رغم ما يعيشه أهالي الأطفال المصابون بمرض التوحد من معاناة؛ بسبب مرض أبنائهم، الذي يجلب شعورًا دائمًا بالشفقة على هذا المخلوق الجميع، الذي سيعيش عمره في حالة غير طبيعية، وبحاجة دائمة إلى مساعدة الغير، فإن هذا كله لا يمثل شيئا أمام المأساة، التي يواجهها هؤلاء؛ عند محاولة الوصول إلى تشخيص سليم لحالة طفلهم، فضلا عن إيجاد مكان مناسب للعلاج، في ظل الارتفاع الفلكي لأسعار هذا العلاج.«المدينة» تلقي الضوء على الصعوبات، التي تواجه فئة مصابي التوحد، وذلك بالتزامن مع اليوم العالمي لهذا المرض، الذي يحل في الثاني من أبريل من كل عام؛ ويشهد احتفاءً دوليا بهؤلاء المرضى عبر فعاليات مناسبة لهم بمختلف دول العالم.تشخيص متضاربتعد مشكلة التشخيص المتضارب، أبرز ما يواجه الأسر، التي تضم أطفالا مصابين بالتوحد، وهو ما تصفه مواطنة تدعى «أم جوري» بقولها: «عانيت مع ابنتي، منذ أن اكتشفت إصابتها بالمرض في عمر عام ونصف؛ بعد أن لاحظت على ابنتي تأخرا في خصائص النمو، مقارنة بأمثالها في ذات العمر، وبدأت رحلة علاجها عن طريق اللجوء إلى المراكز المتخصصة، لكن واجهتني مشكلات، أهمها التشخيص، الذي اختلف أكثر من مرة، وكان به تضارب كبير».وأضافت لـ»المدينة»، لم أجد بين المتخصصين، الذين باشروا فحص ابنتي، من يتفقون على مستوى، ودرجة التوحد، لدى الطفلة، ما بين بسيط، ومتوسط، وشديد، وأصبحت ابنتي متشتتة ترفض الخضوع للجلسات؛ خاصة أنها بدأت بالعلاج مع مجموعة أطفال، ثم تحولت للعلاج الفردي، كتسلسل علاجي، وهو خطأ بحسب أخصائيين آخرين، فالبداية بالفردي ثم الدمج، طبقا لآرائهم.حميات خاطئةمشكلة أخرى تفجرها المواطنة عبلة القثامي، بقولها لـ»المدينة»: «واجهتني مشكلة كبيرة مع الاختصاصية التي تعالج ابنتي، بعد أن ألزمتها بحمية غذائية معينة؛ للمساهمة في الحد من السلوكيات السلبية المصاحبة لاضطراب التوحد، الذي تعاني منه ابنتي، إلا أنني اصطدمت بمشكلة تكاد تكون أكبر من التوحد، وهي إصابة الطفلة، بنقص الفيتامينات، وفقر الدم؛ جراء هذه الحمية، التي أبعدتها عن الكثير من الأطعمة مثل: الحليب، والدقيق، والشوفان، والحنظة، والعصائر.العلاج الشعبيأما المواطنة خديجة «أم سالم»، فتكشف عن أبعاد مشكلة ثالثة، أشد خطورة، وهي اللجوء إلى العلاج الشعبي، فتقول: «سمعت عن امرأة تعيش بإحدى القرى الجنوبية، تعالج بطريقة شعبية، عبر إدخال جسم صلب في فم الطفل؛ لرفع سقف الحلق إلى أن ينزف، وبذلك تنحل عقدة لسانه، ويكتسب طلاقة في الكلام».وأضافت لـ»المدينة»: «بالفعل ذهبت بابني إليها، وكانت النتيجة أن زاد انطواؤه على نفسه؛ بعد استخدام هذه الطريقة، وأصبح يقاوم العلاج، ويرفض بشدة لمس الأخصائيين له، وانتكست حالته لأسوأ مما كانت عليه.أزمة العلاج الشعبي، تلقي الضوء عليها أيضا، «أم أيمن بخاري»، مشيرة إلى أنها تعاملت مع إحدى المعالجات، التي إدعت أنها تعالج التوحد بالقرآن، وقالت: «استُنزفت أموالنا بالمراكز المتخصصة، التي تتراوح أسعار الجلسات العلاج بها ما بين 150 إلى 350 ريالا، ويحتاج الطفل من 3 إلى 4 جلسات في الأسبوع، وهو ما يكلفنا مبلغا باهظا جدا؛ وهو ما دفعنا للجوء إلى المعالجين الشعبيين؛ طمعا في الحصول على حلول جذرية تنهي تلك المعاناة.وأضافت لـ»المدينة»: «تعاملت مع هذه السيدة، التي استنزفت أموالنا أيضا، بلا فائدة فهي تطلب 200 ريال، لكل من الأعشاب، والزيوت، والعسل، والماء المقروء عليه وغيره، ورغم مرور مدة طويلة لم نلحظ أي نتيجة إيجابية.ندرة بالمراكز ووفرة في المتخصصينيقول مدير وحدة الخدمات النفسية بالمدينة المنورة، أيمن شقير، إن من أبرز مشكلات علاج التوحد، هو ندرة المراكز الحكومية، التي تعالج المرض، رغم وجود أعداد هائلة من المتخصصين الباحثين عن عمل؛ لذلك فإن المراكز الخاصة تستغل حاجة الأهالي، وترفع الأسعار.ودعا شقير إلى ضرورة تهيئة الأم نفسها؛ لاستقبال الطفل، وذلك عن طريق قراءة كتب خصائص النمو والسلوك؛ حتى تستطيع اكتشاف إصابته بالتوحد في سن مبكرة خاصة أن من أسباب عدم العلاج هو التأخير بسبب عدم المعرفة.المعرفة تنقذ الأطفالفي غضون ذلك أكدت الأخصائية النفسية الأرطفونية، وهو المسمى العلمي لأمراض النطق والكلام، صوفيا صالح بوصلاح، أنه يجب على الأهالي القراءة جيدا عن المقاييس التي تكشف درجة التوحد؛ حتى يستطيعوا اختيار الأخصائي، أو الطبيب الأفضل، في استخدام هذه المقاييس، فمن الأخطاء الجسيمة الخلط بين التوحد، والاضطرابات الأخرى مثل: فرط الحركة، وتشتت الانتباه، والتخلف العقلي. وشددت خبيرة الأرطفونية على أنه لم يتم تسجيل أي حالة تحسنت بفضل العلاجات الشعبية، وذلك بشهادة المراجعين الذين يؤكدون في كل مرة، أن المعالجين الشعبيين استغلوا تشتتهم، وقلقهم على أبنائهم.تحذير من الخطورةبدوره أكد معلم الاضطرابات السلوكية والتوحد، بمعهد التربية الفكرية بالرياض، عبدالمحسن القرني، أن الأعشاب التي يستخدمها المعالجون الشعبيون، في علاج التوحديين تحمل خطورة شديدة جدا على حالة، وحياة، الطفل؛ محذرا بشدة؛ من الانسياق خلف تلك الدعايات.
مشاركة :