حين دلفت إلى حلقة الخضار بجدة فجرًا كانت ترتسم في خيالي صورة أولية لما سيكون عليه حراج الخضار، وتحديدًا في جودة المنتجات المعروضة للبيع وأنها قد فُحصت في المختبر وأصبحت مجازة للبيع، لكن تلك الصورة بدت تتلاشى شيئًا فشيئًا وتكونت لدي صورة أخرى مناقضة لها بعد سؤالي عددًا من الدلالين في الحراج عن فحص البضاعة والذين نفوا لي فحص بضاعتهم مؤكدين أنه يتم تنزليها من الشاحنات وتعرض مباشرة في الحراج ولا يتم الفحص إلا بعد تلقي شكوى من المستهلكين! وبعد أن أوشك أحدهم من الانتهاء من تحريج بضاعته سألته: «هل تم فحص هذا الخيار»؟ فأجاب والدهشة تعلو وجهه: «لا أحد يضحك عليك ويخبرك أن بضاعته مفحوصة» قلت له: «ألا يوجد مختبر» فأجاب: «هو موجود» وأشار بسبابته نحوه، وأردف قائلا: «لكن لا يتم فيه الفحص إلا بين الفينة والأخرى وخاصة إذا وردت شكوى من متضرر، فحينئذ يتم أخذ عينات عشوائية لفحصها والتأكد من ذلك». أما أحدهم فقد قال لي متهكمًا بعد أن سألته عن فحص الطماطم: «أنت زرت أوروبا؟» وتابع قائلا: «أنت في الدول العربية، مشي حالك بس، الناس كلها تأكل ولا تشتكي من شيء»! وفي وسط حراج الحلقة قابلت وتفاوضت مع آخر على شراء «بامية» وبعد أن أخذت أقلّب يدي في الكرتون سألته: «هل فحصت»؟ فأجاب مباشرة بالتأكيد، وبعد أن أخبرته أن عددًا من الدلالين نفوا لي الفحص. استدرك في حديثه وقال: «البضاعة تدخل السوق ولا يتم فحصها، إلا إذا ورد بلاغ من قبل الأمانة بذلك» ثم حاول أن يغريني بالشراء وقال: «توكل على الله، الناس كلها تشتري وتأكل ولا يحدث لها شيء، ولك أن تقلب البضاعة بكلتا يديك للتأكد من نظافتها»! لم يمض غير قليل حيث توجهت إلى المختبر الذي يقع في طرف الحلقة لأفاجأ بأنه مغلق ولا يفتح أبوابه إلا بعد الثامنة صباحًا -بحسب قول أحد العاملين في الحلقة- أي قد انتهى سوق الجملة والذي من خلاله يتم توزيع المنتجات الزراعية إلى باقي البسطات وكذلك الأحياء في جدة! وفي أثناء تواجدنا في الحلقة سألنا عددًا من المستهلكين عن مدى علمهم بفحص الخضار من عدمه، فقال أحمد الشهري، وخالد عبدالله وتركي باعظيم: «للأسف لا نعلم عن ذلك وأحيانًا يتهرب الباعة من الإفصاح عن ذلك» مقترحين أن تقوم الجهات المعنية بإلزام المزارعين بوضع جميع معلومات المزرعة والمنتج على العبوات الخاصة بنقل الخضروات حتى يتم التعرف على مصدر وعنوان المنتج، لتسهيل التعامل مع المصدر في حالة وجود تلوث». من جانبه قال مدير مشروع حلقة الخضار في جدة تركي السواط إن المختبر لا يعمل بكل طاقته وذلك لوجود نقص في الكوادر الفنية وقال: «يقتصر عمل المختبر حاليًا على تشغيل جزئي بنسبة 70% فقط، وذلك بسبب نقص في الكادر الفني، وتحديدًا في جانب فحص متبقيات المبيدات الكيمائية في المنتجات الزراعية المحلية، حيث يوجد فنيان فقط للفحص الميكروبيولجي «الأحياء الدقيقة» ومتبقيات العناصر الثقيلة «الكيمياء» فقط وهي الزئبق، الكادميوم، النحاس، الرصاص، القصدير، وذلك بصفة يومية حيث يتم جمع 8 عينات في الصباح ومن ثم فحصها». وأضاف السواط: «نقوم بأخذ عينات عشوائية من الخضار المحلية يوميًا دون علم الدلالين، حيث يكون تواصلنا مع المورّدين، وتستغرق النتيجة من 2-3 أيام حتى يتم التأكد من ظهور أي ميكروب من عدمه». وفي سياق متصل حذر أحد خبراء التغذية من مغبة عدم فحص متبقيات المبيدات الكيميائية للخضروات وقال: «تعد المبيدات الكيميائية أحد أخطر الملوثات البيئية والتي تستخدم في مكافحة الحشرات الزراعية في المزارع والحقول، ومن المهم تحليل الخضار في الأسواق قبل وصوله للمستهلك، حيث يشمل التحليل المركبات الكلورينية، الفسفورية، البيروثرودية الكارباماتية إلى جانب المجاميع الكيماوية الأخرى ومنها مركبات الدايثوكربامات والبنزيمدازول». وأضاف: «تدخل متبقيات المبيدات الكيميائية إلى جسم الإنسان عن طريق الخضار والفواكه الملوثة التي تحمل الآثار المتبقية من هذه السموم ومن ثم تصل إلى الدم وإلى جميع أعضاء الجسم وتستقر فيها وتسبب له العديد من الأمراض الخطيرة ومنها (أمراض الكبد والفشل الكلوي والسرطانات) كما تشير نتائج البحوث العلمية إلى أن الأثر المتبقي لتلك المبيدات يؤدي إلى ضعف الحالة الجنسية، ويسبب في النهاية العقم، وبالنسبة إلى المرأة الحامل فإن هذه السموم تنتقل من الدم إلى مشيمة الأم ومن ثم إلى جنينها وتسبب تشوهات خطيرة للجنين. شيخ الدلالين: الفحص ليس يوميًا أوضح شيخ طائفة الدلالين في حلقة الخضار بجدة عصمت أبو زنادة أن الفحص على الخضار في المختبر لا يتم بشكل يومي وإنما بين الفينة والأخرى، وقد تمت مخاطبة المستثمر بذلك ليكون الفحص يوميًا لزيادة الاطمئنان على صحة المستهلك، إلا أنه أشار إلى وجود معوقات والتي من بينها نقص في عدد الفنيين العاملين في المختبر. تشغيل جزئي ونقص في الكادر الأمانة: مصادرة البضاعة عقوبة المخالف أشار المتحدث الرسمي باسم أمانة محافظة جدة عبدالعزيز الغامدي -في تصريح مقتضب- إلى وجود فحص يومي للورقيات في مختبر حلقة الخضار، وذلك عن طريق أخذ عينات عشوائية من المورّدين، وفي حال ظهور نتائج إيجابية للتحاليل، يتم إغلاق البسطة في الحلقة ومصادرة الكمية الموجودة في السوق». المزيد من الصور :
مشاركة :