الشرق الأوسط وصراع القطبين.. خرج السوفييت وعاد الروس

  • 4/4/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في عهد الحرب الباردة، كان للاتحاد السوفييتي وجود مهم في منطقة الشرق الأوسط، حتى وإن لم يتعلق الأمر بمساحات ذلك التواجد. فمصر جمال عبد الناصر كانت حليفاً وثيقاً لموسكو، وسوريا كذلك، وكان اليمن الجنوبي دولة اشتراكية حليفة استراتيجية للسوفييت، وبدرجة أقل قليلاً كان الروس على علاقة وثيقة مع ليبيا والجزائر. لكن الوجود السوفييتي تعرّض لانتكاسة بعد رحيل الزعيم المصري الأسبق جمال عبد الناصر، وقرار سلفه أنور السادات طرد المستشارين السوفييت من بلاده عام 1972، والتحوّل بالتالي إلى أمركة سلاح الجيش المصري، ومن ثم التحالف مع الولايات المتحدة واتخاذها راعياً للمفاوضات مع إسرائيل والتوقيع تالياً على اتفاقية كامب ديفيد. مطلع التسعينيات انهار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، الأمر الذي اعتبره مراقبون نهاية لثنائية القطبية وتتويجاً لأميركا زعيمة للعالم. لكن بعض المحللين دأبوا على استخدام كلمة «مؤقتاً» كلّما تحدثوا عن العالم أحادي القطبية، ما يعني توقّعهم عودة روسيا للندية مع أميركا. وبعهد فترة من الضعف والضياع تحت قيادة العجوز بوريس يلتسين، صعد الشاب الرياضي فلاديمير بوتين إلى سدة السلطة وتغيّر بعدها كل شيء وعلى نحو متحرج سريعاً. ومنذ البداية بدا أن بوتين يقترب من تجسيد من شعار الدولة الروسية وهو النسر ذو الرأسين المتقابلين، أحدهما يتجه شرقاً والآخر غرباً، تعبيراً عن مسارات السياسة الخارجية، بمعنى أن السياسة الروسية لا تتأثر بنظام الحكم، إن كان قيصرياً أم شيوعياً أم رأسمالياً. استعادة الدور الإمبرطوري روسيا، عبر عنه الرئيس بوتين في خطاب حالة الاتحاد الروسي في إبريل 2005 حين قال إن انهيار الاتحاد السوفيتي أكبر صدمة جيوبولتيكية للتاريخ الروسي في التاريخ الراهن. بعض المحللين في الغرب وقفوا عند ذلك التصريح باهتمام أكبر بكثير مما فعل السياسيون الذين تأخروا كثيراً حتى تنبّهوا لدلالاته. إعادة بناء وفي حين كانت الولايات المتحدة تنشغل بأفغانستان والعراق وإدارة الصراع العربي الإسرائيلي من دون حله، وتعمل على التأثير في الأوضاع السياسية الداخلية لدول المنطقة، كانت روسيا تعيد بناء جيشها وتعيد النظر في عقيدة الحرب القتالية، وبدا واضحاً سعي بوتين إلى إعادة فرض هيبة روسيا في العالم، ونجح في ذلك إلى حد ملحوظ، بحيث تمدّد الدب الروسي العائد ليحتل مناطق نفوذ جديدة. ولقد وصل الأمر في منطقة الشرق الأوسط إلى حد أن دولاً حليفة تقليدياً لأميركا، بدأت تضع في حساباتها المصالح والأهداف الروسية. التوجه الروسي الشرق أوسطي في عهد بوتين يأتي في هذا السياق، طارداً للنزعة التغريبية التي سيطرت على إدارة دفة السياسة الروسية الخارجية، حين أقام يلتسين علاقات شراكة استراتيجية مع الغرب بدا فيها تابعاً أكثر مما كان شريكاً. ولم يكن بوتين وحيداً في تبني التوجّه الجديد «العودة»، ذلك أن زحف حلف شمال الأطلسي نحو الشرق، واستبعاد تدخّل روسيا في الشأن البلقاني، عوامل إلى جانب عوامل داخلية أخرى، ساهمت في تقوية تيار أكثر نزوعاً نحو الشرق، وهو تيار اعتبر أن آسيا الوسطى والقوقاز مناطق حيوية لروسيا، تجب حمايتها ولو بالتدخل العسكري. وبالفعل، فقد أنهت روسيا التمرّد في الشيشان وتدخلت روسيا في عسكرياً في جورجيا ولاحقاً ضمت أو (استعادت) شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. العودة الروسية ولا شك في أن العودة الروسية إلى الشرق الأوسط لا تخرج عن التوجّه العام في عهد بوتين لدرجة أن مجلة فورين بوليسي الأميركية قالت إن بوتين يتحدى الولايات المتحدة كقوة عظمى. وتساءلت: لماذا تعود روسيا إلى الشرق الأوسط الآن؟ وقالت إن بوتين يريد أن يتحدى فكرة أن النظام العالمي يسير بقيادة أميركا، وإنه يريد التشجيع على عودة العالم المتعدد الأقطاب. واستدركت فورين بوليسي بالقول إن موسكو تدعم الأنظمة في دمشق والقاهرة وطبرق (ليبيا) تحت عنوان مناهضة انتشار «الإسلام المتطرف»، إلى أن بوتين دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة. واستنتجت الصحيفة أنه «بات يتعين على الغرب أن يتعامل مع وضع صعب لدولة عضو بالناتو تلتقي الفلسفة السياسية لرئيسها أردوغان بقواسم مشتركة مع فلسفة بوتين». نحو مصر أخذت العلاقات الروسية المصرية بعد ثورة 30 يونيو عام 2013، شكلًا من أشكال التقارب العميق ووصلت حدوداً غير مسبوقة، حيث اتسمت العلاقات بين الطرفين عقب تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، منصب الرئاسة بالتعاون الوثيق في المجالين العسكري والسياسي، ناهيك عن تبادل الزيارات بين حين وآخر. وفي عام 2014، وقّعت مصر مع روسيا أول صفقة أسلحة كبيرة منذ الحرب الباردة، ومن اللافت تقارب وجهات النظر المصرية والروسية فيما يخص الشأن السوري، إذ أعلن السيسي صراحةً أن استقرار سوريا يرتكز على دعم الأسد، كونه رجلاً قوياً. صحيفة واشنطن تايمز نشرت مقالاً للكاتب هيربت لندن أن روسيا ومصر عقدتا اتفاقاً نووياً جنباً إلى جنب مع صفقة أسلحة روسية إلى القاهرة، ما يعني عودة روسيا إلى مصر للمرة الأولى منذ أربعة عقود، وأشار إلى أن موسكو تخطط للبقاء في المنطقة فترة طويلة، خاصة في ظل اتفاقاتها النووية مع مصر والأسد، حيث تخطط موسكو لبناء منشأتين نوويتين في سوريا. وأشارت إلى أن روسيا كانت أُجبرت على الخروج من الشرق الأوسط في حرب أكتوبر 1973، لكنها الآن تعود بكل قوتها إلى المنطقة، خاصة عقب الاتفاق مع إيران وتراجع الدور الأميركي في المنطقة. وأضافت إن بوتين أشار في أكثر من مناسبة إلى أن تفكيك الاتحاد السوفييتي كان أمراً مهيناً، وبالتالي فإن بوتين يرى أنه يمكنه استعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية مجدداً، وذلك من خلال تقويض الدور الأميركي المهيمن على الساحة العالمية، خاصة في ظل سياسة الإذعان للأمر الواقع التي يمارسها الرئيس الأميركي باراك أوباما. التدخّل في سوريا وبدا واضحاً أن التحول الكبير بدأ مع التدخل الروسي في سوريا، منذ أواخر سبتمبر 2015، الأمر الذي اعتقد كثير من المحللين الغربيين، بل العرب، أنه لن يدوم طويلًا، وأنه غير فعال، وسيعود بالضرر على الجيش الروسي، لكن ما حدث أن روسيا حققت من هذا التدخّل أهدافاً مهمة، أولها أنها أكدت صدقها في مساندة حلفائها، عكس الولايات المتحدة كما في نظر عدد من حلفائها. ووصل التأثير إلى حد أن روسيا أجبرت حلفاء مهمّين للولايات المتحدة، كتركيا وإسرائيل، على اللجوء إليها والتنسيق معها في الشأن السوري، هذا بالإضافة إلى تحالف بوتين مع إيران، الأمر الذي شكَّل إزعاجاً للعديد من دول المنطقة، وأربك حسابات عدة. ولا يزال التدخل العسكري الروسي في سوريا يثير جدلاً واسعاً في الأوساط الإقليمية والدولية، وسط تساؤلات عن الأهداف الكامنة، خاصة بعد نشر صواريخ متطورة وأسلحة ثقيلة في البلاد. في هذا الإطار، تحدثت صحف أميركية وبريطانية عن النيات الروسية وراء تعزيز قوتها العسكرية في سوريا، وعن الدور الذي يريد الرئيس بوتين أن يلعبه على المستوى الدولي، وذلك من خلال نفوذه في سوريا والمنطقة. فقد نشرت صحيفة واشنطن تايمز مقالًا للكاتب هيربت لندن أشار فيه إلى أهداف موسكو في الشرق الأوسط، وقال إن الهدف الواضح الأول لروسيا من وراء هذا التعزيز العسكري يتمثل في عزم موسكو دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بوصفه النظام الذي حافظ على الوجود البحري الروسي في شرقي البحر المتوسط. الكثير من المحللين والخبراء الأميركيين يعترفون بأن روسيا في حال صعود في أرجاء المنطقة، والولايات المتحدة في تراجع، وأنه إذا كان أحد أهداف بوتين بوجوده بالشرق الأوسط هو إذلال الولايات المتحدة، فإنه قد تحقق له هذا الهدف، وأن الرئيس السابق باراك أوباما يكون قد فتح الباب في الشرق الأوسط لبوتين على مصراعيه. وإذا كان أوباما متّهماً بذلك، فإن الرئيس الأميركي الجديد متّهم بما هو أكثر. وحتى لو لم يثبت هذا الاتهام فإن المعلن في سياسة ترامب يشير إلى عدم استعداده لمواجهة طموحات بوتين. دراسة يبني أستاذ العلاقات الدولية والسياسة الدولية والإستراتيجية والكاتب العراقي كاظم هاشم نعمة دراسته «روسيا والشرق الأوسط بعد الحرب الباردة - فرص وتحديات»، على أن النفعية الواقعية الهجومية الدفاعية ومقومات القوة الشاملة، لا المثالية الغربية الليبرالية أو الأيديولوجيا، هي الدافع الرئيس للسياسة الخارجية الروسية بعد الحرب الباردة، وأن التحولات الجذرية في الشرق الأوسط أفضت إلى واقع بنيوي جديد لما بعد الحرب الباردة

مشاركة :