كل الوطن- الخليج اون لاين :لطالما أثار تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع الثورة السورية المندلعة منذ 6 سنوات، الشكوك حول صدق تصريحاتها بأن على الأسد الرحيل، وحول جدية رغبتها بدعم التغيير في سوريا. نكثان الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، بتعهده برد من المجتمع الدولي في حال تخطى بشار الأسد “الخط الأحمر” واستخدم السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وهو ما حدث في أغسطس/آب 2013 عندما ارتكب مجزرة الغوطة بقصفها بغاز السارين، التي راح ضحيتها أكثر من 1400 شخص، بينهم عائلات بأكملها، شكل علامة فارقة في الصراع السوري، خاصة أن أوباما عفا عن الأسد بعد أن سلم الأخير ترسانة أسلحته الكيماوية ونجا من العقاب الموعود. ومنذ ذلك الحين، بات الصمت الدولي وعدم اكتراث الإدارة الأمريكية سيد المواقف، أمام تعرض الشعب السوري على مرأى العالم وسمعه لجرائم ومجازر يومية، وهو ما جعل السوريين يشعرون أنهم تركوا وحدهم في مواجهة أعتى نظام ديكتاتوري دموي وحلفائه الروس والإيرانيين. ومع مجزرة خان شيخون في إدلب، التي ارتكبتها قوات الأسد في الرابع من شهر أبريل/نيسان الجاري، تعود “الأسلحة الكيماوية” في سوريا إلى واجهة الأحداث، خاصة مع تزامن هذه المجزرة مع تصريحات من أركان إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأن القبول ببقاء الأسد في الحكم يجب أن ينظر إليه من باب “الواقعية السياسية”. وللأسلحة الكيماوية السورية قصة طويلة ولافتة في صراع المعارضة السورية السياسي مع المجتمع الدولي لسحب شرعية نظام الأسد، كشف النقاب عنها رئيس الحكومة السورية المؤقتة السابق، أحمد طعمة، في حديث مع “الخليج أونلاين” بالتزامن مع مجزرة “خان شيخون”. طعمة روى أنه في أبريل/نيسان من العام 2013، ذهب وفد من الائتلاف الوطني السوري إلى لندن برئاسة المعارض السوري، لحضور اجتماع وزراء خارجية أصدقاء الشعب السوري، وفي هذا الاجتماع طلب المندوب البريطاني والفرنسي، برعاية أمريكية، أن تتعهد المعارضة السورية في حالة الحل النهائي في سوريا بتدمير السلاح الكيماوي. وأضاف: “أنا اعتبرتُ الأمر جيداً، لكن بعض أعضاء الوفد رفض ذلك، واعتبر أن السلاح الكيماوي هو ملك للشعب السوري الذي دفع ثمنه غالياً من أمواله، ويمكن أن يكون رادعاً لحماية سوريا من الاعتداءات الخارجية”، مبيناً أن “المعارضة لم تكن تتوقع أن يقوم النظام باستخدام الكيماوي ضد السوريين”. وبرر أحمد طعمة موافقته على هذا المطلب بأنه جاء بسبب انتمائه لمنظمات “مضادة للعنف”، مضيفاً: “كان على المعارضة تقديم هذا التعهد، وعدم الاحتفاظ بهذا السلاح حتى لو كنا أحراراً بذلك، لأنه من باب أخلاقي لا يمكن الاحتفاظ به ولو للردع، ولا يمكن أن نفكر باستخدامه خصوصاً ضد المدنيين”. ولفت إلى أن “واشنطن كانت حريصة على حصولها على هذا التعهد، لأن المجتمع الدولي بحاجة للاطمئنان من المعارضة، وهذا أمر مهم سياسياً”. وعقب مجرزة الغوطة التي ارتكبها النظام السوري بالغوطة في أغسطس/آب من العام 2013، والتي أعقبها إعلان واشنطن عزمها معاقبة النظام، يروي طعمة أن “كاتباً سورياً مطلعاً أخبر المعارضة أن واشنطن لن تعاقب النظام في حال تسليمه السلاح الكيماوي، أو في حال تقديم إيران تنازلاً في مفاوضاتها مع المجتمع الدولي، التي كانت جارية في حينه حول برنامجها النووي”. وأشار طعمة إلى أن “المعارضة تلقت من واشنطن جملة أسئلة مفادها كيف ستتصرف في حال وجهت ضربة عسكرية أدت لسقوط النظام السوري، وما هو الثمن الذي سوف تدفعه”، معقباً على ذلك بالقول: “في السياسة لا يوجد شيء بالمجان”. وعقب مفاوضات غير مباشرة بين النظام والولايات المتحدة رعتها روسيا، قام النظام السوري في أغسطس/آب من العام 2013 بتسليم جزء كبير من ترسانته الكيماوية للأمم المتحدة، ونجا من العقاب الأمريكي، وهنا يعلق طعمة بأن “عدداً من المسؤولين الدوليين الكبار فسر عفو أوباما عن الأسد، بأنه ضربة قوية للمعارضة السورية”. وحول إصرار أمريكا والمجتمع الدولي على تعهد المعارضة بتسليم السلاح الكيماوي، أوضح أن “هناك رغبة دولية بنزع هذا السلاح الذي يشكل خطراً على إسرائيل”، معبراً عن اعتقاده بأنه “لن يكون هناك حل نهائي في سوريا، إلا بعد الاطمئنان بشكل كامل أنها خالية من الأسلحة الكيماوية”. ومع رحيل أوباما ومجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انتظر المجتمع الدولي، لا سيما المؤيدين لإسقاط الأسد، استراتيجيته الجديدة، إلا أن تصريحات ثلاثة من كبار أركانه هم وزير خارجيته ريكس تيلرسون، وسفيرته في الأمم المتحدة نيكي هالي، وأخيراً الناطق باسمه شون سبايسر، بتأكيدهم أن محاربة تنظيم “داعش” مقدم على إسقاط الأسد، وأن القبول ببقائه هو من باب “الواقعية السياسية”، شجع بشار الأسد على ما يبدو لاستخدام غاز السارين في خان شيخون لاختبار مدى جدية التصريحات الأمريكية. وحول هذه النقطة يعلق أحمد طعمة بالقول: “إن الأسد إما فهم الرسالة بشكل خاطئ وأراد اختبار جدية ترامب، أو أنه مطمئن أن الرئيس الأمريكي لن يتحرك ضده لتركيزه على داعش”. ووسط انسداد أفق الحل السياسي وواقع المعارضة السورية العسكري الذي تحول لموقف دفاعي جعلها في مأزق، رأى طعمة أن “الحل الوحيد يكمن أن تتخذ الولايات المتحدة حصرياً، بالتفاهم مع روسيا، اتفاقاً ينفذ على الفور يشبه اتفاق دايتون للسلام الذي طبق في البوسنة، وأجبر طرفي الصراع على الامتثال له تحت طائلة الضرب المباشر، وإلا فلن يكون هناك حل، خاصة مع تعنت روسيا والنظام، وإصرار الأخير على الحل العسكري لتركيع السوريين”، مشيراً إلى أن “المعارضة السورية مستعدة للقبول بحل سياسي، وفق ثوابت الثورة السورية”.
مشاركة :