تشهد قاعة «مسرح 56» الباريسي الصغير مجموعة سهرات غنائية تحييها الفنانة الفرنسية الأفريقية الجذور ماتا غابان برفقة فرقتها الموسيقية التي تضمّ رجالاً ونساء. وتسحر المغنية جمهورها بصوتها الدافئ العذب والنقي، القادر على التأقلم مع كل الألوان الموسيقية من الجاز إلى البلوز مروراً بالألحان العذبة وكذلك الروك أند رول. وتستمر الوصلة ساعة ونصف الساعة من دون استراحة، تردّد فيها غابان أغنيات من تأليفها باللغتين الفرنسية والإنكليزية إضافة إلى ترديدها فئة من الألحان المشهورة القديمة والحديثة لكبار المغنين العالميين وباللغات الفرنسية والإنكليزية والإيطالية، كما أنها ترقص على أنغام الموسيقى جارفة المتفرّج في سياقها وحائزة في النهاية تصفيقاً حاداً وطويلاً وإلحاح الجمهور على إعادة بعض الأغنيات. ماتا غابان فنانة أفريقية من أصل ليبيري وغيني مختلط، عمرها 40 سنة، ترعرعت بين إيطاليا وجزيرة كورسيكا الفرنسية قبل أن تستقر في باريس وتخوض تجربة التمثيل المسرحي في أعمال درامية قوية فاضحة العنصرية ومنادية بحقوق المرأة والأقليات في كل المجتمعات، الأمر الذي لفت إليها انتباه أهل السينما والتلفزيون وجلب إليها الدور النسائي الأول في فيلم «لومومبا» للسينمائي راوول بيك حول حياة المناضل الأفريقي باتريس لومومبا. وظهرت غابان في ما بعد في فيلم «بدافع الحب» للمخرج لوران فيرود إلى جانب الممثلة المغربية صوفيا مانوشا، وفي «باي باي بلوندي» مع النجمتين إيمانويل بيار وبياتريس دال، وأخيراً في الفيلم الحائز تقدير النقاد والجمهور «نجوم» للسينمائية الأفريقية ديانا غاي. وفي التلفزيون تشارك غابان النجم جان مارك بار بطولة المسلسل البوليسي «شرطيان فوق رصيف الميناء». تقليد المشاهير وتعترف غابان بأنها على رغم سعادتها بالمشاركة في أعمال درامية مهمّة وناجحة، شعرت دائماً بنقص بسبب عجزها عن تقديم الدليل إلى الجمهور العريض عن موهبتها الكوميدية التي طالما غذتها منذ طفولتها من خلال تقليد المشاهير وتأليف حكايات مضحكة كانت تسلّي بها عائلتها. ولأنها على دراية تامة بأن الفنان عموماً ما يُحبس في إطار اللّون الذي نجح فيه منذ بدايته، أي الدراما في ما يتعلق بها شخصياً، راحت غابان تكتب نصوصها الفكاهية بنفسها محوّلة إيّاها في ما بعد إلى عروض فردية من نوع «ستاند أب كوميدي» وساعية الى تقديمها فوق خشبات مسارح باريسية صغيرة، الأمر الذي أثار اهتمام فئة جماهيرية جديدة وسمح لها بإقامة جولات أوروبية باستعراضاتها الساخرة من الرجل والمرأة والمجتمع عموماً. أما الموسيقى، فهي وفق تعبير غابان، تجري في عروقها منذ أن رأت النور، إلا أن عائلتها خافت دائماً من أن تقدم على احتراف الغناء ودفعت بها منذ الأساس إلى إتمام تعليمها، الأمر الذي فعلته غابان بلا تردد، والتحقت بعد حصولها على الشهادة الثانوية بكلية الحقوق في مدينة مرسيليا الفرنسية الجنوبية. لكنها في الوقت ذاته تعلّمت الدراما في معهد متخصّص وبدأت ممارسة التمثيل، ما جعلها تترك الحقوق وتتابع مسيرتها الفنية برضا أهلها وافتخار عائلتها بها. وستتولى غابان بطولة المسرحية الكوميدية «ليدي دراكولا» في مستقبل قريب، مقدمة الدليل من جديد على ثراء موهبتها وقدرتها على تقمّص شخصيات متنوّعة وجذابة وطريفة، بما أنها في هذا العمل تؤدي شخصية مصاصة دماء وهي أرملة دراكولا.
مشاركة :