حرّكتْ الصورة التي نشرها الرئيس الإيراني حسن روحاني على موقعه على «إنستغرام» مع فتاتين إيرانيتين أثناء رحلة جبلية بمناسبة عيد النوروز أواخر الشهر الماضي ضجة إعلامية في إيران. وفي حين كان سهلاً تفسير ظهور روحاني في الصورة في بدلة رياضية بملامح شبابية بأن المقصود منه استقطاب فئة الشباب في الانتخابات الرئاسية في 19 أيار (مايو) المقبل، فإن هذا لا يقلل من قيمة ومغزى الجدل الفكري والسياسي الذي أثارته الصورة بين المعتدلين والمتشددين، وهو ما دلّت عليه التعليقات على الصورة التي اقتربت من 20 ألف تعليق، وهي حالة نعثر من خلالها على ما يؤكد تطلّب الإيرانيين للحرية ولحق الاختيار والحض على نزع القداسة عن الفردي والشخصي، فمعهما يتخلّق جمالٌ أكثر، وقد خاطب بعضهم الرئيس: «السيد روحاني أنت أجمل بهذا الشكل من دون العمامة، وعليك تركها»، ورأى معلّق آخر أن «روحاني أراد أن يقول للشعب الإيراني: ليس لدي مشكلة مع الفتيات اللاتي لا يرتدين الحجاب بشكله المطلوب». وإذا كان نظام شمولي كالنظام الإيراني لا يكاد يُفسح لهذه الأصوات إلا أن تكون على «هامش الهامش»، أو بلا سلطة حقيقية نافذة تساندها، فإن النبرة الأعلى كانتْ لمن رأى أن صورة الرئيس على «إنستغرام» من شأنها أن تقوّض أركان الفضيلة، وتُغري بالخروج عليها، فذهبوا إلى أن «الصورة مع فـتـيـات لا يـحترمن الحجاب مخالف للقيم الشرعية»، وأنه «لو كانت الشرطة الدينية الإيرانية في هذه المرتفعات الجبلية لربما قامت باعتقال روحاني»، لأنه «يشجع الشباب والمواطنين على التمرد على «التقاليد الإسلامية» المفروضة». ولعل هذا يُحيل إلى ظاهرة الإضعاف المتنامي لموقع مؤسسة الرئاسة في إيران، في سياق تصاعد نفوذ الحرس الثوري المتحالف مع مؤسسة المرشد. ولقد راهن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وغيره من المسؤوليين الأوروبيين، عند توقيع الاتفاق النووي الإيراني على أن الأخير سيقوّي «هامش الهامش» ويُحْدِث مع الوقت «صراعَ أجيالٍ» في إيران، ينقلها تدريجياً من التشدد نحو الاعتدال في الداخل والخارج، بعد أنْ يغدو الهامشُ متناً! وتبدو مؤشرات هذا الرهان مُخيّبة للآمال، في ظل تصاعد قمع إيران للداخل، وتمدد تدخلاتها وميليشياتها في الخارج. ولا شكّ في أنّ غياب هاشمي رفسنجاني وضعف المرشحين المحتملين لخلافة خامنئي، سينعش التيار الأصولي ويجذره أكثر فأكثر، ويعطي للحرس الثوري اليد الطولى للهيمنة الكاملة على مقاليد السلطة والثروة في إيران، ويقوّض أي بقايا لمفهوم «الديموقراطية الانتخابية الدينية»، في ظل كثرة التقييدات التي تتحكم في مخرجات العملية الانتخابية، بحيث «لا تقود إلى أي تغيير، ولا تنطوي على احتمال المفاجأة»، سواء في موقعي الرئيس أو المرشد المقبل، وكل هذا مصحوب بمحاصرة وعزل وتخوين رموز معتدلة على المستوى السياسي (محمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي) أو على المستوى الفكري (عبد الكريم سروش مثلاً). وفق هذه الاعتبارات والمواضعات سنقرأ في شكل مختلف كلمة روحاني التي نقلها في الآونة الأخيرة التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة ودعا فيها إلى حريات اجتماعية أكبر، وما زاد غضب الأصوليين منه قوله: «كيف يكون البكاء الكثير حلالاً والضحك حراماً»؟. وللأسف هذا الصوت، وإن كُتب له النجاح في انتخابات الشهر المقبل، فإنه بلا مخالب أو سلطة كاملة، وهو لا يخرج عن الخطوط الحمر. إنه يُعطي صورة مضلِلة للغرب، الذي يغيب عنه، أحياناً، أنّ ذاك... صوتُ «سُلطة الهامش». * كاتب أردني
مشاركة :