نهى فتحي | في الوقت الذي تسعى فيه مختلف دول العالم إلى تحديث أنظمتها وإضفاء الشفافية على أسواقها العقارية، نجد في الكويت رفضاً شديداً من قبل وسطاء العقار في السوق المحلي لكشف ما تحتويه دفاترهم من تفاصيل للصفقات، ما يؤدي إلى نقص الشفافية في السوق وربما يؤدي إلى تضليل المتعامل في السوق العقاري سواء بالبيع أو الشراء، حيث يجهل الراغبون في البيع والشراء معدلات الأسعار التي قد تساعدهم في إتمام صفقاتهم. الوسيط العقاري في السوق المحلي يرى الخصوصية والسرية هما أساس عمله، وأن إعلان تفاصيل بعض الصفقات قد يعرقل سيرها، خصوصا من قبل الدخلاء على السوق، وأن السرية التي يعتمدون عليها في كثير من الأحيان نابعة من رغبة التجار أنفسهم الذين يرفضون الإفصاح عن عمليات البيع والشراء التي يقومون بها، ناهيك عن طباع أهل الكويت في الخوف من الحسد برأي بعض الوسطاء، لاسيما أن السوق صغير والعائلات التي تتعامل فيه معروفة، كما يبرر الوسيط العقاري رفضه الإفصاح عن معدلات الأسعار بأن البعض يقيس سعر عقار بآخر ويقوم بإتمام الصفقة على هذا الأساس، وهو معيار خاطئ، لكل عقار مواصفاته الخاصة وموقعه، التي تساهم من دون شك في تغيير سعره عن أي عقار مماثل، حتى وإن كان ملاصقا له. ويأتي رفض الوسيط العقاري لعمليات تنظيم السوق وتحويله إلى سوق إلكتروني على إثر تخوف أغلب الوسطاء من الحد من مهام سماسرة العقار، خصوصا أن هناك شريحة كبيرة من هؤلاء لا يتعاملون مع التكنولوجيا الحديثة، ومعظمهم من المتقاعدين ومتوسطي التعليم، وتحويل العمل إلى إلكتروني يعد تعجيزا لتلك الشريحة عن القيام بمهامها، لافتين إلى أن عمل الوسيط العقاري يعتمد على الخبرة بالدرجة الأولى مع معدل متوسط من التعليم. وأن تلك المهنة لا تجذب إليها الأكاديميين أو مخرجات التعليم العالي، الذين قد لا يقبلون بالعمل في مهنة السمسار العقاري. ويدعي وسطاء أنه لم يعد هناك مجال للتلاعب بتفاصيل الصفقة مثلما كان الوضع في السابق، خصوصا في ظل الرقابة التي تمارسها وزارة العدل من خلال إدارة خبراء التقييم العقاري، التي تقوم بإعادة تقييم أي عقار يتم التشكيك في سعره المعلن عند التسجيل. أما خبراء العقار فيرون أن هناك واجبا أدبيا على الوسيط العقاري يحتم عليه الإعلان عن تفاصيل الصفقة العقارية بما يحقق مبدأ الشفافية في السوق العقاري، وهو أمر يلتزم به الوسيط العقاري في جميع دول العالم ويفترض على الجهات أن تقوم بالإعلان عن تلك التفاصيل التي تشمل المنطقة والمساحة والمواصفات والسعر بشكل دوري، من خلال إدارات لهذا الغرض، ما يضفي شفافية كاملة على معطيات السوق العقاري، ولنا في تجربة دبي مثال يحتذى به، حيث تم تأسيس دائرة الأراضي والأملاك لتنظيم السوق العقاري، ومعلوماتها الوافية تسهم في تسهيل عمليات إعداد الاستراتيجيات الخاصة بالسوق العقاري في دبي وتساعد على تنظيم عمل مكاتب وسطاء العقار والشركات التي تدير العقارات والمجمعات السكنية، حيث وضعت تلك المؤسسة أطراً للعلاقة بين أطراف التعاقد العقاري، وكان لذلك دور كبير في تنظيم السوق وإعلان معدلات الأسعار فيه بشكل دوري. ويؤكد الخبراء أن الغاية من تحويل الدفاتر إلى إلكترونية هو تنظيم السوق والدفع باتجاه تحديث النظم المعمول بها بما يتماشى مع التطورات التي تشهدها الأسواق العقارية في مختلف دول العالم، موضحين أن الدفاتر الإلكترونية ستحافظ على الخصوصية والسرية التي يحرص عليها السمسار إلى أن تتم الصفقة بحيث تكون الشفافية في تلك المرحلة معلنة فقط أمام وزارات الدولة وهي التجارة والبلدية والعدل، وهذا ما يرغب فيه السمسار. اما عقب إتمام الصفقة وتسجيلها فمن حق كل المتعاملين في السوق التعرف على تفاصيل الصفقة لما في ذلك من منفعة عامة في ايضاح معدلات الأسعار بشكل دوري، ومع غياب شركة المقاصة العقارية وتأخر خروجها إلى حيز مباشرة العمل الفعلي في السوق العقاري المحلي تغيب الشفافية في السوق، ولذلك بالغ الأثر السلبي على كل المتعاملين به. المقاصة ماتت.. ودفنت ومن جانب آخر، رحلة مرت بها شركة «المقاصة العقارية» التي لم تر النور منذ تأسيسها في عام 2004 وحتى يومنا هذا الذي شهد إعلان تصفيتها عقب تآكل أكثر من 75 في المئة من رأسمالها البالغ مليوني دينار كويتي. 13 عاما مرت على تأسيس تلك الشركة دون مزاولتها لأنشطتها وخروجها إلى حيز العمل. اليوم بعد خسارتها لأغلبية رأس المال تتم مخاطبة الدائنين والمدينين والمساهمين لمراجعة القائم على تصفيتها. وتعتبر الهيئة العامة للاستثمار، المالك الأكبر للشركة بنسبة 38.1 في المئة، وقد تمسكت الهيئة بتصفيتها، بينما 36.8 في المئة للاتحاد الكويتي لوسطاء العقار و10 في المئة لشركة وفرة العقارية، و5 في المئة لاتحاد العقاريين، بالإضافة إلى بعض مساهمين أفراد. وعلى الرغم من أن تفعيلها كان بمنزلة إنقاذ للسوق العقاري من حالة الفوضى العارمة، وتنظيم لنشاطه وعمليات الشراء والبيع وتسجيل الصفقات التي تجري فيه، فإن الجهات المعنية لم تساهم في إزالة العراقيل التي وقفت حائلاً أمام مزاولة الشركة لأنشطتها، حيث حالت تشريعات دون ذلك ولم يسع المشروع إلى تعديل ما جاء في تلك التشريعات المعرقلة، بما يسهل مهام عمل الشركة، والسؤال هنا لماذا تمت محاربة المقاصة العقارية في الوقت الذي يعاني فيه السوق العقاري من غياب للشفافية وحاجته ماسة إلى التنظيم؟. وأكدت مصادر معنية أن عمليات التقاص عبر «المقاصة العقارية» لها بالغ الأثر من حيث حفظ حقوق أطراف العملية سواء البائع أو الشاري أو «الدلال» وكان من المفترض أن تساهم في وضع حد للمشكلات التي يعاني منها السوق العقاري ويكون ضحيتها عادة أحد أطراف الصفقة العقارية، مثل أن يكون الشيك بدون رصيد، أو أن يكون العقار غير مطابق للمواصفات أو غير ذلك من الأخطاء. وأضافت هناك مشكلات يعانيها السوق العقاري تستدعي بالضرورة إنشاء منظومة عقارية، وكان من الأولى إبقاء المقاصة وتفعل دورها للقيام بهذا الدور حتى تضع حدا لمثل هذه الأمور، وتكون المرجع والملاذ وتراقب عمليات تقييم العقارات التي تبنى عليها صفقات تمويل أو قروض، والتي من المعروف أنها كانت شرارة أودت بحياة الكثير من الشركات. وقد حارب الكثيرون حتى ترى «المقاصة» النور، إلى أن جهودهم لم تكلل بالنجاح، حيث ولدت فكرة المقاصة العقارية بجهود مجموعة من الحريصين وعاصرت أكثر من عشرة وزراء تجارة لم يقم أي منهم بأي دور جدي لإخراج هذا المشروع إلى حيز التنفيذ.
مشاركة :