صحيفة المرصد-هافينغتون بوست:من جديد، يشاهد العالم صوراً مروِّعة تخرج من الموقع الذي يُشتَبَه بأنَّه شهد هجوماً بالأسلحة الكيميائية في سوريا. أثارت هذه المشاهد المؤلمة غضبَ العالم، فانهالت التنديدات من مختلف الدول، بعضها تطالب بتحقيق، وأخرى تتهم النظام وتدعو لمعاقبته، على الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها مثل هذه الأسلحة في سوريا. الجرأة على تكرار استخدام أسلحة محرمة ضد مدنيين في سوريا تطرح تساؤلات حول ضعف موقف القوة الأكبر في العالم، تجاه تصرفات كهذه، ما دفع صحيفة واشنطن بوست الأميركية لتسليط الضوء على صعوبة الموقف داخل المكتب البيضاوي، بغضِّ النظر عن شخص الرئيس. تكتيك النظام الصحيفة ترى أن مثل هذه الغارات تكتيكاً من النظام لإضعاف الروح المعنوية للمعارضة الواهنة بصورةٍ أكبر. وقال إميل الحكيم، مُحلِّل شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، لصحيفة واشنطن بوست: “يعتقد الأسد، وهو اعتقادٌ معقول، أنَّ السلوكيات العسكرية تصب في صالحه. وباستخدامه للأسلحة الكيماوية وغيرها من الأسلحة، فإنَّه يُظهِر عجز الفاعلين الدوليين”. لكن في واشنطن، اختارت إدارة ترامب في البداية أن تُلقي باللائمة على سابقتها، إدارة أوباما، في إشارةٍ أخرى إلى أنَّ البيت الأبيض يتعامل براحةٍ كبيرة للغاية، كما لو كان لا يزال يُدير حملةً انتخابية، وليس القوة العُظمى الوحيدة في العالم. وقال المُتحدِّث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر: “إنَّ الهجوم الكيماوي اليوم في سوريا ضد الأبرياء، بما في ذلك النساء والأطفال، أمرٌ يستحق الشجب، ولا يمكن للعالم المُتحضِّر أن يتجاهله. إنَّ هذه الأعمال الشنيعة التي يقوم بها نظام بشار الأسد هي نتاج ضعف الإدارة السابقة وتردُّدها”. وأضاف سبايسر، مُتحدِّثاً في مؤتمرٍ صحفي: “قال الرئيس أوباما في 2012 إنَّه سيضع خطاً أحمر ضد استخدام الأسلحة الكيماوية، ولم يفعل شيئاً بعد ذلك. إنَّ الولايات المتحدة تقف مع حلفائنا في جميع أنحاء العالم لإدانة هذا العمل غير المُحتمل”. ويُعَد ذلك موضوعاً غريباً كي تختار إدارة ترامب توجيه الانتقاد لإدارة أوباما فيه. ففي 2013، فكَّرت إدارة أوباما في ردٍّ عسكري، بعدما قتل هجومٌ كيماوي مزعوم للنظام على أحياء خاضعة للمعارضة في ضواحي دمشق أكثرَ من ألف شخص. ودفعت الضغوط الدولية المتزايدة في ذلك الوقت الأسد إلى الموافقة على التخلُّص من برنامجه للأسلحة الكيماوية. وستطارد حقيقة أنَّ أوباما اختار التراجع عن مواجهة نظام الأسد، الذي يُزعَم أنَّه استخدم أسلحةً كيماوية عدة مرَّات في السنوات التالية، إرث الرئيس السابق إلى الأبد. وقد انتقده الجزء الأكبر من مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بسبب ذلك. لكنَّ ترامب في 2013، وكان آنذاك مواطناً عادياً لديه نفس الأصابع التوَّاقة إلى التغريد على تويتر، كان معارِضاً للتدخُّل الأميركي في سوريا. وغرَّد ترامب آنذاك قائلاً: “علام سنحصل من قصف سوريا، بخلاف المزيد من الدَّين والصراع الذي ربما يطول؟ أوباما يحتاج إلى موافقة الكونغرس”. وقال في تغريدةٍ أخرى: “من جديد، إلى رئيسنا الأحمق للغاية، لا تهاجم سوريا، وإذا فعلت، ستحدث الكثير من الأمور السيئة للغاية، ولن تحصل الولايات المتحدة على شيءٍ من هذه المعركة!”. وفي تغريدةٍ ثالثة: “الرئيس أوباما، لا تهاجم سوريا. ليس ثمة جانب إيجابي في ذلك، بل جوانب سلبية هائلة. احتفظ بـ”ذخيرتك” ليومٍ آخر (أكثر أهمية)”. والمفارقة هي أنَّ موقف ترامب من الصراع السوري ليس بعيداً كثيراً عن أوباما، على الرغم من أنَّه أكثر وضوحاً في عدم اكتراثه بمحنة اللاجئين السوريين. فقد طالبت الإدارة السابقة برحيل الأسد، لكنَّها لم تقم بشيءٍ يُذكَر من أجل الدفع فعلياً لتغيير النظام، خوفاً من أن يؤدي أي انخراطٍ أعمق في الصراع السوري إلى حدوث نفس الانتكاسة والفوضى التي ضربت العراق بعد الغزو الأميركي في 2003. وفي الوقت نفسه، أكَّد ترامب في عدّة مناسباتٍ على أنَّه ليس مهتماً بعمليات بناء الأمة، أو فرض تغيير النظام في الشرق الأوسط. وأشار مساعدوه الأسبوع الماضي فقط، إلى أنَّ البيت الأبيض لا يعطي الأولوية لإزاحة الأسد عن السلطة. وكتب أندرو إكسوم، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) خلال حكم أوباما، في مجلة ذا أتلانتيك الأميركية، أنَّه “لا أحد -ولا حتى الرئيس أوباما بقدر ما يمكنني أن أقول- كان راضياً عن نهج إدارة أوباما إزاء الصراع في سوريا. لكنَّكم إذا جمعتم كافة منتقدي أوباما في غرفةٍ واحدة، لن يتَّفقوا على بديلٍ واضح. إنَّ المشكلة هائلة بما فيه الكفاية لتخلط الحلول السهلة، وكل سياسة بديلة كانت لها نقاط خللٍ استراتيجية وأخلاقية”. وبدلاً من أن يتحمَّل ترامب الصداع الاستراتيجي لسوريا، وهو ما يصفه سبايسر بـ”الضعف والتردُّد” على جانب إدارة ترامب، يصلك الانطباع بأنَّه قد قرَّر أن يضعه جانباً لصالح موقفٍ عدائي، وتصعيدٍ مُطرَد للحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وهذا نوعٌ من الحماقة التي قد تكون لها تكاليف عميقة، كما يتَّضح من عشرات المدنيين العراقيين الذين قُتِلوا بغارةٍ أميركية حديثة في مدينة الموصل. وكتب إكسوم: “سيكون هذا الرئيس حكيماً ليتذكَّر ما كان سلفه يعرفه: الحرب هي أداةٌ سياسية معيبة للغاية”. وفي وقتٍ لاحق من يوم الثلاثاء، 4 أبريل/نيسان، أصدر وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، بياناً أكثر اتّزاناً أبرَزَ “الوحشية والبربرية السافرة” لنظام الأسد. ووبَّخ داعمي الأسد، روسيا وإيران، لعدم ضمان “امتثال” النظام بوقف إطلاق النار الذي كان من المفترض أن تضمناه، وقال إنَّهما “تتحمَّلان مسؤوليةً أخلاقية عظيمة” عن القتلى المدنيين السوريين. هذا، وكما لاحظ مُحلِّلون، كان عدم تسجيل أي نقاطٍ سياسية في الداخل (أي عدم توجيه أي انتقادات داخلية والتركيز على الجوانب الخارجية) رسالةً أكثر ذكاءً من تيلرسون في مواجهة التحدّي المُعقَّد. لكن إلى الآن، يبدو رئيسه راغباً في تجاهل هذا التعقيد تماماً. What will we get for bombing Syria besides more debt and a possible long term conflict? Obama needs Congressional approval. — Donald J. Trump (@realDonaldTrump) August 29, 2013 AGAIN, TO OUR VERY FOOLISH LEADER, DO NOT ATTACK SYRIA – IF YOU DO MANY VERY BAD THINGS WILL HAPPEN & FROM THAT FIGHT THE U.S. GETS NOTHING! — Donald J. Trump (@realDonaldTrump) September 5, 2013 President Obama, do not attack Syria. There is no upside and tremendous downside. Save your "powder" for another (and more important) day! — Donald J. Trump (@realDonaldTrump) September 7, 2013
مشاركة :