المشهد الثقافي اليمني من سيء إلى أسوأ بقلم: صالح البيضاني

  • 8/23/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

المشهد الثقافي اليمني من سيء إلى أسوأيبدو المشهد الثقافي اليمني اليوم ملتبسا، رغم عراقة هذا البلد وعراقة مبدعيه وثقافته الثرية. في هذا الحوار لـ”العرب” يتحدث الباحث والناقد اليمني فارس البيل عن رؤيته للعديد من القضايا الثقافية ويقدم جانبا من جوانب المشهد الثقافي اليمني، إضافة إلى تجربته الإبداعية كقاص وناقد وباحث ثقافي.العرب صالح البيضاني [نُشر في 2017/08/23، العدد: 10731، ص(14)]منصة الثقافة انسحبت من مكانها الرسمي إلى المنصات الافتراضية يرى الباحث والناقد اليمني فارس البيل أن المشهد الثقافي في اليمن في المرحلة الأخيرة لم يكن في أحسن حالاته، وكان يعاني هشاشة وضعفًا في التخليق والإنتاج والتأثير عمومًا، ينضاف إلى ذلك الاستلاب الثقافي لصالح السياسة والفئوية والأيديولوجيا، وإفراغ الثقافة من مهمتها وقواعدها وفضائها الرحب لصالح التفكير الآني والمؤسسات الرئيسية المؤثرة في المجتمع اجتماعية كانت أو دينية أو سياسية. يقول ضيفنا “عانى المشهد الثقافي اليمني من انحسار كثيف، وهو بالأساس متأثر بالظروف السياسية وحاجات السلطة عبر التاريخ، إلا من استثناءات تحاول التأثير والبحث في ممكنات الثقافة اليمنية، لكنه كان أكثر انحسارا منذ تسعينات القرن الماضي نظرا إلى طغيان السياسة وصراعاتها على ما عداها. فانزاح المثقف في هذه الموجة أو توارى، وتراجعت الثقافة لصخب المجتمع”. وفي حديثه لـ”العرب” يستدرك البيل مسلطا الضوء على جوانب مضيئة وأخرى معتمة حيث يقول “لا يمكن أن نغض الطرف عن محاولات جيدة هنا وهناك، فردية أو من مؤسسات ثقافية، إلا أنها في المجمل أدنى من القاعدة الثقافية التي يستند إليها اليمن بكثير، ربما ظلم اليمن جغرافيا وصوتا، لكن المثقف اليمني أيضا ظلمه أكثر بانزوائه وخجله الثقافي ولذلك أسباب كثيرة”. يشير فارس البيل إلى أن الظروف تتساوق -حسب تعبيره- مع حالات الإبداع، أو كأن الأولى مهيأة للثانية، وفي إجابته عن سؤال لـ”العرب” حول ما يعتقد أن الحرب ستفرز جيلا جديدا من الكتاب الذين يمتلكون أدوات جديدة ومغايرة في الكتابة الإبداعية، يقول الناقد “ربما أن ما يصنع الإبداع المختلف ويهيئ له ويمنحه القوة والابتكار هو الظروف والمعاناة والتغيرات والأحداث، وعلى هذا فإن الحروب رغم الدمار الذي تتسبب فيه تمنح المبدع وحتى الإنسان العادي حاجة إلى التعبير والرفض والمقاومة الشعورية، كي تنتج أدبا صادقًا ومعبرًا يحمل الكثير من التجربة، وهذا هو المهم في حالة الإبداع، ولقد ازدهرت الكثير من الأعمال الإبداعية العالمية بل كانت الأكثر تأثيرًا وشهرة تلك التي خرجت من رحم الحروب والصراعات”. ويرى البيل أن في اليمن هناك حالات إبداعية مهمة تفيد كثيرًا من المدونات الجديدة، أي وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، بل يمكن أن نقول إن منصة الثقافة انسحبت من مكانها الرسمي إلى هذا الفضاء الافتراضي، صار التداول الثقافي فيها، والتأثير منها أكثر، أضحت هي ميدان التعبير والتثاقف والتدريب حتى، وإن كانت تعاني الغائية وندرة الجيد وسيادة السطحية، لكنها فضاء رحب وجديد للتداول الثقافي، ويمكن أن نلاحظ حضورا ثقافيا يمنيا فيها للنص بأجناسه والصورة واللوحة وغيرها من أدوات الثقافة، منها ما هو شعبي ومنها النخبوي، وكلها تسجل مدونة ثقافية مهمة، ويمكن من كل هذا الحراك في هذا الفضاء إنتاج ثقافة مهمة للمستقبل، تنضج ببطء، لكنها ستؤثر في القادم.فارس البيل: المثقف اليمني ظلم أكثر بانزوائه وخجله الثقافي ولذلك أسباب كثيرة يشير فارس البيل إلى أن الحالة الثقافية انعكاس للأوضاع المعيشة في الحياة العربية، في سياق حديثه عن الحالة الثقافية العربية عموما، التي تحدث لـ”العرب” عن رؤيته لمستقبلها في ظل الأزمات التي تحاصر الشعوب قائلا “كنت اعتقد أن الثقافة يجب أن تكون متفوقة دائما ومتقدمة على كل الأزمات أو حتى حالات الرفاهية، الثقافة هي الموجه للمجتمع، والناظم الفعلي لسلوكه وقدراته، والوعاء الذي يعتمل فيه صخبه وانفعالاته”. ويلفت البيل إلى أن المشهد الثقافي العربي منسحب لصالح السياسة أيضا، بدل أن يكون العكس هو السائد، لذلك نشهد هذا الخفوت في الرؤية الثقافية العربية، والرداءة والسطحية وقلة الإنتاج الحقيقي، الإنتاج الذي يلامس الضرورة ويزيد من فضاءات الفكر. كما يوجه الباحث جزءا من نقده إلى النخبة الثقافية العربية قائلا “هناك انعزال وتقاعس من النخبة المثقفة، هذا التقاعس خلق فراغا استولت عليه الأصوات الرديئة وتعالت فيه القدرات الخالية من الإبداع، ينعكس هذا الخواء وهذه الأزمة التي نعيشها على كل ما حولنا من إنتاج ثقافي وفني في غالبه رديء وضعيف وهش وغير مجد. تتحمل هذه الهزيمة النخبة الثقافية المائزة التي لم تزاحم في سبيل وضع الحقيقة في المقدمة، والقيم الصادقة في الواجهة، وما لم تتدارك النخبة هذه الهزيمة وتصحو من كبوتها فسيظل المشهد الثقافي العربي الراهن يسير من سيء إلى أسوأ بعد أن كان حافلا إلى فترة قريبة بالأصوات الثقافية العميقة والجادة والمضيئة بجدارة في السماء العربية”. يتابع “سنظل نتفاءل، لكنه تفاؤل الفاحص الباحث برغبة عن النجاة”. ولفارس البيل كتاب بعنوان “القصيدة السياسية ” تحدث فيه عن تجربة الشاعر اليمني محمد محمود الزبيري، وعن أبرز ما توصل إليه من خلال دراسته تلك، والآثار التي تركها أدب الزبيري على المشهد الشعري اليمني وإمكانية أن يكون قد بلغ تأثيره حد تأسيس نواة مدرسة في الأسلوب الشعري من حيث الشكل والمضمون يجيب البيل “كتابي ‘القصيدة السياسية- الرؤية والفن’ هو محاولة للفت الانتباه بشكل علمي لهذا الفن الشعري، الذي يتداوله الناس بكثافة وتتغاضى عنه المؤسسة الأكاديمية، رغم تأثير هذا النوع من الشعر في الحياة العامة وبشكل جماهيري مكثف. وفي اليمن تحديدا يحضر الشعر السياسي بكثافة تعبيرية وتأثير ثقافي وسياسي، الفصيح منه والشعبي كذلك”. وعن أبرز النتائج التي توصل إليها الكتاب يضيف البيل “توصل الكتاب إلى تجلية بعض الحقائق عن الأدوار السياسية، وأضاف للقارئ بعضا من جوانب شخصية الزبيري المجهولة، كما استطاع الكتاب أن ينشر لأول مرة أبياتًا مفقودة للزبيري، وحاول بالمجمل أن ينصف تلك الفترة التاريخية بدءاً من ثلاثينات القرن الماضي إلى منتصف الستينات ويقدمها بطريقة علمية محايدة وموضوعية”. للبيل كتاب نقدي آخر ضمن تخصصه الأكاديمي يحمل عنوان “قراءة في الأنساق الثقافية” وهو بحث ضمن منهج النقد الثقافي أو النظرية الجديدة التي تنتقل بالنقد الأدبي إلى فضاء أوسع، وبالدراسات الثقافية عموما إلى مرحلة متقدمة، فبعد أن كان النقد الأدبي يحكم على النص في إطاره الفني وحسب جاء النقد الثقافي ليبحث في جذور النص وامتداداته وتأثراته في الواقع، وتأثيره وانعكاسه فيما بعد، بمعنى علاقات النص الخارجية. وعن تفاصيل هذا الكتاب يتحدث قائلا “الكتاب يُخضع الرواية في دول الخليج العربي لمجهر النقد الثقافي ونظرياته، وقد بحث الكتاب في علاقة الرواية الخليجية بالواقع والعادات والأفكار في المجتمع الخليجي، وحاول أن يكشف عن خطاب الرواية الخليجية ومضامينه التي تفضح عادات المجتمع ورؤاه التي تهيمن على المرأة أو تمارس الأبوية المطلقة أو تستخدم الدين بشكل متناقض، ضمنتها هذه الروايات بخفاء، فجاء الكتاب ليكشفها ويناقشها بطريقة نقدية، إذ أن السرد بات حاضنة ثقافية مهمة تفوقت على باقي الأجناس في اكتناف الرؤى والمشكلات الثقافية والمجتمعية في الخليج”.

مشاركة :