ناقش ملتقى الكويت المالي «آفاق الصناعة المصرفية الخليجية في مرحلة التحولات الاقتصادية» التحديات التي تواجه القطاع، وكذلك أوضاع القطاع المصرفي الإسلامي. أكد الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني عصام الصقر أن القطاع المصرفي في دول مجلس التعاون يرتبط ارتباطا شديدا بالاتجاه العام لاقتصاد الدولة، نتيجة التركزات الاقتصادية في دول الخليج، ولأن الإنفاق الحكومي هو المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي. جاء ذلك خلال كلمته في الجلسة الأولى لليوم الثاني من ملتقى الكويت المالي الرابع، التي حملت عنوان "آفاق الصناعة المصرفية الخليجية في مرحلة التحولات الاقتصادية"، وترأسها نائب المحافظ عضو مجلس إدارة بنك الكويت المركزي يوسف العبيد، وبمشاركة رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الكويتي علي الموسى، والرئيس التنفيذي لبيت التمويل الكويتي مازن الناهض، والرئيس التنفيذي في البنك الأهلي الكويتي ميشال العقاد، ورئيس مجموعة سيتي المصرفية في البحرين والكويت وقطر عثمان أحمد. وحول فك الارتباط بين أداء المصارف الخليجية والانفاق الحكومي وأسعار النفط، قال الصقر إنه بالنظر إلى حجم اقتصادات المنطقة وتركيزاتها، ستظل هذه العلاقة قائمة إلى حد بعيد، "لكننا بدأنا نرى عدة محاولات الكثير منها مؤثر، حيث تقوم معظم دول المنطقة حاليا بمحاولات مختلفة لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط". تراجع النمو وذكر الصقر أن الكويت كانت الاستثناء، مع تحسن وتيرة طرح وتنفيذ المشاريع الحكومية منذ عام 2014، حيث تمت ترسية 18 مليار دولار من المشاريع عام 2016، إضافة إلى ترسية ما يزيد على 25 مليارا كمتوسط في عامي 2014 و2015، والتي تضمنت مشاريع ضخمة مثل الوقود البيئي ومصفاة الزور، لافتا إلى أن متوسط النمو لدول مجلس التعاون تراجع من 6 في المئة سنويا خلال الأعوام (2012-2015) إلى 2 في المئة خلال 2016. وأشار إلى أن الكويت حافظت على نسبة نمو جيدة رغم تراجع إيرادات النفط أيضاً، لكن الاحتياطي الكبير للدولة وقوة وضعها المالي سيساعدها في المحافظة على وتيرة النمو، حيث إن الاتجاه العام مازال نحو زيادة الإنفاق الرأسمالي، مبينا أن النمو الاقتصادي في الكويت بلغ 3.5 في المئة خلال 2016، مقارنة بمتوسط نمو بلغ 4.1 في المئة خلال الأعوام (2012-2015). وفيما يخص توسيع قاعدة التمويل، قال إن إصدارات الدين السيادي الأخيرة من دول المنطقة ستمثل عاملا مهما في تنويع مصادر التمويل، إذ إن الإصدار السيادي الأخير للكويت خير مثال على اهتمام أسواق المال بإصدارات الدين من قبل دول المجلس، وظهر ذلك جليا في حجم الإقبال ومستويات التسعير، ويعد ذلك حافزا جيدا للمصارف الكويتية للتوسع في تنويع مصادر التمويل وزيادة الانكشاف على أسواق المال كمصدر أساسي للتمويل في المستقبل. ارتفاع الديون المتعثرة وعن مخاطر تراجع جودة المحافظ الإقراضية وارتفاع حجم الديون المتعثرة، بين الصقر أن التراجع في قيمة الأصول يعتبر من أهم المخاطر التي قد يولدها التباطؤ في النشاط الاقتصادي، الذي يرتبط في معظم دول مجلس التعاون الخليجي بالإنفاق الحكومي، لذا فإن تباطؤ النشاط قد يؤدي إلى الإخلال بالقدرة المالية لعملاء الشركات. وحول رؤيته للدور الفعال للجهات الرقابية، في ظل التحديات المتوقعة نتيجة التباطؤ الاقتصادي في المنطقة، أكد أن معظم البنوك المركزية الخليجية تقوم بدور مهم جدا، وخصوصا منذ انخفاض أسعار النفط، من خلال اتخاذ إجراءات احتياطية متحفظة، حيث طالبت البنوك بتكوين مصدات مالية كافية من ناحية رؤوس أموالها ومخصصاتها. واستطرد: "زادت المتطلبات الرقابية في هذا الاطار، مستشهدا بتطبيق بازل 3، والعمل على تطبيق IFRS 9 تحسبا لبعض المخاطر المتوقعة في الفترة المقبلة، نتيجة الأوضاع الاقتصادية الحالية، وزادت نسبة تغطية القروض المتعثرة في معظم الدول نتيجة للإجراءات المتحفظة التي تنتهجها البنوك المركزية، في ظل تراجع اسعار النفط، كما انعكست هذه الإجراءات الرقابية على زيادة نسب رسملة البنوك الخليجية إلى مستويات قياسية تصل الى ما يزيد على 17 في المئة". البنوك المركزية من جهته، قال نائب المحافظ عضو مجلس إدارة بنك الكويت المركزي يوسف العبيد إن المنطقة مرت بأزمات عديدة، آخرها الأزمة المالية العالمية وإفرازاتها، و"المركزي" كان له دور كبير في العمل على تحسين القطاع المصرفي، عبر التعليمات المناسبة التي تدعم قوة القطاع، وفق نظرة مستقبلية للمخصصات الاحترازية التي أثبتت جدواها، والتي كان لها فيما بعد آثار إيجابية ومن ثم الأخذ بتعليمات بازل 3. ولفت العبيد إلى أن ذلك يؤكد أن البنوك ليست متجاوبة فقط، بل متفهمة، معربا عن فخره بوجود قطاع مصرفي مرن ومتين يتمتع بالملاءة المالية وكفاية رأس المال، مبينا أنه تلبية للرغبة السامية في التحول إلى مركز مالي، تم تعديل القانون قبل سنتين بالسماح بالتفرع والمكاتب التنفيذية للبنوك الأجنبية. وشدد على أن البنك المركزي حريص على مواكبة أي تطورات محلية وعالمية، وأن القطاع المصرفي يتمتع بالسيولة ولديه القدرة على امتصاص الصدمات، وذو جودة أصول عالية، مشيداً بالتعاون البناء بين المصارف وبنك الكويت المركزي. مكانة مالية وأفاد رئيس مجلس الإدارة في البنك التجاري الكويتي علي الموسى بأن الكويت لا تملك من المكانة والقوة إلا مكانتها المالية وموقعها الجغرافي والاستراتيجي، "وعلينا أن نذكر أنفسنا بأن القوة المالية التي تملكها الكويت كانت بمنزلة قوة الجيوش التي أعانت على تحريرها". وشدد الموسى على أن الموقف الإيجابي للمجتمع المالي الدولي من الإصدار السيادي للكويت من سندات الاقتراض تأكيد لقناعة هذا المجتمع من أن المالية العامة ما زالت متعافية وقادرة على الوفاء بالتزاماتها. وأضاف أن الصناعة المصرفية بالكويت بدأت منذ أكثر من 75 عاما بفرع لبنك أجنبي عريق، وآخر لبنك وطني ناشئ، وتقف هذه الصناعة اليوم على أرضية صلبة مشكلة سوقا تنافسيا بمعايير دولية، وتتكون من 10 بنوك نصفها إسلامي والآخر تقليدي، فضلا عن العديد من فروع البنوك الدولية المنتقاة، وفروع لبنوك دول شقيقة. وزاد: "الكويت كانت رائدة وسباقة في صناعة الصيرفة الإسلامية، لكن مع الاسف بدأت رايات الريادة في هذا الحق تنتقل إلى اشقائنا، لأن الدولة ومع دعمها الأكيد والواضح للعمل المصرفي الإسلامي ضمن دعمها العام للصناعة المصرفية، لم تتبن جهدا قياديا لكي تحافظ الكويت على مكانها في هذا المجال، ولكي تقود العمل من الكويت لتكون سوق الصيرفة الإسلامي الاقليمي في الكويت". واوضح أن القطاع في الكويت يسير بفضل جهود متناثرة وأحيانا في بيئة غير صديقة وسوء فهم مجتمعي، فهو يحتاج إلى تعزيز أجهزة الإعداد والتدريب، بحيث تكون الكويت أحد مراكز التميز في تخريج التخصصات المختلفة في العمل المصرفي. رسملة مرتفعة بدوره، أشار الرئيس التنفيذي في البنك الأهلي الكويتي، ميشال العقاد، إلى ضرورة توفير الحماية على شكل رسملة مرتفعة ومستوى مرتفع من الاحتياط، ففي الأعوام الـ 8 الماضية تمكننا من تعزيز رأسمالنا، لمواجهة ضغوط جودة الأصول والقروض المتعثرة وتحقيق النمو وتوفير السيولة. وقال العقاد إن البنوك الكويتية لم تواجه انخفاض سيولة، ولكن الأمر قد يحدث، والحل هو تنويع مصادر السيولة، ولهذا السبب بدأت المصارف تعمل على سوق رأس المال، وهناك من أصدرت سندات، وبفضل الإصدار السيادي الكويت تمكنا من إصدار سندات بتكلفة أقل من السابق. الصيرفة الإسلامية وناقشت الجلسة الثانية التي كانت بعنوان "واقع ومستقبل الصيرفة الإسلامية"، التي ترأسها نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي ببنك بوبيان عادل الماجد، عددا من المحاور التي من بينها التفاعل مع التطورات والتحولات الاقتصادية، ومواكبة المصارف الإسلامية لقواعد الامتثال والمعايير الرقابية والمحاسبية والدولية، ومواجهة المصارف الإسلامية لمخاطر انكماش السيولة، وتفعيل أسواق الصكوك وتطوير الأدوات المالية الإسلامية وإمكانات وتحديات التوسع صوب أسواق جديدة. وانطلقت الجلسة بورقة عمل قدمها الرئيس التنفيذي لمصرف الإنماء (السعودية) عبدالمحسن الفارس، أكد خلالها أن الصيرفة الاسلامية بدأت منذ نحو 50 عاما من خلال مؤسسات مصرفية عريقة من بينها بيت التمويل الكويتي ومصرف الراجحي السعودي، وبنك دبي، مؤكدا أن المصرفية الإسلامية أصبح يشار إليها بالبنان حول العالم، وأنها بديل آخر للعمل المصرفي، وليست حكرا على المسلمين وحدهم، بل هي للبشرية كافة. وأشار إلى أنه على الرغم من ذلك، فإن المصرفية الإسلامية مازالت محدودة جداً، على الرغم من أنها مازالت تحاول اللحاق بركب المصرفية التقليدية، علما بأن المصرفية الإسلامية واسعة النطاق، ومازال أمامها كثير من الفرص الرحبة. وأضاف أن المؤسسات الإسلامية تمثل أقل من 2 في المئة من الاقتصاد العالمي، لكنها مازالت تنمو بشكل جيد، حيث بلغ معدل النمو خلال العام الماضي نحو 19 في المئة، ومازال أمامها مجال أكبر للنمو خلال السنوات القادمة. الاستشارات الشرعية من جانبه، أكد أستاذ الشريعة في جامعة الكويت، د. عبدالرزاق الشايجي، الدور الذي تلعبه مكاتب الاستشارات الشرعية في الصيرفة الاسلامية، لافتا إلى أنه أنشئ قبل 17 عاما أول مكتب استشارات شرعية في الكويت، قبل أن ينتقل إلى تقديم خدمات التدقيق الشرعي الداخلي والخارجي، الأمر الذي لاقى خلاله كثيرا من العقبات والرفض من البنوك والشركات الإسلامية وغير الإسلامية. تحديات القطاع المصرفي قال الصقر إنه من المتوقع أن يؤدي تراجع النمو الاقتصادي والإنفاق الحكومي إلى ظهور بعض التحديات في القطاع المصرفي، والتي تتركز في 3 محاور رئيسة كالتالي: 1. التباطؤ في نمو الأصول والفرص التمويلية، إذ إنه مع تراجع الإيرادات النفطية وانخفاض الإنفاق الرأسمالي، رأينا بعض التباطؤ في نمو أصول القطاع المصرفي في معظم دول مجلس التعاون، ومع غياب النمو الاقتصادي وقلة الفرص لدى القطاع الخاص تراجع الطلب على التمويل نتج عنه نسب نمو أقل للقروض لدى القطاع المصرفي، ويبقى وضع الكويت مختلفا نسبيا، حيث مازالت فرص النمو متوافرة نتيجة لتسارع وتيرة النشاط الاقتصادي على خلفية الإنفاق الرأسمالي. وقد استقر متوسط معدل نمو الائتمان في الكويت ما بين 6 و7 في المئة خلال العامين السابقين. 2. بعض الضغوط على سيولة القطاع، خصوصا أن تراجع الإيرادات النفطية فرض ضغوطا على السيولة والتمويل نتيجة لزيادة الاعتماد على الودائع الحكومية في معظم دول الخليج. وتمثل الودائع الحكومية ما يزيد على 20 في المئة من إجمالي ودائع القطاع المصرفي في دول الخليج، كما تراجع نمو الودائع الإجمالية في دول الخليج من 10 في المئة خلال 2014 إلى 2 في المئة في 2016، وذكر أن السيولة في الكويت حافظت على مستوى جيد، رغم بعض التراجع، ومازال نمو ودائع القطاع المصرفي في حدود 5 في المئة خلال عام 2016. 3. بعض الانخفاض في جودة الأصول، حيث واجهت بعض الضغوط، بسبب تراجع البيئة التشغيلية في العامين السابقين، وتتوقع وكالة موديز أن ترى بنوك الخليج ارتفاعا في قروضها غير المنتظمة لأول مرة منذ سنين، ومن الملاحظ ارتفاع المخصصات في معظم المصارف الخليجية بالفترة الأخيرة، إلا أن بنوك الكويت حافظت على نسبة متدنية نسبيا من القروض غير المنتظمة بحدود 2.5 في المئة إلى إجمالي القروض.
مشاركة :