ليس من الغريب أن تتأثر اللهجة البحرينية المحكية كغيرها من اللهجات العربية الأخرى بظاهرة (الاقتراض اللغوي) من اللغات الأجنبية؛ أسوة باللغة العربية الأم التي استعار مستخدموها عبر العصور والأزمنة بعض الألفاظ المتداولة في سياقات لغوية معربة عن اللغات القديمة مثل الآكادية والفارسية، واليونانية، والرومانية، منذ العصر الجاهلي، وامتدادًا إلى عصر الإسلا والعصور المتأخرة، وصولًا إلى العصور الحديثة» بهذا يبدأُ الباحث الدكتور حسين علي يحيى إطروحتهُ المكونة من جزءين، والذي نشر الجزء الأول منها، تحت عنوان «الأصول المعجمية لبعض التعبيرات الأجنبية ذات الصبغة التراثية في اللهجة البحرينية؛ مقاربة لظاهرة الاقتراض اللغوي في العامية البحرينية»، في العدد الجديد (37)، من «مجلة الثقافة الشعبية»، الصادر في أبريل (2017)، بالتعاون مع «المنظمة الدولية للفن الشعبي (IOV )».وفي هذا الجزء من الدراسة، يعمدُ يحيى بتوسع لاستعارض ظاهرة الاقتراض اللغوي، عبر تبيان سياق البحث ودواعيه، إلى جانب أسئلة الدراسة، التي يتمثلُ أهمها في البحث عن دلالات اتخاذ بعض الألفاظ والتراكيب الأجنبية في اللهجة البحرينية صبغة تراثية محلية، ليقدم بعد ذلك حقلًا معجميًا للمعالم والأمكنة التاريخية والعامة، عبر سرد المصطلحات وشروحها.وإلى جانب ذلك تضمن العدد (37) من «مجلة الثقافة الشعبية»، توليفة من الدراسات المتنوعة، لمختلف جوانب الثقافة الشعبية، في مختلف أقطار الوطن العربي، إذ كتب رئيس التحرير، علي عبد الله خليفة، عن «تثقافتنا الشعبية وأيادي الجيل الجديد»، مشيدًا في هذا المفتتح بأسبقية البحرين في إدراج منهج «الثقافة الشعبية»، ضمن مناهج «وزارة التربية والتعليم»، كمنهج إثرائي، كما لفت إلى الجهود التي تقوم بها «جمعية العرضة البحرينية»، التي تعمدُ لتنظيم دورات تدريبية في فن رقصة العرضة، ونقل هذا الفن للجيل الجديد.كما تضمن العدد العديد من الموضوعات، أهمها دراسة ميداينة لـ«مهنة القصارين في البحرين (1930-1970)»، والتي اشتغل عليها حسين محمد حسين، وحسين المديفع، إلى جانب موضوع يطرقُ بابًا جديدًا من نوعه وهو «تفعيل دور الثقافة الشعبية في تدريس الرياضيات للأطفال»، للباحث الجزائري أبو بكر سعد الله، فيما تناول الباحث العراقي صفاء ذياب «دور العجيب في بناء الشخصية؛ سيرة الملك سيف بن ذي يزن أنموذجًا»، أما الباحث التونسي حمادي ذويب، فكتب عن «التجربة والطب الشعبي لدى ابن الجزار»، الطبيب القيرواني المشهور، إلى جانب موضوعات تتعلق بالعادات والتقاليد، والموسيقى والأداء الحركي، والثقافة المادية، وغير ذلك. واحتفى العددُ برحيل رائدة من رواد دراسات التراث الشعبي في مصر، وعالمة الانثربيولوجيا المصرية، نبيلة إبراهيم، عبر دراسة استعراضية لمختلف مؤلفاتها، قدمتها الكاتبة المصرية أحلام أبو زيد، بعنوان «رحلت النبيلة ذات الهمة».هذا، وقد صدر مع العدد، كتاب «حكايات شعبية من البحرين» لجامعته فاطمة محمد الحوطي، التي عمدت لتدوين الحكايات الشعبية البحرينية من أفواهِ رواتها، منذُ العام (1986)، وتعمدت «مجلة الثقافة الشعبية» نشر النصوص كما هي، وكما وردت على لسان رواتها، مع سردِ لبعض المصطلحات المحلية المستعصية على الفهم، هادفةٍ إلى توثيق هذه الحكايات وإيصالها لأكبر عدد من الباحثين والدارسين.ويجيء كتاب «حكايات شعبية من البحرين»، كـ«مادة خام لم تحقق ولم تصنف ولم تبوب ولم يعالج كل معاني مفرداتها العامية وإن بذلت الجامعة جهودًا لشرح بعض المفردات باقتضاب، إلا أنهُ في المجمل وثيقة أدبية وتاريخية لمسار الحكاية الشعبية في البحرين، وثبْت موثق للهجة البحرينية قبل ثلاثين عامًا».وتضمن الكتاب العديد من الحزاوي التي ألفهتها الأجيال، كحزاة سرور، وفسيجرة، ومريم أم الدل والدلال، وأم الهيلان، وأم حمار، وساقي السدرة، وعمر وأقليم الشكر، وحزاة السبع بنات، وبنت السحارة، وحزاة راعي البيض، وحطيبة الساي، وغيرها من الحكايات الشعبية البحرينية التي ألفتها أذان الأجيال عبر تتاليها.
مشاركة :