جواسيس الحرب الباردة .. الروس تحت السرير

  • 4/4/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في أوائل عام 1961 تم الكشف عن "شبكة تجسس بورتلاند" في بريطانيا. من بين عملائها كان هناك أمريكيان، رجل وزوجته، في منتصف العمر يعيشان في ضواحي رايسليب. كانا يؤديان دور بائعين للكتب الأثرية وفي الوقت نفسه يرسلان أسرار الغواصات إلى روسيا.وفي نيسان (أبريل) من العام نفسه، حكم على العميل المزدوج، جورج بليك، بالسجن 42 عاما. بحلول عام 1963، زميله الخائن، كيم فيلبي، كان على متن قارب إلى روسيا، والبريطانيون كانوا قلقين من قضية بروفيومو (فضيحة جنسية ظهرت على شكل فضيحة أمنية). رئيس الوزراء هارولد ماكميلان الذي كره كل واحد من هذه الإحراجات، وكان يشير بنوع من الاستياء إلى "ما يسمى الأجهزة الأمنية"، استقال في نهاية المطاف.أنا أؤلف كتابا عن التجسس في حقبة الحرب الباردة. قضيت ساعات وأنا أعيش عقليا في الستينيات، وعندما أخرج لتنشق الهواء وتفقد الإنترنت، أشعر كما لو أني أقرأ الجزء الثاني. الزعيمة اليمينية المتطرفة الفرنسية، مارين لوبن، الممولة إلى حد كبير من روسيا، تزور فلاديمير بوتين. شبكة البث الموالية للكرملين "لايف نيوز" تفاخرت بأن "موسكو ستساعد لوبن على الفوز بالانتخابات"، قبل أن تحذف التغريدة بعد ذلك ببضع دقائق.في الوقت نفسه، في واشنطن، يحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي في ما إذا كانت موسكو قد ساعدت دونالد ترمب على الفوز. مقارنة بما يحدث اليوم، التجسس في الحرب الباردة كان لعبة أطفال، لكنه مع ذلك يوفر نظرة ثاقبة للنفوذ الروسي اليوم.البريطانيون والأمريكيون في الخمسينيات والستينيات كانوا يشعرون بقلق فوق الحد بشأن وجود الروس تحت السرير. الجواسيس النوويون في الأربعينيات ربما ساعدوا بالفعل على تسريع بناء الاتحاد السوفياتي للقنبلة، لكن معظم الخونة الغربيين اللاحقين كانوا صغارا. المعلومات التي أرسلوها إلى موسكو كانت في الأغلب تافهة، أو غير موثوقة، أو يتم تجاهلها. وكان الكرملين يملك عددا قليلا من الأصدقاء السياسيين الغربيين غير الأحزاب الشيوعية الوطنية التي لا أمل منها.في الواقع، الخطر الكبير في تلك الأيام لم يكن الحجم الكبير لما كان يعرفه السوفيات عن صناعة السياسة الغربية، لكن الحجم القليل. كل جانب في الخمسينيات كان يتحسس وسط جو ضبابي، غير متأكد ما إذا كان الجانب الآخر يخطط لهجوم ـ ما جعل من المغري الهجوم أولا.اليوم، القرصنة تمنح موسكو معلومات وافرة. يقول الكاتب الأمريكي، ماكس بوت: "أي جهاز استخبارات أجنبي ليس لديه عميل عضو، أو موظف في مارالاجو هو مذنب بعدم الكفاءة". لكن من الذي يحتاج إلى الجواسيس عندما يستخدم ترمب هاتفا خلويا غير مؤمن في منتجعه في فلوريدا؟ارتقت روسيا أخيرا من جمع المعلومات إلى جمع النفوذ. هذا كان بتسهيل من الوجود الروسي في الشركات العالمية – وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره خلال الحرب الباردة. اليوم، وراء كل ثروة روسية كبيرة توجد صداقة كبيرة مع الكرملين. ترمب ولوبن ليسا من الشخصيات غير المألوفة، لكنهما جزء من سلسلة متصلة من شبكات النخبة الروسية الغربية. ترمب في مجال العقارات في نيويورك، ووزير خارجيته، ريكس تيلرسون، في مجال النفط، ومدير الحملة السابق، بول مانافورت، في مجال الاستشارات السياسية، يأتون من صناعات حيث الأموال الروسية أمر طبيعي.فرانسوا فيون، المرشح الرئاسي الفرنسي ومستشار الشركات، لا بد أن يتساءل عن سبب شكوى الناس من مبلغ الـ 50 ألف دولار الذي يزعم أنه تلقاه مقابل تعريف ملياردير لبناني على بوتين، بينما المستشارون الآخرون من المحتمل أنهم أعجبوا به لذلك. (فيون نفى القصة).تقول ألينا بولياكوفا، من "المجلس الأطلسي"، وهو مؤسسة فكرية، إن بعض رجال الأعمال الروس يحتضنون وسطاء السلطة الغربيين من أجل إرضاء بوتين. كانت هناك ضجة في لندن عندما أصبح السياسي، جورج أوزبورن، رئيسا لتحرير صحيفة "إيفنينج ستاندرد". لكن هناك جانبا غير ملحوظ من الصفقة هو أن مالك صحيفة "ستاندرد"، إيفجيني ليبيديف، ابن عميل في الاستخبارات الروسية، هو نفسه يكتب مقالات موالية لبوتين. أوزبورن ليس من أصدقاء الكرملين، لكن إذا عاد في أي وقت إلى مجلس الوزراء من المفترض أن ليبيديف سيكون سعيدا.على مدى أعوام كان السياسيون الغربيون يأخذون الأموال الروسية مع حصانة، لأن عددا قليلا من الناخبين كان يهتم. شعر الناس بالقلق بشأن "الطابور الخامس" المفترض في الجزء الأدنى من المجتمع، لكن ليس بشأن الطابور الخامس من أصدقاء بوتين في القمة. هذا يفسر لماذا مساعدو ترمب بالكاد اكترثوا بإخفاء الاجتماعات الرسمية مع الروس. بعد فضيحة "روسيا جيت" بدأ الجمهور الآن بالاهتمام، ربما بعد فوات الأوان. إذا أصبحت لوبن (التي تنفي أن روسيا غزت شبه جزيرة القرم) رئيسة في أيار (مايو)، سيحصل الكرملين على أصدقاء يديرون اثنتين من القوى العسكرية الرئيسية الثلاث في الغرب. حتى ستالين لم يكن بإمكانه أن يحلم بذلك.بعد القراءة عن الجواسيس أدركت أن الضرر الأكبر الذي ألحقوه بالبلدان الغربية لم يكن من خلال سرقة الأسرار، بل نتيجة للإمساك بهم. في كل مرة كان يتم فيها الكشف عن مسؤول بريطاني – كان هذا تقريبا بمنزلة طقس في الفترة من عام 1946 إلى 1963 - كانت ثقة البريطانيين في المجتمع تتراجع أكثر. كان مسؤولو الأمن ينظرون إلى بعضهم بعضا ويتساءلون: "هل أنت عميل للاستخبارات الروسية؟" الاختلال الوظيفي المليء بجنون الشك أصاب الدولة بالعدوى. في الولايات المتحدة، مطاردة الجواسيس في الخمسينيات ـ من قبل جوزيف ماكارثي ـ قام بعمل السوفيات بالنيابة عنهم، بصنعه حالة من جنون الشك على المستوى الوطني.هذا يحدث مرة أخرى اليوم، لكن المشتبه بهم الآن يشغلون مناصب أعلى من شخصيات الموجة الأولى. وجنون الشك الروسي هذه المرة أكثر تعمدا. القرصنة الروسية للانتخابات الأمريكية كانت "صاخبة بشكل غير اعتيادي"، كما يقول مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، ربما لأن هدف موسكو كان "إخافة الناس". هذا ينجح. قبل ستة أشهر، اعتقد الناخبون الشعبويون أن أفراد النخب فاسدون. اليوم، في الوقت الذي يتودد فيه الزعماء اليمينيون لبوتين، يصل الناخبون من يسار الوسط إلى النتيجة نفسها. بالمقارنة، باعة الكتب الجواسيس في رايسليب في الستينيات يبدون باعثين على الاطمئنان.Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: سايمون كوبر من بروكسلpublication date: الثلاثاء, أبريل 4, 2017 - 03:00

مشاركة :