بعد الحديث خلال نوفمبر الماضي عن أزمة تراجع تجنيد الشباب اليهود في الجيش الإسرائيلي، عادت أزمة تجنيد النساء ودورهن في الجيش وازدياد عددهن، التي يثيرها دائماً المعسكر الديني داخل إسرائيل، ما جعل البعض يطلق عليه «جيش النساء»، وتأثير ذلك على المجتمع والجيش، وسط تحذيرات من أن تصاعد الجدل وتأزيم هذه القضية قد يؤدي إلى انقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي والجيش. كتيبة «قط الصحراء» كتيبة «قط الصحراء» أو «كراكال» أو «الكتيبة 33»، هي كتيبة تابعة لسلاح المشاة وتم تأسيسها عام 2004 ككتيبة قتالية مختلطة للعمل على الحدود مع مصر، وتعد من القوات الخاصة (كوماندوز)، فيما تشكل النساء عمادها، إذ تبلغ نسبتهن الثلثين مقابل الثلث من الرجال، ومهمة الكتيبة اقتفاء أثر العناصر المسلحة والمتسللين عبر الحدود. تم تشكيل الكتيبة ضمن مشروع دمج النساء في الوحدات القتالية من عناصر مختارة من ألوية النخبة العسكرية في الجيش، والتي تضم «جولاني» و«جفعاتي» و«سلاح المظليين»، للعمل في المناطق الحدودية الصحراوية، إذ تهتم بتهريب السلاح والمخدرات والمهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود مع مصر، وقد زاد نشاط الكتيبة بعد 2011، خصوصاً مع تدهور الوضع الأمني في سيناء، لتجد نساء الكتيبة أنفسهن أمام مهام قتالية حقيقية، فيخرجن بالليل لعمل الكمائن في الصحراء، وتتبع ما يحدث على الجانب الآخر من الحدود الإسرائيلية على الجانب المصري. «سلاح النساء» تعد إسرائيل واحدة من بضع دول قليلة تفرض التجنيد الإجباري على النساء، إذ تبلغ مدة التجنيد 24 شهراً، وقد تمتد إلى 32 شهراً. ووفقاً لقانون الخدمة العسكرية المعدل لعام 1986 يمكن دعوة النساء للخدمة النظامية حتى سن 26 مقابل 29 للرجال، وتستمر خدمة النساء ضمن قوات الاحتياط حتى سن 38 عاماً مقابل 54 عاماً للرجال. كما يتم إعفاء النساء من الخدمة النظامية إذا تزوجن أو حملن، ومن قوات الاحتياط إذا تحولن لأمهات أو كن من الحوامل، كما يسمح القانون بإعفاء النسوة من الخدمة لأسباب دينية أو ضميرية. وتعود مشاركة المرأة في الجيش الإسرائيلي إلى ما قبل إعلان قيام إسرائيل عام 1948، فشاركت في الحروب، إذ تطوعت بداية الحرب العالمية الثانية 4000 امرأة يهودية ممن استوطنّ فلسطين ضمن صفوف الجيش البريطاني وعملن في وظائف مساعدة، كما شاركت عناصر نسائية في العصابات الصهيونية التي شكلت عماد الجيش الإسرائيلي في ما بعد. وقبل إعلان قيام إسرائيل تأسّس «سلاح النساء» في جيش العصابات عام 1947 بقيادة ضابطة تخرجت في صفوف الجيش البريطاني، فقد جاء في أمر إقامة هذا السلاح: «النساء سيشاركن في حماية المدن والقرى والمستوطنات، وسيخدمن في وظائف إدارية ومهنية ووظائف مساعدة أخرى، لكن ليس بوظائف قتالية»، الأمر الذي رافق خدمة النساء العسكرية حتى الثمانينات من القرن الماضي. وظل السلاح قائماً حتى عام 2001، إذ أصدر رئيس الأركان حينها، شاؤول موفاز، قراراً بحل السلاح، وتعيين استشارية رئيس الأركان لشؤون المجندات. وجاء القرار بعد أن بدأ توزيع النساء على مختلف أسلحة الجيش بدلاً من سلاح واحد كان مخصصاً لهن. للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط. وقضية خدمة النساء في الجيش ليست وليدة اللحظة، بل تتصاعد بين حين وآخر، إذ تتصدى المؤسسات الحاخامية لمحاربة تجنيد النساء وانخراطهن في الوحدات القتالية، معتبرة أن ذلك يشكل مؤامرة من التيار العلماني لفرض هيمنته على المجتمع الإسرائيلي وتشكيل عقليته، وفقاً لمشروعه، من خلال دمج النساء بالجيش. وصدر أكثر من تصريح حول دخول النساء إلى الجيش يهوديات وخروجهن منه غير يهوديات، بالإضافة إلى الفتاوى الدينية التي اعتبرت أن الأمر لا يخدم التوراة ويُغضب الله، لأنه يتعارض مع الدور الذي رسمه للنساء، ومن ثم يعد الأمر مخالفاً للشريعة اليهودية. صوت المجندة عورة وفي هذا الإطار أصدر الحاخام إلياكيم ليفانون المسؤول عن مستوطنات الضفة الغربية ورئيس المدرسة الدينية في مستوطنة «ألون موريه»، فتوى دينية في عام 2011 تطالب الجنود المتدينين باستخدام وسائل خاصة، كسدادات الأذن، لإغلاق آذانهم فور شروع المجندات في الغناء أو التحدث، واعتبار صوتهن حراماً وعورة. وفي عام 2012 شكلت المؤسسة الحاخامية الكبرى لجنة خاصة لإجراء مفاوضات مع قيادة الجيش الإسرائيلي لمراعاة الفتاوى الدينية الخاصة للضباط والمجندين المتدينين بعدم سماع غناء المجندات وأصواتهن في الاحتفالات الرسمية وغيرها. وجاء ذلك بعد قرارات رئيس هيئة أركان الجيش حينها، الجنرال بيني جانتس، بمنع إقصاء النساء من الخدمة في الجيش والسماح لهن بالغناء والرقص بحرّية مطلقة في الحفلات التي يقيمها الجيش، ما دفع الحاخام الرئيس لسلاح الجو، رام موشيه راباد، إلى تقديم استقالته من منصب رئيس إدارة مشروع «شاحار»، اعتراضاً على قرارات جانتس. ويهدف مشروع «شاحار» إلى تجنيد المتدينين في صفوف الجيش. وفي عام 2013 تصاعدت الأزمة وواصلت الحاخامية الرئيسة ضغطها حتى وصل الأمر إلى أروقة البرلمان (الكنيست)، حيث تناولت جلسات «لجنة الخارجية والأمن» في «الكنيست» الأزمة. وفي عام 2014، عادت الأزمة من جديد بشكل أكثر حدة بعد قرار مجلس الحاخامية الكبرى برئاسة الحاخامين الأكبرين في إسرائيل لليهود الغربيين والشرقيين، ديفيد لاو، وإسحاق يوسف، تحريم خدمة النساء في الجيش. وقالت الإذاعة العامة الإسرائيلية إن ذلك دفع وزير المالية يائير لبيد، وهو رئيس حزب «يش عتيد» (هناك مستقبل) العلماني، إلى الدعوة لإقالتهما من منصبيهما، بعد أن اعتبر قرارهما «ينطوي على الوقاحة، وهو بمثابة فضيحة وطنية، نظراً لأن الحاخامين الأكبرين يعملان في الخدمة المدنية ويتلقيان راتبيهما من الدولة». 2000 مقاتلة وفي 2016 قالت صحيفة «هآرتس» إن رئيس الأركان جادي آيزنكوت، صادق على دمج النساء في وحدة الإنقاذ الخاصة 669، للمرة الأولى، في ظل اتجاه عام داخل قيادة الجيش لدمج النساء في الوحدات القتالية الخاصة، مثل سلاح المدرعات وسلاح حرس الحدود، بعد إثبات قدراتهن. وبدأت إجراءات الدمج بمقابلات مع مجندات جديدات لاختيار بعضهن للانضمام إلى الأسلحة القتالية، إلى أن وصل عددهن حالياً إلى 2000 مقاتلة، فيما تشير إحصاءات الجيش إلى أن 35% من الراغبات في الانضمام للجيش يردن الالتحاق بأسلحة قتالية، أهمها حرس الحدود. وفي منتصف شهر مارس الماضي، تجددت الأزمة بعد تصريحات حاخام بارز في المستوطنات، يغئال لفينشطاين، ضد تجنيد النساء في الوقت الذي يمول الجيش دورات لفينشطاين لتحضير الجنود للخدمة العسكرية، والذي قال في تصريحات صحافية إن النساء تدخل إلى الجيش «يهوديات» وتغادرنه «غير يهوديات»، متسائلاً: «من سيقبل أن يتزوج بامرأة خدمت في وحدات مقاتلة؟!». بدوره، طالب وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، بعزل لفينشطاين من منصبه ووقف تمويل دوراته، ثم صعّد من هجومه تجاه خصمه في الائتلاف الحكومي، وزير التربية وزعيم «حزب البيت اليهودي» نفتالي بينت، وهو أحد كبار الأشخاص الذين يحمون المستوطِنين، فقد اتهمه ليبرمان بحماية من يحاول «تحويل إسرائيل إلى إيران». وقد انتهى الأمر بتراشق بين ليبرمان وبينت حول استغلال كل منهما الأزمة لمكاسب سياسية مع اقتراب موسم الانتخابات، فيما ظل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو صامتاً ومستفيداً من الصراع بين أركان ائتلافه وخصومه في الوقت نفسه، حتى يسحب الصراع من رصيدهما، فيما يبدو هو كالزعيم السياسي المسؤول. النساء يمنعن انتصار الجيش وفي نهاية الشهر الماضي دخل عدد من الحاخامات على خط الأزمة والقول بعدم جواز خدمة المرأة بالجيش، مؤكدين في بيان لهم رفضهم خدمة المرأة في الجيش، خصوصاً في ظل الأزمات التي يمكن أن تتسبب فيها هذه الخطوة. هذه المرة لم يقف الأمر عند معارضة الحاخامات والتيار الديني، إذ أرسل مجموعة من ضباط الاحتياط برسالة إلى آيزنكوت حذروا فيها من استمرار تجنيد النساء بشكل عام، ودمجهن في الوحدات القتالية بشكل خاص، خصوصاً مع انتشار التحرش داخل الجيش وارتفاع مبيعات وسائل منع الحمل في الجيش، نتيجة الاختلاط وما سببه من توتر جنسي، بالإضافة إلى قضايا أخرى. وختم الضباط رسالتهم بالقول: «النتيجة النهائية مفادها أن النساء يمنعن الجيش من الانتصار، ولذلك لا مكان لهن في الجيش». أسباب خدمة النساء ويتذرع قادة الجيش والحكومة الإسرائيلية في إصرارهم على التجنيد الإجباري لبنات ونساء إسرائيل، بتحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين، وكون إسرائيل دولة منفتحة بلا تمييز بين الجنسين، إلا أن الأمر لا يعدو كونه حلاً لأزمات أكبر وأخطر، فالعامل الأساسي لتجنيد النساء هو قلة العدد السكاني لإسرائيل، في وقت تشن حرباً بين حين وآخر، خصوصاً في ظل إحجام غالبية معسكر المتدينين عن الخدمة العسكرية، الذي قام أتباعه بتنظيم تظاهرات ضخمة ضد محاولات «الكنيست» سن تشريعات تلزمهم بالخدمة الإجبارية، كما يستغل أكثر من نصف الرجال الذين يتهربون من الخدمة العسكرية البند الخاص بتجنيد الشبان المتدينين للتهرب من الخدمة، بحجة تفرغهم لدراسة التوراة وأداء الصلاة، فيما وصل عدد الذين لم يُجندوا لأسباب صحية إلى ربع المجموع، كما يستثني القانون من الخدمة العسكرية النسوة من الأقليات، حتى إن كان رجال هذه الأقليات مشمولين بنظام الخدمة الإجبارية، مثل الدروز والشركس. وأخيراً تشير بيانات الجيش التي نشرتها القناة الثانية الإسرائيلية وإذاعة الجيش «جلاي تساهل» إلى تراجع كبير في عدد الرجال المنضمين للخدمة العسكرية، ما دفع قيادة الجيش إلى دعم دمج النساء في الوحدات القتالية لسد النقص العددي في هذه الوحدات، وإنشاء وحدات جديدة مختلطة. ولاحتواء الصراع اجتمع آيزنكوت ثلاث ساعات مع 16 حاخاماً أواخر الشهر الماضي، وتحدث معهم حول التوتر الذي يسود أخيراً بين المتدينين والجيش الإسرائيلي، في محاولة لتهدئة الوضع، ووقف الفتاوى اليهودية التي تنتقد مشاركة المرأة في العمليات القتالية بالجيش، خصوصاً أن كثيراً من الأسر باتت متخوفة من تجنيد بناتها بعد هذه الفتاوى. ويبدو أن هذا الصراع بين المؤسسات الدينية من جهة وقيادة الجيش الإسرائيلي والقوى العلمانية من جهة أخرى سيستمر مدة طويلة من دون حل، فيما سيتواصل تجنيد النساء لسد النقص العددي المتزايد.
مشاركة :