شاعر غنائي تونسي ينتصر للهجة الأجداد بقلم: حسونة المصباحي

  • 4/12/2017
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

شاعر غنائي تونسي ينتصر للهجة الأجداد"آش جاب رجلي للمداين زحمة"، هي إحدى الأغاني الشهيرة للمطرب التونسي عدنان الشواشي، والتي كتبها الجليدي العويني، ابن الجنوب التونسي الذي نزح شابا إلى العاصمة فتعب من ضوضاء المدينة ونسقها المجنون، إلا أنه بات بفضل إيمانه بموهبته الشعرية الموغلة في المحلية أحد أبرز كتاب الأغنية العامية بالبلاد، “العرب” التقت العويني فتحدث عن البدايات الممزوجة بالذكريات، دون إغفال التطرق إلى قناعاته واختياراته ومدى تفاعله مع عصره.العرب حسونة المصباحي [نُشر في 2017/04/12، العدد: 10600، ص(16)]الهادي حبوبة جمل المزود برقصته وأناقته حين نتحدث عن الشعر الشعبي، وعن الأغنية الشعبية في تونس، فإن الفنان الجليدي العويني يكون من أوائل الذين تستحضرهم الذاكرة، وتقفز أسماؤهم إلى ألسنتنا، وهو يقول “أنا ابن الموروث الشعبي، وبصفة أدق أنا ابن الحكايات والأشعار الشعبية منذ طفولتي، والدي عبدالله العويني رحمه الله، كان شاعرا ومولعا باستضافة الشعراء الشعبيين في بيته، وفتح الراديو على برامج محمد المرزوقي، والتلفزيون على برنامج أحمد حرزالله الذي يعنى بتاريخ الفنون الشعبية في مختلف مناطق البلاد التونسية”. كان الجليدي العويني مُعرَّضا لهذا القصف اللذيذ ومُعْرِضا عنه، حيث كان يعتبره يتحدث عن أشياء منتهية كالخيمة والجمل وصراع القبائل، و”لكن يبدو أننا محكومون بطفولتنا”، يقول الشاعر الغنائي التونسي، حيث وجد نفسه بعد سنوات قليلة يكتب شعر اللهجة العامية، ويسعى للظهور بما يكتبه في الإذاعة والتلفزيون، ويجهد نفسه في الالتقاء بالموسيقيين والمغنين. وبعد ذلك التيه اللذيذ والجميل والمفيد في شوارع حي “لافيات” بالعاصمة تونس، أين يجتمع جلّ الموسيقيين والمطربين، استفاق العويني على حبه لوالده الراحل، وما كان يقوم به، وعوض استضافة الشعراء الشعبيين في بيته مثلما كان يفعل والده، بات يستضيفهم في برامج إذاعية منتجة على موجات الإذاعة الوطنية وإذاعة تونس الثقافية. ويضيف العويني “ولكي أجادلهم، كان لابد أن أقرأهم وأسمعهم، ولأنقدهم كان لابد أن أعود إلى الدراسة، فسجلت في ماجستير تراث وحصلت عليه برسالة حول شعر اللهجة عند ورغمة أذكار ‘الربايع” و’الجليدات’ نموذجا، وأنا الآن مسجل في دكتوراه مرحلة ثالثة حول الرحلات التاريخية من خلال شعر اللهجة، ولكن الأهم هو عملي الميداني والتوثيقي الذي قدمته في مداخلات ومحاضرات ومقالات أسعى إلى تجميعها ونشرها في كتب”. وعن أهم الشعراء والفنانين الذين أثروا الفن الشعبي في تونس، يقول الجليدي العويني “أعتقد أن لكل شاعر وفنان تأثيره الخاص، ولكل واحد فضاؤه الحيوي ومريدوه، فالشيخ بورقعة كان ملك الغرب والوسط الغربي التونسي، وسلّم رسالته لقامة أخرى وهو لمين لوسيعي من جبل وسلات بمحافظة القيروان، وإسماعيل الحطاب كان مغني لمثاليث، أي الوسط الشرقي لتونس، ولكن الإذاعة جعلته نجم البلاد كلها، أما ربايبية أرباض العاصمة تونس وأحوازها القصديرية، فقد أبدعوا المزود الذي لخّصه وجمّله الهادي حبّوبة برقصته وأناقته، وأحمد البرغوثي ظلّ مُحاصرا لمنطقة نفزاوة والمرازيق، وأثر في الكثيرين، في حين أن عبيد غبنتن سيطروا على الفضاء السمعي للجنوب الشرقي”.الجليدي العويني: أعيب على مغني الراب استعمالهم قالبا جديدا لبث أفكار قديمة أما على مستوى البحث والتوثيق، فيرى العويني أن محمد المرزوقي يعد الأبرز في كل هؤلاء، وهو الذي كتب في المجال حوالي عشرين مؤلفا، إضافة إلى برامجه الإذاعية، وبذلك استطاع إثراء وتجاوز المحاولات الأولى التي كانت للحشايشي والرزقي، وكتاب مجلة “إبلا” من الباحثين والعسكريين الفرنسيين الذين اشتغلوا على الإبداع والمأثور الشعبي التونسي شعرا ملقى ومغنى. ويستطرد الشاعر الغنائي التونسي “طبعا هناك محاولات وإنتاجات أخرى لأسماء مثل محي الدين خريف والحفناوي عمايرية وجلول عزونة، وكل منهم كان له أثره شأنهم شأن منتجي البرامج التلفزيونية والإذاعية المهتمة بالمجال كعبدالمجيد بن جدو، وأحمد حرزالله”. ويقول الجليدي العويني عن وضع الأغنية التونسية راهنا “لا بد أن نتفق أولا حول تعريف الأغنية الشعبية الراهنة، فالشعب لم تعد له أشغال جماعية ينتج لها أغاني كما كان في الحصاد والجني وجزّ الغنم، حيث صارت الآلة كفيلة بذلك، والأغنية الشعبية التي يؤلفها شاعر مغن ويؤديها مرفوقا بالزكرة والقصبة (آلة نفخ شعبية) ذوبتها استوديوهات التسجيل بالمؤثرات والمحسنات، وربّما صار الراب هو التعبيرة الأقرب لشرائح واسعة من الشباب التونسي، وبات هو الأغنية الشعبية بالنسبة إليه”. وعن مدى تفاعله مع موسيقى الراب، يجيب العويني قائلا “أنا رجل عتيق، مسكون بجملة من الجمل المقامية الموسيقية أطرب لها حيث ما وجدتها على العود أو على القصبة أو في المزود (آلة نفخ فلكلورية)، فأنا أحب أغاني مثل ‘بنت الحي’، و’بير ماطر’ و’بالله يا طير اللي ماشي’ و’اميمتي الغالية’، وكلها أغاني مزود، ولكن عائقي في الاستمتاع في أحيان كثيرة هو وجود تكسيرات وزنيّة في النص أو تعبيرات سخيفة ومبتذلة”. في المقابل، يعيب العويني على الراب استعمال مغنيه لقالب جديد لبث أفكار قديمة، ويوضح “من نوع مواصفات الرّجولة ومهاجمة الفتاة الحرة، أو الرضاء بالقضاء والقدر، أو الهجرة السرية وما يكتنفها من مخاطر من أجل العودة بسيارة نكاية في بنت رفضت بناء علاقة معه، وكل تلك الاسطوانة التي اعتدناها في المسلسلات المصرية”. وعن رحيل كبار شعراء الشعر الشعبي في مصر، يعلق الجليدي العويني قائلا “الوعي بإبداع اللهجة المحلية كان مبكرا في مصر عن طريق أكادميين مثل عبدالحميد يونس، وفي منابر مثل مجلة “الفنون الشعبية” التي بدأت بالصدور منذ 1965 ولا تزال، والخروج باللهجة من الإبداع الشعبي العفوي الجماعي إلى الإبداع الفردي الواعي كان رهانا مبكرا في الساحة الثقافية المصرية”. ويضيف الجليدي العويني “من ثمة ظهر عمالقة كفؤاد حداد وبيرم التونسي وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم وعبدالرحمن الأبنودي وسيد حجاب، واعتنى النقاد والدارسون بهذا الجنس من الإبداع، بل أكاد أقول إن مصر بعد أحمد شوقي فقدت ريادتها في الفصحى وتميّزت بشعر اللهجة، وهناك جيل جديد يواصل مثل سامح العلي ومسعود شومان وشاعرات كعزة التهامي ورانيا النشار، ولعلنا في تونس نسير هذا المسار أولا بتنويع التجارب والخروج من دائرة الكتابة التقليدية، وثانيا باعتناء النقاد والدارسين بهذا الضرب من الكتابة”.

مشاركة :