ترى الفنانة التشكيلية صفية القباني الحياة من حولها من منظور عين الطائر، كما تقول، وهي الرؤية التي تعلمتها من أستاذها الراحل الفنان الكبير حامد ندا. في معرضها «جداريات مصرية» الذي أقامته أخيراً في القاهرة تقدّم ما رأته بعين الطائر من البيت المصري إلى النيل والمراكب والبشر، وتبعث رسائل مهمة بمضامين مختلفة ترتكز على السلام والحب، كذلك تؤكّد عبر لوحاتها عشقها فن الموزاييك الذي يخرجها من مجهود العمل الإداري ويدفعها إلى التفكير. لماذا أطلقت اسم «جداريات مصرية» على معرضك الأخير رغم احتوائه على أعمال صغيرة؟ ليس شرطاً أن تأتي الجداريات بأحجام كبيرة. بإمكان الفنان أن يبدع قطعة فنية صغيرة أو كبيرة. من جهتي، أستخدم خامات الأزملتي والمورانوا والموزاييك ومواد على جبس أو أسمنت لمعالجة الجدار من دون أن تحكمني المساحة. أضع أمثلة صغيرة أو كبيرة ولكن يمكن توظيفها على جداريات، واستخدمت الموزاييك لعرض البيت المصري والنيل والمراكب وورود النيل ومفرداتنا المصرية كدعوة إلى ربط الناس بوطنهم. عين الطائر يقول د. خالد سرور في تقديمه معرضك إنك تعملين من «منظور عين الطائر». ماذا يقصد؟ يقصد بتوصيفه النظر من أعلى. أحب التعامل مع اللوحات من هذه الزاوية، التي تعلمتها من أستاذي الدكتور الراحل حامد ندا. كنا نخرج يوماً في الأسبوع إلى منطقة الحسين حيث نقصد أعلى المباني أو أعلى فندق الحسين أو مأذنة قلاوون لنرى من منظور مختلف، تماماً كما تفعل عين الطائر. «جداريات مصرية» معرضك الفردي العاشر. كيف ترين الفرق بينه وبين معارضك الأولى؟ بدأت معارضي الفردية منذ 1998. ثمة فرق كبير في لوحاتي بين اليوم وبين الأمس من نواحي الفكر والرؤية واستخدام الخامة، خصوصاً بعدما تبلورت رؤيتي. في البداية، قمت بتجارب سيراميك وحرقت زجاجاً عليها، فضلاً عن تجارب مختلفة عدة في هذا الإطار. ربما أكون استخدمت الأزملتي وبورد مورانو (خامة إيطالية باهظة الثمن) في «جداريات مصرية» والمعرض السابق «تقبل الآخر» في غاليري «النيل» فحسب. وعندما يعمل الفنان بخامة ثمينة من الصعب أن يلجأ إلى خامة أقل مجدداً. الموزاييك والمرأة الموزاييك أحد الفنون الصعبة. لماذا كان تركيزك عليه؟ هل هو نوع من تحدي الفنان لقدراته؟ الموزاييك تخصصي في المقام الأول. درست التصوير الجداري، ليس الموزاييك فحسب بل أيضاً الفراسيكوا والتمبرا والرخام، والرسم على الزجاج والسيراميك. الموزاييك وسيط يصلح لتوظيفه على حوائط خارجية ويقاوم عوامل التعرية. أحببت هذه الخامة، واكتشفت أن الفنان عندما ينجز اللوحة الجدارية يبدو كأنه يلعب شطرنج. والفن عموماً لعبة، حيث يضع الفنان ألواناً ويجربها ويخرج طاقته. كيف تنظرين إلى المرأة كفنانة تشكيلية وإلى قدرتها على إثبات وجودها؟ كانت المرأة المصرية أول ملكة حاكمة. هي حتشبسوت، تلك الملكة المجددة التي أحدثت نقلة اقتصادية ومعمارية. المرأة سيدة قوية جداً، هي الفلاحة والأم التي ربما تكون لا تجيد القراءة والكتابة ولكنها تقدم للمجتمع رجالاً أقوياء. المرأة هي نفرتيتي ونفرتاري. هي عصب الأسرة. كذلك لدى المجتمع العربي أو الشرقي عنصرية ضد المرأة ولكنها لا تستسلم، بل تبذل مجهوداً كبيراً من باب إثبات الذات، فيما الرجل لا يحتاج إلى بذل مجهود لأننا مجتمع ذكوري في الأساس. ورغم أن الريادة كانت في مجال الفن التشكيلي للرجال، فإن المرأة نجحت واقتحمت هذا الفن، لذا لدينا تشكيليات رائدات أمثال تحية حليم، وزينب السجيني، وإنجي أفلاطون، ورباب نمر، ونعيمة الشيشيني، رغم أنهن عشن في مناخ أصعب من مناخنا اليوم، وفي الفترة الراهنة لدينا أسماء بارزة أيضاً. كيف تتعاملين مع لوحاتك؟ أبذر الألوان والخامات الجميلة على لوحتي وأبدأ بالعمل من دون ترتيب أو خطة مسبقة. يختلف فن الموزاييك عن الرسم، إذ أجرب الخامات وهذه طبيعة فنان الجداريات، والمصادفة تصنع أعمالاً جديدة. تمارسين فن الموزاييك وهو مجال ربما يكون مظلوماً مقارنة بالمجالات الأخرى. هو فن قديم مكانه ليس في القاعات الأرضية، بل على الأسطح والكنائس والمساجد والجدران. إنه فن مكلف ونحتاج في هذا المجال إلى نهضة ورؤية الموضوع بزوايا مختلفة، ومحاولة لمعالجات جدارية برؤى متنوعة. نلاحظ وجود نماذج لجداريات في شوارعنا لا تمت إلى الفن بصلة. كيف ترين حل هذه الأزمة؟ هذه أزمة كبيرة لا تقتصر على الجداريات بل على تماثيل الميادين أيضاً. شكّل رئيس الوزراء لجنة برئاسة المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضاري، تشرفت بانضمامي إليها لمراجعة الأعمال الفنية قبل وضعها وتنفيذها ومعرفة الشكل والخامة والمساحة المنتقاة للعمل الفني، ومحاولة تحجيم وتقليص الأعمال السلبية. أول عميدة أنت أول عميدة لكلية الفنون الجميلة بعد 107 أعوام من إنشائها وعقب عدد كبير من الرجال. يحملك الأمر مسؤولية كبيرة، فما أبعادها؟ عندما أغادر منصبي لا بد من أن يقال إنني تركت بصمة. لا يجوز أن أكون ضمن الصف الطويل الذي سبقني، كما قال النحات الراحل عبد الهادي الوشاحي: «لا تقفوا في طابور الموتى». كل من تولى هذا المنصب أفضل مني، لا أقيم أحداً ولكني أعمل جيداً على نفسي وأحاول أن أحقق للكلية نقلة نوعية لتأخذ الصدارة مجدداً في المجتمع المصري، وتحضر في المحافل الأقليمية والدولية، وتحصل على مساحتها الحقيقية لأن هذه الكلية أنشئت منذ 107 أعوام قبل كثير من الكيانات، وأحاول أن أحصل على شهادات اعتماد لها. هل تنتمين إلى اتجاه فني معين وما مدى إيمانك بالتصنيفات الفنية؟ لا أنتمي إلى أي اتجاه فني، وأقدم ما أشعر به من دون التقيد بأي أمر. ولكن درست التصنيفات الفنية سواء التأثيرية أو التعبيرية والتكعيبية وغيرها. كيف ترين الحركة التشكيلية الراهنة؟ رأيت صالون الشباب العظيم، وأقول إن ثمة آمالاً من خلال أعمال الأجيال الجديدة ذات المستوى العالي. أما المعارض التي يقدّمها الفنانون فمبهرة، أذكر منها معرض د. زينب السجيني، وأقول إنها كلما كبرت أزدادت جمالاً وتألقاً، كذلك تلميذها الفنان أحمد عبد الكريم الذي عرض معها في قاعة أخرى في غاليري «الفن». إذاً، الحركة التشكيلية مبشرة وننتظر المزيد. في سطور حصلت الفنانة صفية القباني على دكتوراه من كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان، تصوير شعبة جداري عام 1996، ذلك عن رسالتها بعنوان «الحفاظ على التصوير الجداري من خلال أساليب التصوير الحــــــديثة». قدمت معارض فردية عدة داخل مصر وخارجها، كذلك أصدرت مؤلفات ودراسات فنية، من بينها: «الجداريات ذاكرة أمة عبر العصور مؤتمر الفنون الجميلة مارس 1998، ودور التصوير الجداري في العلاقة بين الوظيفة والمكان، والواجهات المعمارية الخارجية والداخلية وأثرها على فكر المصور الجداري، والجداريات وتأثيرها على المجتمع المصري المعاصر (القاهرة الإسكندرية) دراسة ميدانية».
مشاركة :