حظر أوروبا لـ «الإخوان»..والتأثير على وجود الجماعة في الشرق الأوسط

  • 5/4/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

يأتي قرار البرلمان الكندي بأغلبية ساحقة على إعادة النظر في نشاطات جماعة الإخوان المسلمين، في المرتبة الثانية بعد بريطانيا، وفيما يشير قرار الحكومة البريطانية، في 1 أبريل 2014 الماضي، بالتحقيق في أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا وعلاقتها بالتطرف، إلى اتجاه لندن لإعادة النظر في سياساتها تجاه الجماعة، وإن كان ذلك قد لا يؤسس إلى تغيير هيكلي في سياسات بريطانيا تجاه الإخوان، بقدر ما يؤدي إلى تكيّفها مع المناخ الإقليمي المعادي للإخوان في الشرق الأوسط، بشكل لا يضرّ بالعلاقة التاريخية مع الجماعة، والتي انعكست في منح بريطانيا اللجوء السياسي لعدد من قياداتها، ولا يناقض رغبتها في الحفاظ على صورتها كدولة لا تعادي قوى الإسلام السياسي «المعتدلة». وقد ظلَّ موقف الحكومة البريطانية من قيادات الإخوان المصريين في لندن مثار جدل، خاصةً مع وجود تقييمات لدى بعض المؤسسات الأمنية، ترى أن هذه الجماعة «إرهابية»، ومن ذلك تقييم الرئيس السابق لجهاز الأمن الخارجي البريطاني»MI6»، ريتشارد دييرلوف، الذي وصفها بأنها «في القلب هي منظمة إرهابية»، ولكن ذلك لم ينعكس في السياسات الحكومية الرسمية، حيث تم تصوير الجماعة على أنها الجناح المعتدل لقوى الإسلام السياسي، واستفاد قادتها الموجودون في لندن من مناخ الحريات، للتعبير عن أفكارهم ورؤاهم، ويبدو أن ما عزز هذا التصور هو عدم ممارسة الجماعة العنف في لندن (حتى الآن)، وإدانتها أعمال العنف التي مارستها جماعات إسلامية أخرى، فضلًا عن مطالبتها بالديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. كما أن بعضًا من قيادات الجماعة اتخذ لندن فقط كمركز لتجميع الأموال الخاصة بالتنظيم وإعادة تشغيلها في أعمال أخرى، ما جعلها تدر عليه ربحا كثيفًا فحقق بذلك ثراء فاحشًا من لا شيء. وقد تزايد اعتماد قيادات الإخوان المصريين على لندن، بعد ثورة 30 يونيو 2013، حيث تحولت إلى ما يشبه مقرًّا لنشاطاتهم في أوروبا (مثل قطر في الدول العربية) سواء على مستوى الاجتماعات التي يتم عقدها، أو على مستوى استفادتهم من الحرية الصحافية هناك (حسبما ترى الجماعة). فعلى سبيل المثال، تحولت صحيفة «الجارديان» إلى نافذة يعبر من خلالها قادة الإخوان عن رؤيتهم للتطورات السياسية في مصر، كما طورت قيادات الإخوان شبكات تعاون مع عدد من المنظمات الحقوقية العاملة، ومراكز الفكر والجماعات البحثية في بريطانيا، بهدف نشر أفكار محددة حول الوضع السياسي في مصر، وأصبح المقر الصحافي للجماعة موجودًا في شمال لندن، والتي تحفظت عليه الحكومة البريطانية تخوفًا من استغلاله في عمليات تضرّ بالأمن القومي البريطاني. لكن اللافت أن سماح الحكومة للإخوان بالعمل في بريطانيا، حوّل الجماعة إلى عنصر جذب للمواطنين لاتباع أفكارهم، حتى أصبح هناك أتباع بريطانيون للجماعة، يؤمنون بأفكارها، ويدافعون عنها، كما تطورت نتيجة لذلك جماعة أكاديمية في الجامعات ومراكز الفكر البريطانية مؤيدة للجماعة، وتدافع عن مستقبلها السياسي في مصر وغيرها من الدول العربية. فيما جاءت الريح بما لا تشتهي السفن، فقد أثار قرار بريطانيا المبدئي بالتحقيق في نشاطات الجماعة، حفيظة القيادي الإخواني منير إبراهيم، وحسب ما نقلت صحيفة التايمز البريطانية، تحذيرًا من إبراهيم منير، أبرز قادة الإخوان المسلمين في لندن، للحكومة البريطانية من أن حظر الجماعة في المملكة المتحدة سيزيد احتمال تعرضها لهجمات إرهابية. وقال منير: إنه «إذا وقع (الحظر)، فإن هذا سيدفع كثيرين فى مجتمعات مسلمة إلى الاعتقاد بأن قيم الإخوان المسلمين (السلمية) لم تنجح، وأنهم يوصفون بأنهم جماعة إرهابية، وهو ما يفتح الباب أمام الاحتمالات كافة». وبسؤاله عما إذا كان يقصد أن الباب صار مفتوحًا على العنف، أجاب قائلًا: «أي احتمال»، بحسب التايمز، ومضى منير قائلًا إن «هذا سيخلق مزيدًا من المشكلات أكثر مما توقعناه على الإطلاق، وليس لبريطانيا فحسب، وإنما لكل المنظمات الإسلامية التي تعتنق أفكارًا سلمية في أنحاء العالم، معتبرًا أن سمعة بريطانيا في العالم الإسلامي سوف تتضرر إذا حظرت جماعة الإخوان المسلمين. وعقد منير مقاربة مع قرار غزو العراق، قائلًا: إنه كان ينظر إليه على نطاق واسع في المجتمعات المسلمة باعتباره «حربا على الإسلام». ومضى متسائلًا «ثم ماذا حدث هنا (في لندن) في عام 2007؟ وفي (العاصمة الإسبانية) مدريد»، وذلك في إشارة إلى هجمات إرهابية وقعت في المدينتين الأوروبيتين. واستنادًا لقرار الحكومة البريطانية، سوف يشارك جهاز المخابرات البريطاني الداخلي والخارجي MI5 وMI6 في التحقيقات، فيما سيقود السفير البريطاني جون جينكنز التحقيق، الذي سوف يتضمن أنشطة الجماعة في داخل بريطانيا وفي الدول العربية، وعلاقة الجماعة بالأعمال المتطرفة والإرهاب والعنف، فضلًا عن مراجعة فلسفة الجماعة، وأهدافها، والتحقيق في كافة الأنشطة التي تقوم بها، والتي تهدد المصالح الوطنية لبريطانيا. ولا يمكن القفز على نتائج التحقيق الذي ستقوم به اللجنة الحكومية، ولكن يمكن تحديد عددٍ من التحولات التي ستنتج عنها في سياسات لندن، وهي تحولات تكيفية، تسعى من خلالها لندن إلى التأقلم مع الوضع الجديد للإخوان في المنطقة. يتمثل التحول الأول في بداية انتقال بريطانيا إلى دولة «متوجسة» من الإخوان، فرغم أن التقديرات الحالية تشير إلى أن تصنيف لندن للجماعة على أنها «جماعة إرهابية» هو «ممكن» في إطار قانون مكافحة الإرهاب الصادر في 2000، ولكن غير محتمل، إلا أنه من المتوقع أن يكون هناك تضييق على أنشطة الجماعة انطلاقًًا من لندن، وقد تأخذ بهذا التضييق دول أوروبية أخرى تنشط فيها الجماعة، خاصة أنه منذ يونيو 2013، استضاف مجلس العموم البريطاني مناقشات متعددة حول تزايد نشاط الجماعة، لا سيما في أوروبا، حيث تنشط من خلال 19 منظمة، تندرج تحت مظلة «تحالف المنظمات الإسلامية في أوروبا»، والتي لا يوجد مصدر رئيس لتمويلها، وتقوم بأنشطة متنوعة تجمع بين الضغط السياسي، وتنظيم المؤتمرات، وتنظيم أنشطة ثقافية للشباب، والدعوة، والعمل الخيري. ويرجع الحديث عن التضييق على أنشطة الجماعة وليس الحظر، إلى عدم وضوح نوع رد الفعل الذي يمكن أن تقوم به الجماعة، خاصةً بعد تصريحات إبراهيم منير، القيادي في الجماعة، التي كشف فيها عن أن «حظر الجماعة وتصنيفها على أنها إرهابية يجعل كل الخيارات متاحة بما في ذلك العنف». وينصرف التحول الثاني إلى موقف بريطانيا من النظام في مصر، حيث يؤسس إلى تراجع لندن عن مطالبها الخاصة بالمصالحة بين النظام وجماعة الإخوان، وهو مطلب عبرت عنه من قبل الخارجية البريطانية، وسعت للتعبير عنه من خلال الاتحاد الأوروبي، حيث حاولت كاثرين آشتون الممثل الأعلى للشؤون السياسية والأمنية في الاتحاد التوسط بين الطرفين بعد ثورة 30 يونيو، حتى إن لندن سعت إلى التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني في مصر، بهدف الترويج لهذه الفكرة. وتدرك الجماعة، أن تراجع الدعم الأوروبي لها كجماعة «معتدلة»، وهو ما قد يترتب على حظر بعض أنشطتها، يزيد من إضعافها في الداخل، ولذا اتجهت في بيانها للحديث عن استعدادها للتعاون مع الحكومة البريطانية في التحقيق، في مسعى منها لتجنب التشدد، أو عدم التعاون مع الحكومة البريطانية، وهو ما قد يكون له تأثيره على نتائج التحقيق. ويتعلق التحول الثالث بسياسات بريطانيا تجاه دول الخليج، لا سيما الدول التي تعتبر هذه الجماعة «إرهابية» مثل السعودية والإمارات، إذ إن بريطانيا لم تكن مقرًّا لإخوان مصر فقط، بل تستضيف أيضًا عناصر معارضة إخوانية من دول عربية أخرى، وهو ما يعني أن هذا القرار ربما يكون بداية لمعالجة قضية خلافية كان «مسكوتًا عنها» طوال الفترة الماضية بين بريطانيا وهذه الدول. ويظل التحول في سياسات بريطانيا تجاه جماعة الإخوان المسلمين مرتبطًا بنتائج التحقيق في أنشطة الجماعة، التي لم تتضح أبعادها بعد، ولكن في كل الأحوال، سيكون هذا التحول بالقدر الذي يخدم مصالح لندن، ويحافظ على استقرار أوضاعها الداخلية، ويجنبها التعرض لموجة عنف إخوانية محتملة خلال الفترة المقبلة، كما أنه بالطبع سوف يكون له تأثير مباشر على أنشطة الجماعة في كافة دول الشرق الأوسط ككل، بدون التطرق إلى بعض الدول التي ما زالت تحتفظ بعلاقات وطيدة مع الجماعة، إلا أن البراهين تثبت بأنها رويدًا رويدًا بدأت في الانفصال عن الجماعة حفاظًا على علاقات أبدية أو مصالح وقتية.

مشاركة :