قاده للمشاركة في الكثير من الفعاليات السردية العربية وإصدار أعماله عن دور نشر عربية مرموقة.العرب صالح البيضاني [نُشر في 2017/04/02، العدد: 10590، ص(13)]الحرب قدحت خيال المبدعين اليمنيين دخل عالم الرواية الفسيح من بوابة القصة القصيرة التي شهدت بدايات تجربته الأدبية الحافلة بالكتابة والإصرار على حجز مقعد في صفوف كتاب السرد في اليمن، لكن إصداره الأول كان روائيا كما يقول لـ”العرب”. كانت بواكير إبداع الكاتب اليمني بسام شمس الدين تنم عن مبدع حقيقي وهو ما كشفت عنه روايته الأولى “الطاووسة” التي أردفها بمجموعتين قصصيتين هما “الباهوت” و”روح الحبيبة” قبل أن يدلف من بوابة السرد الشاسعة نحو آفاق الكتابة الرواية التي حط فيها رحاله المثقلة بالأحلام الكبيرة. وعن الحلم الأول والولوج في سحر الكتابة الروائية يقول شمس الدين لـ”العرب”، “لعل تجربتي القصصية تبدو قصيرة، فقد كتبت مجموعتين قصصيتين ‘الباهوت’ و’روح الحبيبة’ كتبتهما في بداية مشواري، لكن روايتي الأولى ‘الطاووسة’ طُبعت قبل المجوعتين، ضمن إصدارات وزارة الثقافة عام 2004، ورواياتي الخمس أبرزتني كروائي حاضر في المشهد، ويظن كثير من الناشطين في الوسط الأدبي أني أنتمي لجيل تسعينات القرن العشرين من الكتاب اليمنيين ربما لحضور أعمالي أو لغزارتها. ولعلّي لم أتهيّب في اقتحام مجال الرواية بل كنت أشعر بمتعة شديدة في تتبع التفاصيل وكنت ألاقي صعوبة شديدة في تقييد وتكثيف السرد في قصصي القصيرة، ذات يوم وبينما أردت أن أكتب إحدى القصص القصيرة، لم أستطع أن أتوقف واكتشفت أنها كبرت وتضخّمت، وصارت تلك القصة هي روايتي الأولى وقدمتها إلى لجنة القراءة في الوزارة وتم قبولها رغم اعتراض البعض الذين لم يعجبهم أن يأتي شاب صغير من الريف حاملاً مسودة رواية دون أن يكون له اسم راسخ في المشهد الأدبي. لكن صوت الرواية كان أقوى فقد كانت مكتملة ومشوقة وحازت قبول أعضاء اللجنة. لم أكن وقتها قد نشرت سوى بعض القصص في الملحق الثقافي لصحيفة الثورة، وفي صفحتها اليومية”. نزهة عائلية تطوّرت خبرات الروائي اليمني الشاب واستطاع أن يحوّل الكتابة الروائية إلى متعة واحتراف أدبي قاده للمشاركة في الكثير من الفعاليات السردية العربية وإصدار أعماله عن دور نشر عربية مرموقة كما حدث مع روايته الأخيرة “نزهة عائلية” الصادرة عن دار الساقي، حيث سألناه هل تمثل إضافة جديدة في مسيرته؟ فأجاب “نزهة عائلية، لا أدري، لعلّ قولي بأنها تمثل إضافة يعد تبجحاً وغروراً، لكن من قرؤوها يقولون ذلك وأذكر منهم صديقي الروائي وجدي الأهدل، كنت قد سمعت شاعراً يبدي رأيه فيها بشكل ارتجالي وظل يخاطبني بتأوّه لو فعلت كذا وكذا كان هذا العمل سيكون نقطة فارقة في الأدب اليمني، كلام مسلٍ ومضحك، كل شخص يرى أن عليك أن تكتب ما لا يستطيع كتابته أو ما لا يشك في صحته، وما أسهل الأمر على المتفرجين كما يقال. وبعد أن قرأها صديقي كتب لي رسالة طويلة على الخاص يقول فيها ألاّ أكترث بأيّ قول، وأن الرواية مهمة لأنها أمسكت بخيوط جديدة في الأدب اليمني. والرواية عموما تتحدث عن قصة جزار يعمل في سوق وسط إحدى مناطق القبائل، وجد نفسه متورطاً وشاهداً على حادثة اغتيال زعيم قبيلة، بينما فرّ نجله الصغير إلى حانوته وأصبح في نظر الخصوم غريما لأنه أنقذ ابن غريمهم، وكان عليه أن يذهب ليسلّم نفسه للخصوم طالباً صفحهم، لأنه عنصر ضعيف ومن فئة محتقرة في القبيلة، والأعراف لا تجيز الاعتداء عليهم، إنها رواية تحضر فيها الأعراف والعلاقة بين المدينة والريف وتتطرق إلى الفئات المحتقرة وأشياء أخرى لا تخرج عن السياق والحبكة”.تطرّق للفئات المحتقرة ناشر غير متطلب يقول شمس الدين لـ”العرب” إن لديه العديد من المشاريع الأدبية الجاهزة من بينها ثلاثية وروايتان، لازال يبحث لها عن “ناشر مثقف غير متطلب، يقرأ العمل أولا لكنه يخشى ألاّ يجده” على حدّ قوله. وعن مضامين وأجواء هذه الأعمال يضيف “مسودة الرواية الأخيرة تتحدث عن السنوات التي أعقبت ثورة سبتمبر، لا سيما فترة صراع الثوار والجيش المصري مع الملكيين، ولا أدري، لعلي أشعر بالقلق بسبب الحساسية القومية التي تنتاب إخواننا المصريين، وقد سألت بعض الأصدقاء حول ما إذا كانت ستؤدي إلى إثارة حفيظة البعض بسبب حس القومية وزمن الرواية وأحداثها التي لا تخلو من الفوضى والصراع، وقد حرصت على سماع عيّنة من المواطنين الذين عاشوا تلك المرحلة، ولم أقرأ ما ورد في الكتب ولا مذكرات كبار الثوار، اعتمدت على أقوال رجال مجهولين أحياناً ألتقي بهم بالصدفة في المقاهي الشعبية في صنعاء، لذا فالرواية ليست حقيقة تاريخية توثّق للثورة، بل هي محض خيال بحت وأصوات مجهولة التقطتها من أفواه أشخاص مغمورين بسطاء، وينبغي أن ننظر إليها كعمل متخيل، ونحاكم تقنياتها وليس موضوعها. ومع ذلك مازال يتملّكني القلق من سوء الفهم، سواء أن يأتي من البلد أو من خارجه، لا سيما عندما حدثتني صديقة لبنانية أن مباراة كرة قدم أدت إلى توتر العلاقة بين مصر والجزائر، فكيف تظن ألا تؤثر الرواية، فقلت لها مازحاً لحسن الحظ إن علاقتنا سيئة بجميع الدول لأننا نمرّ الآن بمرحلة اللادولة. وأخشى فقط ألا يسمح لي يوماً ما بزيارة أبو الهول”. الجانب المضيء على عكس الكثير من الكتّاب يعتبر الروائي اليمني بسام شمس الدين أن ثمة جانبا مضيئا في الحرب فيما يتعلق بقدح خيال الكاتب وعن أثر الحرب في تجربته فيضيف قائلا “الحرب بقدر ما تصنع دماراً بالإنسان والتنمية ونفسيات أجيالها، إلا أنها تنفض الغبار عن أقلام الكتاب وتثير قلقهم ومخاوفهم وترغمهم على البوح بما يوازي دويّ الانفجارات وكميّات الرصاصات التي تسكن في أجساد الأبرياء والمذنبين على حدّ سواء، فالأديب شخص يجد نفسه مطالباً أن يحدد موقفه ممّا يدور بين أشخاص مجانين لا يقرؤون إلا كتب مذاهبهم. وقد قابلني أكثر من شخص لينصحني أن أكتب عمّا يجري في بلدي من صراع، ولا أدري بما أجيب عليهم، وأسأل نفسي، هل أنا ملزم أن أكتب بشكل آني وموسمي؟ ما أعرفه أني فعلاً في حالة صدمة ولن أفيق منها سوى بعد زمن إن قدّر لي العيش، وحينها سأسترجع ما حدث وقد أكتب شيئاً. الحرب لم تأخذ منّي شيئاً غير ساعات كثيرة مفعمة بالأرق والسهر، والخوف أحياناً من سقوط صاروخ يضلّ طريقه ليجهز على روايتي التي لم تكتمل. ومن الملاحظ أن كثيرا من الأعمال الروائية صدرت في عام 2016، أكثر من أيّ عام آخر، والأعمال في تزايد”.شمس الدين يعتبر أن أكبر مشكلة تواجه الكاتب عموماً هي الظن بأن كل شيء يجب أن تكون له رسالة أو هدف خلاق، ويصف ذلك بأنه نمط قديم من التفكير في تربيتنا ومناهجنا، بينما لا نعير هوى النفس أو جماليات النص وفنيته أي معنى بحث دموي وفي حديثه لـ”العرب” عن واقع الأدب اليمني في ظل الحرب يؤكد شمس الدين أن الأدب ينتعش أيام الحرب لأن جميع أنظمة الحياة تنهار في تلك الأثناء ولا تنجو منها سوى اللغة حسب قوله، مضيفا أن “الحرب هي بحث دموي عن العدالة ونوع من التصحيح القسري والمدمّر للأخطاء المتراكمة للمجتمعات الإنسانية والأدب هو الفعل المضاد للحرب الذي يعلن عن حضوره كبديل محتمل، الأدب بخير ما لم يصب الأدباء أو يزج بهم في معمعة الصراع العبثي الذي يدور، فالأدب عنصر محايد والمعاناة الشديدة لا تخلق الإبداع كما يظن البعض بل تدمّرها، وكذلك الجوع أو الانهيار النفسي الحاد للمجتمع. فالمبدع كما أظن يعاني في ظل الظروف المواتية الطبيعية ولا حاجة لمزيد من العناء ولعل طباعة أعمال الكاتب ونيله بعض الجوائز وقليلا من التقدير يكفي ليخلق عملاً جيداً. للأسف فإن عمل المؤسسات الثقافية بات منعدماً تماماً ولم يعد هناك سوى مبانٍ رثة يؤمها رؤساء محنطون على مقاعدهم، نسوا مهامهم، وأجبرتهم العادة على الحضور كل صباح وكذلك ليأخذوا مالاً لا يستحقونه لأنهم موتى”. أدب بلا هدف يعتبر شمس الدين أن أكبر مشكلة تواجه الكاتب عموماً هي الظن بأن كل شيء يجب أن تكون له رسالة أو هدف خلاق، ويصف ذلك بأنه نمط قديم من التفكير في تربيتنا ومناهجنا، بينما لا نعير هوى النفس أو جماليات النص وفنيته أيّ معنى حسب قوله ويسترسل قائلا “الفنّ هو مفهوم عام يضم جميع صنوف الإبداع ولا يحتاج الأدب إلى هدف إن كان الغرض منه هو الشعور بالمتعة والترويح عن النفس المثقلة بكثير من تعقيدات الحياة، ولعل معيار جودة كل عمل هو مقدار ما يصنعه في نفوسنا من دهشة والجدوى من رواية هو مقدار المتعة والامتلاء الذي تشعر به بعد الانتهاء من قراءتها، وكلما قرأت رواية جميلة أو استمعت إلى قطعة موسيقية كلما انتحت حياتك باتجاه البساطة وتحررت من العُقد. وأيّ هدف أو رسالة أسمى من التخفف من الأعباء التي تثقلنا والتحرر من العُقد التي تكبل حياتنا”. بلا سابق إنذار عن طقوس كتابة الرواية لديه إن كانت ثمّة طقوس خاصة يضيف “فكرة الرواية تأتي دون سابق إنذار، هناك أمر ما يلحّ عليك ويطاردك أينما ذهبت. وقد تأتي الفكرة أثناء قراءتك لكتاب أو رؤيتك لفيلم أو حتى أثناء عبورك في شارع مزدحم، ونشوب شجار حامٍ فيه، أو عند زيارتك معلماً أثرياً أو سماع قصة غريبة من شيخ طاعن في السن. أحياناً أقتنع بفكرة ما وأشرع في كتابة القصة، وفجأة تداهمني فكرة مغايرة تزيح الفكرة الماضية جانباً، ثم تنحرف إلى أحداث ومواضيع لم يسبق أن فكرت فيها. كنت أستخدم الورق فيما مضى ثم اعتدت على الكتابة عبر جهازي المحمول، أكتب بشكل محموم يومياً وأتعثر أحياناً، وأتوقف لأسبوع أو حتى لشهر، وأنظر إلى ما كتبت بحزن، وقد أحذف شيئاً وأضيف شيئاً حتى تغمرني روح الرضا فأعاود الكتابة بحماس. لكن القراءة رافد هام للكاتب، ليس الروايات فقط، بل أصناف من الكتب، بما في ذلك كتب الموروث الشعبي والتراث المحلّي، وكل ما يلامس حياة المجتمع الذي تحكي عنه. وأجمل أوقات كتابتي تكون في المساء عندما يخلد الأطفال إلى النوم، وحين تخفت أصوات السيارات والدراجات النارية في شوارع الحي الذي أقطنه”.فكرة الرواية تأتي دون سابق إنذار الحرية ضرورة أمّا فكرته العامة حول أهمّ ما يعوز الكاتب ليكتب عملاً عظيماً فليخصها بالقول “في تصوّري أن الحرية هي ضرورة وليست حاجة، وليس للكاتب فقط بل لكل حيوان يسير على قدمين. إذا أردت أن تقيس ما وصله أيّ مجتمع من الإبداع، عليك أن تقرأ قوانينه أولاً، وتتنقل في أرجائه وترى مساحة الحرية الممنوحة لأفراده عن قرب. فالمجتمع الشفاف المكشوف يبدع أكثر. وتبدأ الحرية من قدرة أيّ شخص على تبديل معتقده بسهولة أو اختيار نوع ملابسه دون أن يخدش ذلك حياء الآخرين، وكذلك قدرته على إطلاق طاقات جسده وقلبه في أيّ لحظة صوب المتعة دون رقيب”. هفوة روائية ترجمت مؤخرا رواية “هفوة” لشمس الدين للغة الإنكليزية وهي العمل الأول له الذي سيصدر بلغة غير العربية خلال الأيام القادمة عن جامعة “سيراكيوز” وحول تجربته تلك يقول لـ”العرب”، “هفوة رواية صغيرة طبعت في 2011، في فترة الاحتجاجات في صنعاء التي رافقت الربيع العربي، وساعتها لم تلق بالاً لانشغال الناس بالشأن السياسي والمظاهرات وهي تتحدث عن علاقة بين لاجئ عدني وامرأة يهودية تملك نُزلاً للمسافرين في قاع اليهود، ولا أدري كيف وقعت إحدى النسخ في كف السيد ‘مارك وقنر’ أستاذ الأدب العربي في جامعة لويزيانا، وهو أكاديمي متخصص في الأدب المقارن أو ما شابه، ولعل موضوع العلاقة بين شخصين تعتنقان ديانتين مختلفتين وما رافقها من صراع قد جذب الاهتمام إلى ترجمة العمل، وهي تحكي دون مواربة عن شخصين عاشقين أنجبا طفلاً وحاولا إنقاذ الموقف بالزواج ووجدا عراقيل شديدة، وأظن هذا ممّا يهم المتلقي الغربي الذي لم يفهم بعد سبب اعتراض ونفور المسلمين أو اليهود من إقامة روابط الزواج بينهم، لا سيما المجتمع الديني. ومن الطبيعي أن تترجم مثل هذه الأعمال ولا يعدّ هذا تحيزاً حسب ظني، إذ أنهم على خلافنا يعيرون الذائقة الشعبية اعتباراً كبيراً، إضافة إلى أن مثل هذه الأعمال تلقي الضوء على ظواهر اجتماعية مجهولة قد تفيدهم بفهم حياة مجتمع ما دون الحاجة إلى زيارته”. كاتب من اليمن

مشاركة :