هذا الكتاب أثّر في نتاجي الفكري والأدبي فمنه عرفت أن الحرية مبدأ أساس في العملية الإبداعية

  • 6/28/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

نفت الباحثة الدكتورة سعاد مسكين عن الأديب صفة المتعجرف المعزول عن محيطه ، فهي تراه ذاك الكائن الذي تغوص قدماه في التاريخ مشاركا في صناعته كما ترى أن الحقيقة الانسانية ذات طبيعة كاشفة باعتبار أن أي فرد هو الوسيلة التي تتبدى بها ماهية الأشياء كما ان وعيه هو الذي يكشف عن الأشياء الموجودة التي نراها ونظهرها للوجود من خلال وعينا الخاص، حيث تعد الدكتورة سعاد مسكين من الأقلام النقدية المميزة في مجال النقد خاصة القصة القصيرة على مستوى المغرب والعالم العربي، صدر لها مؤخرا كتاب نقدي بعنوان ( خزانة شهرزاد ). في حوارها مع ثقافة الرياض على منضدة "قصتي مع كتاب" تتحدث الدكتورة سعاد عن الأثر الذي تركه كتاب ( ما الأدب ) للمؤلف سارتر في نتاجها الفكري والأدبي قائلة إنه من الكتب التي لازمتها طوال مسار تكوينها الجامعي ولوضوح أسئلته وعمقها فقد زاد من إيمانها بوظيفة الكتابة ورسالة الكاتب باعتبارهما نسقين أساسين في الادب الذي لا يخرج كيانه عن ضرورة التعبير عن العالم واتخاذ موقف منه فإلى الحوار : * ما الكتاب الذي أحدث تأثيرا فيك بعد قراءته ؟ المتعة الجمالية عملية مشتركة يصنعها المؤلف ويتذوقها القارئ _ كم جميل أن يقف المرء وقفة مع نفسه، في سؤال ذاتي، حول الكتاب الذي أثر في مساره الفكري والعلمي والمعرفي، فلن يجد نفسه إلا متشبها بأركيولوجي يبحث عن مستحثات، أو بحفار قبور ينبش الأرض فتطاوعه حينا وتستميت أحيانا أخرى. هكذا هو النبش في الذاكرة، نحفر في طبقاتها بحثا عن تلك المستحثات الجميلة التي لها بالغ الأثر. والأصعب في الأمر هو كيفية الحسم في أكثرها أثرا وجمالا. مع العلم أن الذاكرة تختزن كل ما مر بالذهن من مرئيات ومسموعات ومحسوسات، وفي الآن نفسه هي ذاكرة مخرومة يطالعها النسيان، تحتفظ بأشياء وتلغي أشياء، لكن حتما الجميل يظل خالدا لا يتلاشى. وأنا أحاول معاودة النظر في سجلات ذاكرتي حول المقروءات التي كان لها عظيم الأثر أجدها في الغالب ذات طابع أدبي أو فلسفي، ربما لأنني أحب على الدوام المزاوجة بين الفكر المنتج والإبداع الخلاق. وداخل نسقي القرائي هذا، أُقرّ أن كتاب: ما الأدب؟ لجان بول سارتر، كان من الكتب التي لازمتني طوال مسار تكويني الجامعي، ربما لأن أسئلته كانت واضحة وعميقة: ما الكتابة؟ لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ أسئلة تنفتح على ماهية الكتابة من منظورات متباينة منها ما له صلة بالفلسفة الوجودية التي تربط ذات الإنسان المبدع بالعالم الذي يعيش فيه، وكيف يتفاعل معه لينتج مواقف ويشيد أفكارا. لذلك فالأديب ليس ذاك الكائن المتعجرف المعزول في برجه العاجي وإنما هو الإنسان الذي تغوص قدماه في التاريخ الذي يشارك في صناعته. ومن تلك المرجعيات ما تستند إلى الظاهراتية التي ترى بأن الحقيقة الإنسانية ذات طبيعة كاشفة أي أن الفرد هو الوسيلة التي تتبدى بها ماهية الأشياء، ووعيه هو الذي يكشف عن الأشياء الموجودة التي نراها ونظهرها للوجود من خلال وعينا الخاص، لذلك تشكل الكتابة من هذا المنظور نداء موجها إلى القارئ كي يخرج إلى الوجود هو أيضا. في محاولة جان بول سارتر الإجابة عن أسئلته الثلاثة لم نكن أمام مفكر فلسفي محض بل كنا أمام مبدع يفكر في الإبداع الأدبي انطلاقا من دعامتين أساسيتين حركتا توجهه: "التزام الأدب"و "مبدأ الحرية" وعبرهما حدد خصائص الأشكال الإبداعية سواء كانت شعرية أو نثرية أو موسيقية أو تشكيلية، وإن بدا ضمنيا أنه ينحاز بشكل أكبر للنثر على بقية الأشكال التعبيرية. الشيء الذي جعله يخرج الشعر من دائرة الالتزام الأدبي نظرا لطبيعة مادته لأن الكلمات بالنسبة للشاعر هي أشياء في ذاتها في حين أن النثر علامات تدل على معان تلك الأشياء. كما أن مبدأ الحرية مبدأ أساس في العملية الإبداعية لأنه يشمل كلا من المؤلف والقارئ. وعليه يرى أن القراءة اتفاق على الكرم بين الكاتب والقارئ، يثق بمقتضاها كل منهما بالآخر،.. هذه الثقة ذاتها كرم وسخاء: ما من أحد يقدر أن يجبر الكاتب على الاعتقاد بأن القارئ سيستخدم حريته، وما من أحد يقدر أن يجبر القارئ على الاعتقاد بأن المؤلف استخدم حريته. * ما نوع التأثير . وهل أنتِ مقتنع به . وما مدى استمرار تأثيره ؟ _ يقول المثل العربي: "ليس من رأى كمن سمع" فالرؤية أبقى على الأثر من السماع. لذلك فقراءة كتاب "ما الأدب" لسارتر حتما ستخلف أثرا عميقا في إنتاجي الفكري والأدبي، ولي أن أجمل هذا الأثر في العناصر الآتية: الاهتمام بالنثر أكثر من الشعر ليس من باب المفاضلة وإنما من باب الإنصاف لأن ردحا من الزمن ونحن نكرس مقولة الشعر "ديوان العرب " فلنا أن نعيد للكلمة النثرية وجودها بالبحث في معانيها، و تاريخها، وأشكالها. الإيمان بوظيفة الكتابة، ورسالة الكاتب باعتبارهما نسقين أساسيين في الأدب الذي لا يخرج كيانه عن ضرورة التعبير عن العالم، واتخاذ موقف منه، فلا يحق لأي عملية إبداعية بشكل من الأشكال أن تتجاهل العالم أو تتبرأ منه. ضرورة إنتاج الجمال باعتباره عملية مشتركة يصنعها الكاتب ويتذوقها القارئ "فالفرحة الجمالية إذا ظهرت كانت شاهدا على أن المؤلف بلغ غايته، هذه الفرحة يسميها آخرون المتعة الجمالية وهي محرمة على المؤلف، لكنها جزء من إحساس القارئ بالجمال". الانفتاح على الحقول المعرفية المختلفة من فلسفة، وعلم نفس، وظاهراتية، وعلم اجتماع ، وأنتروبولوجية ...إلخ، لفهم الظاهرة الأدبية، ومعرفة اتجاهاتها، وتفكيك خطاباتها التعبيرية، وكشف دلالاتها الجمالية. * هل ترى أن القراءة محرك او دافع للتغيير في وقتنا الحاضر _ حينما تترك القراءة بصمتها، ينتشر خبر جودة الكتاب، ويذكر طول باع صاحبه، ويتهافت عليه القراء من كل حدب وصوب. وفي هذا الصدد يتبادر إلى ذهني قول فولتير حينما سئل: من سيقود الجنس البشري؟ رد قائلا: أولئك الذين يعرفون كيف يقرؤون. إن معيار القراءة من هذا المنظور لا يقاس بالكم بل بالكيف، وما أحوجنا إلى ضبط وإتقان كيفية القراءة التي من شأنها حتما أن تنمي العقل البشري وتحقق بالقوة وبالفعل نهضة فكرية وثقافية للمجتمعات. يبقى السؤال كيف السبيل إلى ذلك أمام غياب وسائل بيداغوجية تطور فعل القراءة وتحفز على مصاحبة الكتاب، وأمام تقصير المؤسسات الحكومية في الرفع من شأن الثقافة والمثقفين، وأمام انتشار الرداءة في بعض الإبداعات الأدبية حتى صرنا نهجر الإبداع المحلي ونقبل على الإبداع الغربي بلغته الأصلية أو المترجمة، أو نعود - في حنين جميل- إلى خزانتنا التراثية التي تعج بأمهات الكتب؟. إن رهان الرفع من جودة القراءة وحكامة الثقافة لصيق بمساءلة الوعي الذاتي بمسؤولية وجرأة:ماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ ولماذا نقرأ؟ ربما هي أسئلة بسيطة شبيهة بأسئلة سارتر: ماذا نكتب؟ ولماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ إلا أنها تحتاج منا تأملات عميقة كي نعيد الإحساس بذواتنا على أنها موجودة وتفكر حقا.

مشاركة :