عين عيسى (سوريا) - تحت جنح الظلام يخرج الناس هاربين خلسة من معقل تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة مع اقتراب قوات مدعومة من الولايات المتحدة منه، مخاطرين بالخوض في حقول ألغام ومصادفة مقاتلين معادين بدلا من المجازفة بالموت في معركة كبرى يتوقع أن تدور رحاها قريبا. وقد استخدم تنظيم الدولة الإسلامية التهديد والوعيد لمنع الناس من الرحيل بل وأرغم البعض على العودة إلى المدينة فيما يبدو أنها محاولة لاستخدامهم دروعا بشرية في مواجهة الهجوم المرتقب من جانب قوات سوريا الديمقراطية التي تحظى بإسناد جوي وبري أميركي. وفي مخيم شمالي الرقة يقول سوريون فروا من المدينة في الأيام القليلة الماضية إن الحواجز الأمنية التي أقامها التنظيم بدأت تختفي إذ أن المقاتلين يرحلون إلى جبهات القتال أو ينسحبون إلى مواقع حصينة في الجنوب. وقال عبدالله حمد علي الذي فر من الرقة مساء السبت الماضي سيرا على الأقدام مستعينا بمهرب دفع له 2100 دولار لإخراج أسرته من المدينة "لم يعد للحواجز الأمنية وجود. كانت موجودة من قبل لكنها أخليت." وفي مخيم مدينة عين عيسى التي تبعد 45 كيلومترا شمالي الرقة والذي أوى إليه أكثر من 3000 شخص من المدينة في منطقة تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية قال علي "سرنا عبر أرض زراعية مزروعة بالألغام." ويبدو أن الهجوم على الرقة سيمثل لحظة حاسمة في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على الدولة الإسلامية في العراق وسوريا في ضوء الحملة العسكرية العراقية على التنظيم في الموصل. ويكتنف الغموض عدد السكان الباقين في الرقة التي ظلت قاعدة لعمليات التنظيم في سوريا لأكثر من ثلاث سنوات ورمزا رئيسيا لدولة الخلافة التي أعلنها التنظيم في سوريا والعراق. وقبل موجة الرحيل الأخيرة كان عدد السكان في المدينة يقدر بنحو 200 ألف نسمة. ويتوقع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية أن تكون المعركة صعبة، فقد عمد التنظيم إلى إقامة التحصينات وحفر الخنادق في المدينة استعدادا للهجوم الذي قالت وحدات حماية الشعب الكردية إنه سيبدأ في أبريل/نيسان. استجواب الأطفال وفي حين يتجشم المدنيون الصعاب من أجل الرحيل يبذل التنظيم كل ما في وسعه لمنعهم. قال عبدالله شعبان الذي كان يعيش في المدينة وفر منها في وقت سابق من العام الحالي، لكنه لا يزال على اتصال بأهلها، إن المتشددين أعدموا رجلا واحدا على الأقل لقيامه بتهريب أسر من الرقة. وقال إنه تخلى عن محاولة إخراج أقارب له من المدينة في الوقت الحالي بسبب المخاطر. وقال علي محمد في مخيم عين عيسى إن المقاتلين على الحواجز الأمنية للتنظيم على الطرق خارج المدينة يعمدون إلى سؤال الأطفال بدلا من آبائهم عن وجهتهم. ويعاد من يُكتشف أنهم متوجهون إلى مناطق قوات سوريا الديمقراطية إلى الرقة ويتم احتجاز سائقيهم، بينما أقيمت المتاريس والتحصينات في المدينة. وقال مصطفى الأحمد الذي خرج من الرقة يوم الأحد متجها إلى عين عيسى "الوضع في الرقة فظيع. قوات سوريا الديمقراطية هي التي تتقدم لذلك فكرنا في الذهاب إليهم لوضع نهاية لذلك." ويأمل كثيرون في الرقة أن يرحل التنظيم الذي فرض تفسيره المتشدد للشريعة الإسلامية وجلب مقاتلين أجانب من مختلف أنحاء العالم إلى المدينة. ويقول بعض السكان إن كثيرين من هؤلاء الأجانب اختفوا الآن. لكن أحد السكان قال عبر الإنترنت من المدينة التي يغلب العرب على سكانها إن تنظيم الدولة الإسلامية يعمل على تضخيم الخوف من البديل ويقول للناس في الرقة منذ شهور إن وحدات حماية الشعب قادمة لارتكاب أعمال وحشية بحقهم. وتنفي قوات سوريا الديمقراطية ذلك وتصفه بأنه دعاية من التنظيم تهدف لإثناء الناس عن الهروب إلى المناطق التي تسيطر عليها. ارتفاع الأسعار وعمل التنظيم على زيادة الشعور بالذعر بوسائل أخرى، فقد أثار الذعر في المدينة بتحذيره من أن سد الطبقة الذي يقع على نهر الفرات على مسافة 40 كيلومترا، يواجه خطر الانهيار. وسارع كثيرون إلى الانتقال لمناطق مرتفعة هربا من طوفان لم يصل قط. ودفع هذا الفزع الآلاف إلى النوم على التلال الصحراوية على مشارف المدينة حسب ما قال ثلاثة من سكان الرقة السابقين وصلت هذه التفاصيل إلى أسماعهم. وقال التنظيم إن التحالف الذي تقوده واشنطن قصف السد الذي يخضع لسيطرة التنظيم. ونفت قوات سوريا الديمقراطية والتحالف ذلك واستبعدتا خطر انهياره. ومن مصادر القلق الكبرى في المدينة أيضا شدة الضربات الجوية المتزايدة التي يشنها التحالف. وتحدثت تقارير المرصد السوري لحقوق الانسان عن ارتفاع أعداد القتلى في صفوف المدنيين من جراء الضربات الجوية في الرقة خلال شهر مارس/آذار. وقال المرصد إن 33 شخصا قتلوا في غارة واحدة على مدرسة قرب الرقة. أما التحالف فيقول إنه قتل متشددين. ويقول سكان إنه تم ترتيب المواقع العسكرية للتنظيم بما فيها مخازن السلاح بالقرب من مبان سكنية بما في ذلك مخبز تعرض للقصف في الأسابيع الأخيرة. وفي الوقت نفسه شهدت الأسعار ارتفاعا كبيرا بسبب الحصار المتزايد. وتم تدمير الجسور القائمة على نهر الفرات الذي يمر على حدود الرقة متجها جنوبا. ويتم نقل المنتجات الزراعية بالمراكب عبر النهر وارتفعت الأسعار لأربعة أمثال ما كانت عليه. ويقول البعض ممن هم على اتصال بأقارب لهم في المدينة إنهم يطلبون إرسال المال إليهم لمجرد البقاء على قيد الحياة. وقال رعد بني عامر الذي تحدث مع أسرته في الرقة في الأيام الأخيرة "أسعار الطعام أصبحت باهظة هذه الأيام." وقال مازن حسون الناشط من الرقة والمقيم في أوروبا والذي يتواصل مع أصدقاء وأقارب في المدينة إن مقاتلي التنظيم مشغولون بحفر الخنادق حتى في الشوارع الخلفية. وقال أحد السكان إنه علم من والده أن أحد رجال الدين المعروفين من السعودية كان من بين الأفراد الأجانب في التنظيم الذين لم يعد أحد يشاهدهم في المدينة. وقال "سمعت أن الشيخ مشغول مع المجاهدين على الخطوط الأمامية. ليس لديه وقت لإلقاء الخطب هذه الأيام."
مشاركة :