شاعر كرس حياته لمدينته وقصيدة النثر بقلم: حسونة المصباحي

  • 10/10/2017
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

مدينة القيروان التونسية تودع الشاعر حسين القهواجي وأئمة المساجد والحرفيون والباعة المتجولون والشعراء والموسيقيون والرسامون والجامعيون في تونس يرثونه.العرب حسونة المصباحي [نُشر في 2017/10/10، العدد: 10777، ص(15)]القيروان كانت كل قصائده في الساعة الرابعة ظهرا من الأربعاء الموافق للرابع من شهر أكتوبر من هذا العام، وبحضور عدد كبير من أهلها من مختلف الفئات والمراتب الاجتماعية، وَدّعت القيروان واحدا من أبرز شعرائها ومن أخلص أبنائها، الشاعر حسين القهواجي الذي توفي بسكتة قلبية الثلاثاء الثالث من الشهر المذكور. لم يكن موت القهواجي مفاجئا. فقد كان الفقيد يعاني من أمراض كثيرة منذ سنوات الشباب. ورغم هشاشة صحته، وضغف قلبه، ظل يقاوم الأمراض ومصاعب الحياة المادية منها بالخصوص بشجاعة وصبر، لاجئا إلى الكتابة والقراءة لكونا وسيلتيه الوحيدتين للبقاء على قيد الحياة على مدى 54 عاما. ولكن رحيله كان مؤلما وموجعا للجميع. لذا رثاه أئمة المساجد والحرفيون والباعة المتجولون والشعراء والموسيقيون والرسامون والجامعيون… فقد كان وجها دائم البشاشة واللطف، حريصا على أن يكون ودودا حتى مع الذين يسعون إلى إيذائه والتحقير من شأنه. كما أنه كان حريصا على كتمان آلامه وأحزانه في أشد الأوقات ضيقا وقسوة. حسين القهواجي من بين الشعراء والكتاب التونسيين الذين عانوا من الإهمال والإقصاء، فلم تهتم بشأنه وزارة الثقافة ولم ترحم ضيق يده، ولم تهبّ أبدا لمساعدته. لذا كان يجد نفسه مجبرا في غالب الأحيان على طبع كتبه وتوزيعها بنفسه، في حين كان ولا يزال الذين أقل منه موهبة وإخلاصا للكتابة وللشعر ينعمون بكل الامتيازات المادية والمعنوية. انقطع حسين القهواجي عن الدراسة مبكرا لينصرف إلى القراءة، ونحت شخصيته الأدبية والشعرية بمجهوده الخاص. وفي المكتبة العمومية بالقيروان، كان يمضي الساعات الطوال في تصفح كتب التراث، وقراءة الروايات والدواوين الشعرية القديمة والحديثة، وكتب التاريخ والفلسفة ليكتسب بمجهوداته الخاصة ثقافة أدبية وفنية واسعة ومتميزة. كما تمكن من أن ينحت لنفسه لغة شعرية ونثرية حديثة خالية من التقعر والبلاغة الركيكة. في البداية عمل في الفرقة المسرحية بالقيروان براتب ضئيل بالكاد كان كافيا لسد مصاريفه اليومية. بعدها انصرف إلى الكتابة انصرافا يكاد يكون كليا، فلا عمل ولا شاغل له غيرها. وكانت القيروان مادته الأساسية، ومن وحي تاريخها، ومن وحي سير صلحائها، ومتصوفيها، ونسائها الجميلات الفقيرات مثل والدته، كان يكتب نصوصه وقصائده. ومن شدة عشقه للقيروان، دوّن الشاعر تقاليدها وأساطيرها في كتب نثرية بديعة. وفيها كان يتجول في ساعات الليل والنهار. لذا ألف أهالي المدينة وجهه الشاحب، وعينيه المتقدتين بلهب الشعر، وجسده الهزيل، وصوته الكسلان، فبات صديقا للجميع. فإن غاب يوما أو أسبوعا واحدا، تساءلوا عن سبب غيابه، وحنوا إليه حنوهم إلى كل ما هو جميل ومألوف. كما أن الراحل كان يمتلك معرفة بسير كل شعراء القيروان من القدماء والمحدثين، منشدا لقصائدهم، ووفيا لذكراهم في كل آن وفي كل حين. وكان يحلو له أن يرافق الشعراء والكتاب العرب الذين يزورون القيروان. ومعهم يطوف في معالمها التاريخية وفي شوارعها وأزقتها، إذ أنه كان عارفا بخفاياها وأسرارها، فلا يغيب منها شيء عن ذاكرته وذهنه. وبفضل العلاقات الوطيدة التي ربطته بالبعض من الشعراء التونسيين أمثال خالد النجار، والأجانب أمثال الشاعرالفرنسي لوران غاسبار الذي عمل لفترة طويلة طبيبا جراحا في مستشفى “شارل نيكول” بالعاصمة التونسية، تعرف حسين القهواجي على رموز الشعر العالمي، ولم يكن يخفي إعجابه بسان جون بارس، وفريديريكو غارسيا لوركا، وبابلو نيرودا، وأنا أخماتوفا، وماياكوفسكي، وولت ويتمن. وفي العديد من قاصئده +نعثر على صدى لشعرائه المفضلين من العرب والأجانب من دون أن يفقده ذلك نبرته الخاصة، ومن دون أن ينال من تميز صوته. وإلى جانب الشعر، كتب حسين القهواجي السيرة الروائية، راويا مقاطع من سيرته الذاتية، مستحضرا ذكريات طفولته، وأطوار حياة عائلته الفقيرة في منطقة “حومة الباي” بالقيروان. كما كتب نصوصا نقدية عن الشعر والفنون التشكيلية التي كان شغوفا بها، وبرمزوها.

مشاركة :