الجوائز الأدبية كالسكين يمكن أن تقشر تفاحة ويمكن أن تقتل بقلم: حنان عقيل

  • 4/6/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الجوائز الأدبية كالسكين يمكن أن تقشر تفاحة ويمكن أن تقتلتتضاءل المسافات الفاصلة بين الأجناس الأدبية يوما بعد آخر إلى الحد الذي يجعلها في طريقها نحو التلاشي، إذ تشهد الآونة الأخيرة إصدارات أدبية عصية على التصنيف تحت جنس أدبي واحد، فتستفيد الرواية والقصة من كافة الأنواع الأدبية والتقنيات البصرية. “العرب” حاورت الأديب الأردني مخلد بركات حول مجموعته القصصية الصادرة مؤخرا، وسعيه الحثيث نحو استثمار التجريب في كافة كتاباته.العرب حنان عقيل [نُشر في 2017/04/06، العدد: 10594، ص(15)]الكثير من الأعمال الأدبية السردية غطست في بركة الشعر فلم تعد ترى مخلد بركات، عضو رابطة الكتاب الأردنيين وعضو الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، تنوعت كتاباته السردية ما بين القصة القصيرة والرواية، في مجموعته القصصية “رباعيات الفردوس” الصادرة حديثا عن دار “الآن ناشرون وموزعون”، يتخذ بركات منحى جديدا للتجريب، يتحدث عن المجموعة قائلا “هي عوالم أسطورية فنتازية، وهي عوالم أحببتها منذ الطفولة البعيدة عندما أثرت حكايات الجدة مخيلتي، ومن خلال اطلاعي المكثف على أساطير الشعوب والملحمات الكبرى في التاريخ، حيث وجدت فيها مخيالا خصيبا وممتعا، كأنما يناقش قضايا العصر، ويفتح الذهن على الأسئلة”. الجفاف الأسلوبي يقول بركات في “‘رباعيات الفردوس” اشتغلت على الميثولوجيا ونشوء التدين، وأحلام الماورائيات، ولعل الفردوس السماوي أبرزها، كحلم البشرية الأول للتخلص من عالم سقيم مليء بالشرور والآلام، وجاء التوظيف الحكائي منسجما مع بنية النص الكلية، لينقر في ذهن القارئ العديد من المسلمات بحثا عن ثورة معرفية وفكرية لفهم التاريخ والحاضر من جديد، فالإذابة للكتل المعرفية الصماء من ضرورات العصر، ولعل الأسطورة ما تزال متغلغلة في نسيجنا الذهني عبر محطات التاريخ، وعبر جيناتنا الوراثية تلك التي اعتبرها عالم النفس كارل يونغ الطراز الأولي للمعرفة ينتقل عبر اللاوعي الجمعي. الاهتمام بالأسطورة ملمح رئيسي في أعمال بركات القصصية والروائية، وهنا يلفت إلى أن الأسطورة قريبة من مخيالنا، ولها أبعاد معرفية في تفسير الظواهر الكونية وسلوك المجتمعات، فالأسطورة هي التاريخ المقدس للشعوب، وتتسع للكثير من المفاهيم العصرية التي يريدها الكاتب لأن فضاءها متشعب، ولأنها وعاء روحي عميق في تاريخ الشعوب، فلكل مجتمع أساطيره ومعتقداته، الأسطورة تضيء النص الأدبي من الداخل، وتمنحه طاقة متجددة، وتجعله صالحا لكل زمان ومكان، فهي ميكانيزمات النجاح للنص الأدبي، من خلال اختباء إشاراتها في شفرات النص، ولعل جماليات شعر السياب وأمل دنقل والبياتي هي في الحفر داخل متن الأساطير، لذلك اتسم شعرهم بالعمق والأصالة. اللغة الشعرية تهيمن على كتابات بركات السردية، وينوه ضيفنا بأن كل جنس له حدوده وهويته، لذلك يجب أن يتحقق التوازن بين الأسلوب واللغة مع عوالم الشعر، لأن اختلال الميزان يخلق تداخلا منفرا في الكثير من الحالات، موضحا “أنا مع توشيح السرد بلغة شعرية واصفة رقيقة ولكن بحذر، لأن للسرد وظيفته المعرفية والتغييرية والثورية على الجمود والتخلف، بالإضافة إلى وظيفته الجمالية التي تعتمد على الشعر والصورة الفنية ورسم المشاهد بمخيال غريب يحقق الدفء الروحي، الكثير من الأعمال الأدبية السردية غطست في بركة الشعر حيث لم تعد ترى، وهناك أعمال على الضفة الأخرى لم توظف جماليات الشعر البتة فراحت نحو الجفاف الأسلوبي، فسقطت أيضا في النشاف والتحجر وعدم المرونة، الأمر يحتاج إلى توازن”. أما بخصوص التداخل بين الأجناس الأدبية في الوقت الراهن فيشير بركات إلى أنه ظاهرة عصرية استغلها في مجموعته القصصية الجديدة “رباعيات الفردوس”، ربما ينجح وربما لا، فالأمر أولا وأخيرا يعود إلى ذائقة المتلقي، فقصيدة النثر مثلا هي تداخل بين النثر والشعر في بوتقة واحدة، كما نجد تقنية الكولاج في الكتابة هي استثمار للصورة الفوتوغرافية وللفن التشكيلي والسرد الروائي والسينما معا.الاهتمام بالأسطورة ملمح رئيسي في أعمال بركات القصصية والروائية العمق الإنساني حصل بركات على جوائز محلية وعربية، ويلفت إلى أن الجوائز نوع من التقدير للمنجز وهي لا تخلق مبدعا، وفي أحيان كثيرة تكون حجر عثرة أمام المبدع إذ يصاب بالغرور ويأخذ منجزه بالانحدار إلى أسفل الظنون، وهناك البعض يصاب بالإحباط إذا لم يحصل على جائزة مرموقة، وربما ينسحب من المشهد ويذوب مثل حفنة ثلج تداهمها شمس. الجوائز على العموم تخضع للمزاجية والشللية وعدم الإنصاف، إذ تدخل فيها عوامل عديدة غير جودة المنجز وإبداعيته، الجوائز، في رأيه، كالسكين ربما يقتل وربما يقشر لنا حبة تفاح لذيذة، وربما ندافع بها عن نفوسنا في لحظة حرجة. يرى بركات أن المحلية في الأدب شرط للعالمية، فغابرييل غارسيا ماركيز لم يصل إلى العالمية إلا عن طريق محليته، وتصويره للواقعية القذرة أو السحرية في كولمبيا وأميركا اللاتينية بعامة، نجيب محفوظ وصل إلى جائزة نوبل والعالمية من الحارة المصرية في رواياته، والمحلية هنا منفتحة على الإنسان، على الناس في كل مكان، لا المغلقة تماما، فلا بد للكاتب وهو يكتب واقعه من التحليق به في عوالم بعيدة فلا نزال نعشق شخصية كوازميدو، هذا العملاق المشوه الأطرش في رواية أحدب نوتردام، هي شخصية محلية، ولكنها محملة بأبعاد إنسانية شديدة العمق. يؤكد بركات أنه عندما يكتب يشعر بناقد مشاكس داخله يقول له احذف هنا، اشطب هنا، زد هنا، وهو أمر طبيعي عند أغلب الكتاب، لكنه تمكن من اختراق الثالوث الطوطمي المحرم فكان للدين والجنس والسياسة نصيب في أعماله، ولكن بأسلوب محسوب لا يثير مشاعر الآخرين ولا يكون من أجل الشهرة أي خالف تعرف، مضيفا “تم إيقاف إحدى الروايات وسحبت من السوق، الإبداع العربي محاصر بمقص الرقيب والسلطة، لذلك لم نصل إلى العالمية كما يجب، شرط الإبداع أولا وأخيرا الحرية، ولكن هيهات، في ظل الرجعية العربية والخوف من الكلمة والإبداع، وفي ظل التكلس الفكري والتحجر المعرفي”. ينوه بركات بأن العناصر التقليدية في القصة لم تعد على الأهمية نفسها، فأغلب الكتاب هجروا هذه التقاليد من حيث المكان والزمان والشخوص والتراتبية المعمارية والحبكة أو العقدة، موضحا “من خلال اطلاعي على التجارب القصصية الحديثة في الأردن والوطن العربي هناك قفزة هائلة نحو التجريب، فظهرت القصة الومضة والأقصوصة والقصة القصيرة جدا، والقصة الموسيقية، والميتا سرد، وتكسير الزمان والمكان”. وعن مستقبل القصة القصيرة يقول القاص “ما يزال لها رونقها ووجودها بالرغم من هيمنة الرواية، والملاحظ هنا أن العديد من القصاصين هربوا من هذا الحقل إلى الرواية لتوهمهم أن الرواية تخلق منهم كاتبا معروفا، وربما تُحوّل أعمالهم الروائية إلى مسلسل أو فيلم، ومن هنا وبحسب هذا المعتقد شكلت الرواية إغراء من نوع ما للكتّاب، لكن مع هذه الظاهرة ستبقى القصة محلقة ولها مساحتها المحترمة في المشهد الثقافي”.

مشاركة :