يقول الشاعر ولما دنا منا شغلنا بغيره فلما نأى لم ننشغل بسواه وهذا ما ذكرني بتلك الطرفة القديمة التي تتحدث عن طبيب فى مستشفى الأمراض العقلية والعصبية دخل إلى إحدى الغرف فوجد شخصاً يصرخ ويبكي ويرسم صورة لامرأة على الحائط، وحينما سأل عن سب ذلك قالوا له : تلك صورة المرأة التي أحبها ولم يتزوجها، فدخل إلى غرفة أخرى فوجد رجلاً يضرب نفسه ضرباً مبرحاً وحينما سأل من حوله عن سبب ذلك قالوا ذلك من تزوجها!. فالشخصية واحدة في الحالتين، والمشكلة ببساطة أن أحدهما أفقده البعد عقله، والآخر فقد عقله بالقرب والعشرة واكتشاف العيوب، ولو تعقل أحدهما لما وصل لتلك المرحلة، فالحكمة من القصة هي في تقديري أنه ربما تكون أمانينا الضائعة التي نعيش العمر حزناً عليها لا تستحق كل هذا الندم والحزن، ولو أصبحت بين أيدينا لتوصلنا بذواتنا لتلك الحقائق. قصة أخرى تحمل المعنى نفسه حدثت في عصر الخليفة العباسي الذي سمع بأمر ليلى والمجنون فأمر بإحضارها إلى قصره ليرى من هي تلك المرأة التي هام بها معشوقها إلى ذلك الحد، ولكن الصدمة كانت حينما كشفت له غطاء وجهها، وعرف أنها امرأة عادية وحينما أبدى انزعاجه لذلك قالت له «لابد أن تراني بعين المجنون». وتلك مشكلة عديد من الرجال فى مجتمعاتنا وهي بحثهم عن فردوسهم المفقود انطلاقاً من عدم الرضا بالقدر، وذلك تحت مسميات عديدة مثل الحب الأول وحب الجامعة وابنة الجيران وصديقة العمل التي تزوجت الغير، والحبيبة التي حالت الظروف دون نوالها، كل ذلك نابع من أن الأمنية لم يتم الوصول إليها فأصبحت فى مكان قصي من القلب، ولو تم الوصول إليها لما احتلت هذه المكانة التي ربما لا تستحقها. الأمر الموجع ليس هو القلب الذي يذوب كلما جادت الذكريات بما لديها، إنما الإشكالية في مدى الظلم والإيذاء النفسي الذي يقع على من يحبونهم حينما تشعر الأنثى بأنها تتعامل مع جسد دون روح، لأن حبيبها منشغل بأخرى ربما لا يعنى لها شيئاً أو ربما يكون منسياً أو لا وجود له ولا ذكرى، لذا فخلاصة القول رفقاً بمن أحبوكم أيها الرجال، ولا يكون الوهم الشاغل هو البحث عن الفردوس المفقود فربما كان جهنم وبئس المصير.
مشاركة :