كنت في مونتريال الكندية، أتابع دراسة ابني. قادني صديق إلى مطعم أثنى عليه كثيرا. قال لي إنه يقدم الأطباق السعودية. حدثني عن السليق، والكابلي، والمظبي، والمنتو، والجريش. سال لعابي، قبل أن أصل إلى المطعم. دخلنا فإذا ما رأيناه لا يقل عن الحديث عنه. عشرات الأطباق، خلال الوجبات الثلاث، زاد فضولي لأعرف من صاحب هذا المطعم. قابلت الرجل الدمث الخلوق، فإذا به شاب فلسطيني، من مواليد جدة، وعاش حياته حتى جاوز الثلاثين، في السعودية. ثم هاجر إلى كندا. حدثني رائد بشغف المحبين عن الأطباق التي يقدمها. الذين يحبون أعمالهم، هم أكثر الناس نجاحا. هم أسعد الناس. كانت طاقة رائد الإيجابية، تعم المكان، حتى إنه ليتعاطى مع زبائنه وكأنهم ضيوف داخل بيت عربي أصيل. كان رائد يحدثني عن السعودية، وعن جدة تحديدا حديث العاشق عن معشوقته. قال لي عنها حديثا أشبه بالشعر. أكد لي أنه لن يطول به المقام في كندا، بل سيمضي سنتين أو ثلاثا، ثم يعود لجدة، حتى يستنشق هواء محبوبته. رائد، مثل الآلاف من السعوديين هوى لا هوية. هؤلاء المولدون، عاشوا في بلادنا، وأصبحوا مع المملكة، كالسمكة مع الماء، لا تستطيع أن تعيش بعيدا عنه. الكثير من هؤلاء، لا يختلفون عن السعوديين، فجلهم لم يعرف بلدا غير السعودية، ولو عادوا إلى البلدان التي لم يعد يربطهم بها إلا ولادة آبائهم، لما استطاعوا أن يتكيفوا معها ولا مع أهلها! بعض هؤلاء يحب السعودية، كما نحبها نحن السعوديين، حتى وإن لم يكونوا يحملوا الهوية السعودية، إذ أن الهوى أقوى من بطاقات الهوية! أحسب أن هؤلاء يستحقون معاملة تفضيلية عن غيرهم. أصبح هؤلاء سفراء، لا لبلادنا فحسب، بل لثقافتنا، وأكلاتنا الشعبية. إنهم يستحقون التقدير، فلا أقل من أن نبادلهم حبا بحب، وتقديرا بتقدير.
مشاركة :