محمد خليفةتركت العولمة أثرها الواضح بمختلف الشعوب في الأرض، فأصبح التواصل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، سهلاً للغاية وبما يكفي لضغط زر واحد من الأزرار على لوحة مفاتيح أي حاسوب متصل بالشبكة العالمية، في عالم ازدحم سوقه في السماء والأرض بكل معطيات الحضارة والثقافة الإنسانية المعاصرة، ولكن انفتاح الشعوب على بعضها لم يأخذ المناحي الإيجابية كاملة بسبب التصورات المسبقة لدى كل شعب تجاه الشعوب الأخرى، فقد ظهر التطرف القومي والديني واتخذ أشكالاً خطيرة غير مسبوقة، ففي بعض أرجاء العالم العربي ظهرت تيارات إسلامية متطرفة تسعى إلى بلبلة السلم العالمي، وتعكير صفو العلاقات بين الشعوب، وأما في أوروبا، فقد ظهرت تيارات قومية يمينية متطرفة في بعض الدول الأوروبية، تسعى إلى الانغلاق على الذات وقطع الصلة مع محيطها الخارجي. وقد برزت الحاجة إلى ضرورة وجود قيادات ثقافية على مستوى العالم؛ قد تكون شخصيات بعينها أو جمعيات ذات سلطة، تتولى مسؤولية تحقيق الانسجام بين الشعوب ومواجهة التحديات الراهنة في العالم. وفي هذا الإطار تستضيف العاصمة أبوظبي، اليوم 9 من شهر إبريل 2017، «قمة القيادات الثقافية العالمية» بمشاركة أبرز المسؤولين والمعنيين في القطاعات الحكومية والفنية والإعلامية من جميع أنحاء العالم. وقالت نورة الكعبي، وزيرة دولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي إن استضافة أبوظبي لهذه القمة الثقافية الفريدة من نوعها يعزز من مكانة دولة الإمارات وأبوظبي كوجهة ثقافية دولية مرموقة في ميادين الفنون والتكنولوجيا. وستتناول القمة دور الثقافة في مواجهة التحديات الراهنة، وأثر التقنيات الحديثة في تغيير المشهد الثقافي والتواصل بين الحضارات، ونتائج هذه التحولات على التعليم والاقتصاد والسياسة وكافة جوانب الحياة اليومية. وتعد هذه القمة الحدث الأول من نوعه، الذي يبحث دور القيادة الثقافية العالمية في الشؤون الدولية، واستضافة أبوظبي لهذا الحدث، دليل على نجاحها في إرساء مكانتها كمنارة للتنوع والتبادل الثقافي في المنطقة والعالم. وتتميز دولة الإمارات بالتنوع بين الثقافتين العربية والعالمية، وتأتي أهمية ذلك من خلال التقاء الحضارات والثقافات الوافدة،وانعكاسها على المجتمع الإماراتي الذي يبدي مرونة في انفتاحه على تجارب الآخرين، وإبداعاتهم المختلفة. ومنذ نشأتها دأبت الإمارات على المبادرات الخيرة، والتضامن الإنساني بكل أشكاله وأساليبه، وحرصت على رعاية حقوق الجميع، بغض النظر عن اللون والجنس واللغة والدين، وكفلت للجميع حقوقهم على أرضها الطيبة من دون أن يكون هناك فرق بين المواطن والمقيم؛ فالجميع سواء أمام القوانين والأنظمة، وهي تسعى بشكل دائم إلى تكريس قيم التسامح على مستوى العالم، لأن الدول المختلفة باتت مترابطة مع بعضها بعضاً، فما يصيب أحدها يؤثر بالسوء في الدول الأخرى، وكذلك فإن انتشار التعصب والتطرف يؤثر بالسلم العالمي، ويزيد من الجراح التي تعانيها البشرية وتتمثل في: البطالة، وضعف الإنتاج، وانتشار الفقر، والتخلف، ولاسيما في دول العالم النامي. إن إيجاد قيادات ثقافية متعددة الجنسيات، تتولى تقريب وجهات النظر بين الشعوب، وتعريف البشر بأهمية المنجزات العلمية التي تحققت بفضل العلم، هو أمر سيترك أثراً حسناً في المدى الطويل،ولاسيما أن جميع البشر باتوا مدركين لأهمية تلك المنجزات العلمية في تغيير واقع الحياة، وإيجاد أنماط سهلة للتواصل والتعاون وحتى للعمل والإنتاج. فالثورة العلمية والتكنولوجية الراهنة قد أوجدت تخصصات علمية، وآخر هذه الاكتشافات العلمية اكتشاف الجين المسؤول عما يسمى «الالتهام الذاتي للخلايا»، والذي قام به عالم الفيزيولوجيا الياباني أوسومي واستحق عنه جائزة نوبل هذا العام. ولاشك أن توصل العلماء إلى فهم آلية عمل الجينات في الجسم البشري سوف يسهم ليس فقط في علاج الأمراض من خلال تحديد الجين المسؤول عن كل مرض، بل أيضاً في القضاء نهائياً على الأمراض الوراثية. وكل ذلك سيهيئ هذه الاكتشافات لمعالجة الأمراض المستعصية مثلما توصل العلماء إلى تعديل موروثات المحصولات الزراعية، ما جعل حياة البشر اليوم تتوقف على ما تنتجه لهم الآلة بشتى أشكالها ومسمياتها حتى أصبحت التقنية سيدة الموقف. لقد أنعم الله تعالى على هذه الدولة قيادة رشيدة تدرك التحديات التي تعصف بالمنطقة والعالم، وفي خضم تنامي مشاعر الكره والبغض، الديني والقومي، اختارت أن تكون رسالتها هي رسالة المحبة والسلام، لما تملكه من سمو روحي وأخلاقي، فهي تفتح قلبها على مختلف الثقافات والحضارات، وفي نفس الوقت، تتابع نهجها في تعزيز الحب والوئام بين مواطنيها ؛ كي يبقى مجتمع الإمارات نموذجاً بين مجتمعات العالم في الوحدة والتعاون بين مكوناته المختلفة. حفظ الله دولة الإمارات، وسدد خطى القيادة الرشيدة؛ لما فيه المزيد من الخير والرفاه والتقدم والازدهار. med_khalifaa@hotmail.com
مشاركة :