أينما ولينا وجوهنا في هذه الأيام، فثمة أصوات تتردد أصداؤها من داخل الأراضي المصرية تجمع على الوحدة الوطنية للشعب المصري بهتافات تؤكد وحدة الهلال مع الصليب، ترفض الإرهاب وتلفظ العنف وتطالب باقتلاع التنظيمات الإرهابية من جذورها. لا معنى لاستهداف فئة أو طائفة أو جماعة مسالمة يفترض أنها تعيش في أمان مع أشقاء الوطن تشارك بفاعلية في معارك التعمير والتنمية والنهوض بالدولة في شتى المجالات، وهي اعتداءات غير مطمئنة لأنها تكررت كثيراً وعلى فترات متقاربة وضد فئة بعينها. العمليات الإرهابية التي وقعت في مصر سواء في الإسكندرية أو طنطا أخيراً أو القاهرة من قبل، تنتفي عنها صفة الطائفية تماماً، فالأقباط في مصر غير مستهدفين على الهوية، وما يحدث هو عمليات إجرامية إرهابية دنيئة، ولا مبالغة في اعتبارها عمليات فردية، نعم بالقطع هي عمليات شديدة الخطورة لنتائجها وتداعياتها بالغة السوء على المجتمع المصري بأكمله، وهي مرفوضة وملفوظة حتى ولو لم يسقط فيها ضحايا. جزء من تفهم طبيعة ما جرى في يوم «إرهاب الكنائس» بمدينتي طنطا والإسكندرية، يكمن في قراءة دلالات التوقيت لتنفيذ تلك الاعتداءات، فكما في مرات سابقة ومثلما حدث في تفجير طائرة الركاب الروسية فوق أرض سيناء وتفجير طائرة مصر للطيران خلال رحلتها من باريس إلى القاهرة وقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، بهدف قطع الطريق على تحسن العلاقات المصرية مع روسيا وفرنسا وإيطاليا وكانت صاعدة بسرعة الصاروخ، يتكرر الأمر ذاته من خلال المدينتين المصريتين وعبر البوابة القبطية التي يعتبرها الإرهابيون «كعب أخيل» أو البوابة الأضعف للنفاد منها نحو إجهاض مشروع النهضة المصري. في المرات السابقة نجح الإرهابيون بالفعل في تحقيق بعض المكاسب من أعمالهم الإرهابية كضرب السياحة المصرية وحجب الاستثمارات الأجنبية والتأثير سلباً على علاقات القاهرة مع كل من موسكو وباريس وروما، حقاً أنهم لم يتمكنوا من إسقاط الدولة المصرية ولكنهم عادوا بها سنوات إلى الخلف في ظروف بالغة الصعوبة تمر فيها البلاد، ولا يختلف الأمر كثيراً هذه المرة إذا ما وسعنا مجال الصورة لقراءة ما حدث وتوقيت ما جرى. المتابع الجيد للأوضاع المصرية على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية لابد وأن يدرك أن هذه الاعتداءات مخطط لها بدقة وعناية لإجهاض أي نجاحات تمكنت الدولة المصرية من تحقيقها بجهود شاقة ومضنية في الأشهر الماضية، والهدف بالتأكيد هو حرمانها بكل مؤسساتها من جني أي ثمار لهذه الخطوات الإيجابية، والعودة بها مجدداً إلى الوراء، فالزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأيام الماضية إلى الولايات المتحدة لا شك في أنها حققت له الكثير من الإيجابيات - التي لم تتضح كل تفاصيلها بعد - ويكفي أنها فتحت صفحة جديدة في العلاقات المصرية الأميركية يمكن البناء عليها وتحقيق الشيء الكثير، ومقدمة ذلك أن واشنطن أعلنت مصر دولة آمنة ورفعتها من قائمة الدول المحظور زيارتها. في الصورة أيضاً تحسن كبير في حركة السياحة الوافدة إلى مصر وظهور مؤشرات مؤكدة على انتعاش تدفق الوفود السياحية على المقاصد المصرية، وليس خافياً أهمية السياحة الخارجية كمورد أساسي من الدخل القومي المصري، ويصاحب ذلك تحسن الأوضاع كذلك بالنسبة للاستثمارات الخارجية وانعكست في زيارات عدة لوفود كبريات الشركات العالمية لمصر رغبة في إقامة مشروعات عدة تحتاج إليها الدولة المصرية بشدة، وكل ذلك ما كان من الممكن تحقيقه لولا حدوث درجة عالية من الاستقرار الأمني، وهي حقيقة ميدانية قائمة على أرض الواقع برغم كل مظاهر التوتر والعمليات الإرهابية التي نراها، فما زال عشرات الملايين من المصريين يمارسون حياتهم بشكل طبيعي جداً في كل لحظة. تبقى الإشارة ضرورية أيضاً إلى أن العلاقات المصرية - العربية عموماً، والخليجية على وجه الخصوص تسير نحو آفاق أفضل على مستويات متعددة وفي مجالات متنوعة خاصة بعد قمة «البحر الميت» والإعلان عن زيارات متبادلة بين كبار المسؤولين المصريين تتوج بزيارة هذا الشهر للرئيس السيسي إلى المملكة بدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز، وقبل أيام اختتمت أضخم مناورات عربية عسكرية على الإطلاق بين القوات المسلحة للشقيقتين مصر والإمارات، وكذلك للقوات الجوية المصرية والبحرينية، جميعها خطوات مهمة تؤكد تكامل الاندماج والتفاعل بين مصر ومحيطها العربي بما يفتح الباب أمام آفاق جديدة من التعاون. ومن مدلولات التوقيت المهمة لهذه الاعتداءات؛ الزيارة المقررة والمرتقبة لبابا الفاتيكان إلى مصر في نهاية هذا الشهر ولم يعلن عن تغيير جدولها بعد الاعتداءات، ولا شك في أهميتها بالنسبة لتقديم المزيد من الدعم المعنوي لمصر على الصعيدين الإقليمي والدولي، لتضاف إلى المكاسب الأخرى التي حققتها مصر بمشقة بالغة، واختار التكفيريون هذا التوقيت لتنفيذ جرائمهم في يوم «إرهاب الكنائس» لاغتيال هذه الإنجازات وحرمان مصر من جني ثمار الاستقرار.
مشاركة :