الكتاب أثر في لغتي الأدبية وفي جملتي وصوري الشعرية حين بدأت الكتابة

  • 5/3/2014
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

المعرفة سر الإنسان وإنجازه الكبير وبالقراءة تصبح الحياة ممتعة الزلفي، حوار - عبدالرحمن الخضيري وصف الكتاب بالكثير من الصفات، وبالتالي يعد من أبرز وسائل التغيير والتحفيز للشعوب في صعودها لمراقي التطور والرقي، في مختلف المجالات. السؤال الأهم، هل القارئ لأي كتاب يقف عند متعة القراءة وحسب؟ دون محاولات الفهم والوصول لعمق مضمونه، في حلقات – قصتي مع كتاب – نستضيف شخصية بارزة في مجالها، لتروي لنا حكايتها مع الكتاب، ونجول معها في مضامينه المعرفية، في رحلة ماتعة من التأثير وقصص التحولات الفكرية. الشاعر والأديب، وزير الثقافة الأردني ومدير مهرجان جرش السابق جريس سماوي يروي لنا حكايته مع كتاب النبي لجبران خليل جبران. * ما الكتاب الذي أحدث تأثيراً فيك بعد قراءته؟ - منذ طفولة مبكرة كنت مكباً على القراءة، اقرأ ما تصل اليه يداي. وقد شجعني على ذلك والداي والمعلمون الذين درسوني في المرحلة الابتدائية تلك المرحلة التي فيها يتفتح المرء اول ما يتفتح على سحر القراءة والأدب والفنون. وذات يوم وقع بين يدي كتاب (النبي) للكاتب المهجري جبران خليل جبران. كنت قد قرأت لجبران قبل ذلك عدة كتب منها الأرواح المتمردة والأجنحة المتكسرة ودمعة وابتسامة. إلا إن كتاب (النبي) بمثابة اكتشاف بالنسبة لي وقد قرأته عدة مرات في ترجمته العربية ثم قرأته باللغة الإنجليزية أي اللغة التي كتب جبران فيها الكتاب. وقد كتبه جبران عام 1923 لكنه كان يفكر فيه وينضج كتابته على مهل قبل ذلك بكثير واعتبره عمله الأهم، إذ كان قلقاً بشأنه حتى أنه سأل صديقته ماري هاسكال ذات يوم عن لغة الكتاب معتقدا أنها لغة إنجليزية شكسبيرية قديمة ليس لها صلة بالعصر الحديث. بعد ذلك ترجم الكتاب الى عدد كبير من اللغات الحية وطبع عدة مرات وما زال لليوم يعتبر من الكتب التي تبيع نسخا بالملايين لقد أثر على الكتاب تأثيرا روحيا كبيرا. فالمناخ الصوفي الذي ينسحب على مجمل الكتاب إضافة الى الخيال الخصب والرسائل التي في محتواه جعلتني أقف مبهورا أمام هذا العمل الإنساني الكبير. وما زلت للآن اعود بين الفينة والأخرى لقراءة فصول من هذا الكتاب فأنتشي وجدانيا. كلما أقترب من مناخات جبران واجوائه الساحرة في هذا الكتاب استذكر تراث الشرق الروحاني العظيم وهذا بالتأكيد ما جعل القراء الغربيين ينشدون الى هذه المناخات الصوفية الشرقية التي يفتقد اليها الغرب. * مانوع التأثير وهل أنت مقتنع بالتأثير؟ - كان تأثير كتاب (النبي) لجبران خليل جبران كبيرا علي. ففي فترة الدراسة الإعدادية والثانوية تقمصتني روح جبران لدرجة أني كنت مفتوناً برسم صورته بأقلام الحبر والألوان المائية وتلاوة أجزاء من كتاباته بصوت عال فكان تأثيرًا أشبه بالتصوف والاستبطان الروحاني العميق، وكأنها رحلة الى ذاتي والى اماكن خاصة في تلك الذات لم تكن لتتفتح الا بقراءة جبران. خصوصا أن ثمة مرجعيات اجتماعية ومثيولوجية مشتركة لدي مع هذا الكاتب والمفكر الذي نشأ في رحاب ثقافة بلاد الشام العتيقة كما نشأنا. كنت فرحاً بما فعله الكتاب بي. فهو من ناحية حفزني للدخول في تجربة التأمل العميق للمفاهيم الروحية والصوفية التي يطرحها. ومن ناحية أخرى اثر في لغتي الأدبية وفي جملتي وصوري الشعرية حين بدأت الكتابة في تلك السن المبكرة. * ما مدى استمرار تأثيره؟ - بقي تأثير كتاب النبي مستمراً علي روحياً وثقافياً وأدبياً؟ مع اختلاف هذا التأثير فهو لم يعد ذلك الانبهار العظيم امام فيلسوف يطرح أفكاراً جديدة وتأملات مثيرة فأنا حين اتممت تجربتي في الاطلاع على الآداب العالمية والفلسفة والأديان والتصوف وعرفت مصادر جبران التي استقى منه سحره وبيانه صار لي لغتي الخاصة وجملتي التي ابتعدت عن جبران. وعندما قرأت (هكذا تكلم زرادشت) بل حين قرأت (نتشه ) كاملا وضعت يدي على بعض ما انبثق عنه ذلك الينبوع الجبراني، ليس هذا فحسب بل بدأت افسر وأحلل وأربط الأفكار، هل كان جبران قوميا مغاليا في قوميته؟ وهل كانت فلسفته وكتاباته ملهمة لأفكار انطون سعادة وافكار القوميين السوريين فيما بعد كما كانت افكار (نتشه) ملهمة للفكر القومي الألماني ؟ ربما.. لكن مع الاختلاف في أن الفكر الجبراني كان انسانياً يمجد الإله ويمجد الإنسان في آن واحد بينما افكار (نتشه) مجدت الإنسان فقط ووقفت موقفا معاديا للدين. كان جبران بمثابة مبشر بالمحبة والتسامح وما إيمانه بحق العرب والعروبة في الكرامة والحرية والاستقلال وحبه لسوريا الطبيعية التي اعتبرها موطنه، ما كان ذلك الا ردا على الاضطهاد العثماني للبلاد العربية ورغبة وتوقا من مفكر عروبي مثله الى حرية بلاده العربية وكرامة أمته العربية. هنا استطيع ان اقول أن التأثير ما زال مستمراً لكنه تغير عن تلك السنوات الأولى التي قرأت فيها جبران كما يقرأ المريد أفكار أستاذه في التصوف في حلقة الذكر. * هل ترى أن القراءة محرك أو دافع للتغيير في وقتنا الحاضر؟ - القراءة فعل انساني حضاري يصعد بالروح الى مدارات عالية. كم من الكتب التي غيرت افراداً بل غيرت مسار التاريخ في بعض الأحيان. بالقراءة يستطيع المرء أن يصبح مخلوقا أرقى وأجمل وأرهف وأرق. وتصبح الحياة ممتعة. المعرفة سر الأنسان وإنجازه الكبير، وبالمعرفة استطاع هذا المخلوق الجميل أي الأنسان ان ينتصر على مشكلات كثيرة، وان يتصالح مع الطبيعة وينتصر على الشقاء والبؤس. عندما زرت متحف جبران خليل جبران في بلدته اللبنانية ( بشري) رأيت بعض الصفحات التي كتبها بخط يده، تلمست بأنفاسي وهواجسي وعيني الخطوط التي بها خط هذا المفكر الكبير كلماته. استحضرت شخصيته وقلقه الإنساني والإبداعي، وانا انظر الى تعرجات الخطوط وانقل نظري بين الصفحات وأتأمل الحبر الذي تمت الكتابة به، كم كان جبران مفكرا كبيرًا أستبطن روح الشرق وأختزن الفلسفة الصوفية والأخلاقية في حضارتنا العربية المشرقية ونقلها الى الغرب، حتى أن الرئيس جون كندي كان قد أقتبس فقرات مما كتب جبران ليضمنها خطابه في حفل تنصيبه رئيسا للبيت الأبيض. لا انسى أبداً العرافة وهي شخصية رئيسة في الكتاب وهي تطلب من الرسول بطل الكتاب رأيا في المحبة فيضع جبران على لسان شخصيته أجمل ما كتب في المحبة، تلك الفقرات التي غنتها فيروز بصوتها العذب وبقيت ترددها ملايين الألسن بلغات عديدة : ( المحبة لا تعطي الا نفسها ولا تأخذ الا من نفسها. المحبة لا تملك شيئاً ولا تريد أن يملكها أحد لأن المحبة مكتفية بالمحبة).

مشاركة :