عقدة المواطنة وشروخ الجغرافيا: مصر تحاصر الإرهاب غربا وتفشل شرقا بقلم: أحمد حافظ

  • 4/13/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الفوارق الطبيعية والبيئة الجغرافية ما بين الجبهة الغربية ومنطقة سيناء ما يجعل من السيطرة على الحدود الغربية أمرا ممكنا بعكس نظيرتها الشرقية، فالمنطقة الواقعة على الحدود مع ليبيا، وبرغم امتدادها على نحو 1200 كيلو متر لكنها تتميز بطبيعة مسطحة وشبه مستوية، وهو ما يسهل من عمليات المراقبة عن طريق الدوريات البرية والاستطلاع عبر الطلعات الجوية فضلا عن أجهزة المراقبة الإلكترونية والرادارات التي تؤمن عملية المتابعة على مدار الساعة. ويرى الخبراء أن وجود قاعدة عسكرية متكاملة في منطقة سيدي براني بالقرب من الحدود الغربية، يضاعف من سيطرة الجيش المصري على طول الشريط المجاور للأراضي الليبية، فضلا عن سهولة سيطرة الزوارق البحرية على شاطئ البحر المتوسط هناك. وعلى العكس من الحدود مع ليبيا تمتلئ صحراء سيناء بالجبال والممرات الصعبة، فضلا عن مساحتها الشاسعة ما يسهل على المسلحين الاختباء فيها وممارسة نشاطاتهم. ويوضح الخبراء أن الامتدادات الجبلية في سيناء ووعورة دروبها التي يصعب الوصول إليها أو معرفتها، تمثل عائقا طبيعيا أمام جهود الأمن في تعقب العناصر المتشددة ومخابئها، وهو ما تستغله هذه الجماعات بفضل معرفتها الدقيقة بالأماكن، وبالتالي السيطرة على الكثير من الطرق والمسالك، إلى جانب القدرة على مراقبة تحركات رجال الأمن ونصب الكمائن لهم. ويشدد محمود زاهر، الضابط السابق بجهاز الاستخبارات المصري، والذي تخصص لسنوات في العمل بالمناطق الحدودية، على أن الاختلاف في التفاصيل الجغرافية والطبيعة الجبلية في كلا المنطقتين (الغربية وسيناء)، يعد عاملا محددا في تقييم مستويات السيطرة والتأمين، فبينما يسيطر الجيش تماما في مطروح ما يساعده على تحصين المنطقة وغلق كل ثغرات العبور، فإن التضاريس الوعرة وكثرة الجبال في سيناء تمثل مأوى استراتيجيا للإرهابيين. المخاطر الأمنية التي خلقها تواجد الإرهاب والجماعات المتشددة على الحدود الغربية حديثة العهد، وبدأت إثر سقوط نظام القذافي، وحالات الانفلات التي شهدها الداخل الليبي نتيجة غياب الاستقرار السياسي سهلت على الأمن المصري اصطيادها مبكرا.تقدم ملموس ضد الإرهاب في الغرب ويلعب العامل الاقتصادي والسياسي بحسب المتابعين دورا مهما في إحكام سيطرة السلطات المصرية على المناطق الحدودية الغربية انطلاقا من كونها المعبر الاستراتيجي الأكبر والأبرز مع ليبيا ونقطة تركز نسق تبادل وعبور يومي بين البلدين للسلع والمسافرين وهو ما دفع القاهرة إلى إيلائها أهمية خاصة في التنمية والمشاريع وتوفير المرافق الإدارية والخدماتية التي تتلاءم مع احتياجات منطقة عبور ذات ثقل اقتصادي كبير. منذ بدء التوتر في ليبيا حرصت الحكومة المصرية، على توسيع الخدمات المقدمة لسكان المنطقة الحدودية، سواء الصحية أو التعليمية. ووفرت مختلف المتطلبات المعيشية لهم، ما أسبغ أجواء من الاستقرار الاجتماعي جعلت من التعامل مع الجيش أمرا طبيعيا ومساندته واجبة. مقابل ذلك، تعتبر فكرة الإرهاب مترسخة في سيناء منذ الخمسينات، واليوم، ثم أصبح الإرهاب واقعا قائما، كنتيجة طبيعية للتوتر السياسي والمناخ الديني المحافظ الذي يشكل تربة خصبة لنمو التطرف، فضلا عن الأوضاع المعيشية والاجتماعية الصعبة. ونتيجة اعتبارات وخلفيات تاريخية وجغرافية، تحول مفهوم المواطنة إلى شرخ في هوية المنطقة وسكانها، والذي عمقه البعد عن الإدارة المركزية وطبيعة السكان الذي يغلب عليهم الطابع القبلي والبدوي، جاعلة من سيناء خارجة منطقة خارجة عن سلطة الدولة وحولتها إلى مرتع خصب لكل الأنشطة الخارجة عن القانون. ويدعم زاهر هذا التحليل بالقول “في سيناء، سلطة القبيلة تغلب على مفهوم الوطن، وشعور السكان بالدولة ضعيف، لأسباب عديدة، نتيجة غياب سلطة مركزية ومحدودية الخدمات، وهو ما يجعل فكرة القبلية تسيطر عليهم وتكون هي الحاكمة”. وتفسر هذه الظروف تورط البعض من السكان في سيناء في التعاون المعلوماتي مع المسلحين والمتطرفين، والذين يدفعون مقابل ذلك المئات من الدولارات بشكل يومي، فالشخص الذي هدم الأمن منزله في رفح المصرية وأغلق النفق الموجود بداخله، والذي كان يدر عليه أرباحا كبيرة بشكل يومي، لن يتعاون مع الحكومة ضد المسلحين، بل قد يحدث العكس إذا ما قدّم إليه من يحارب الحكومة نفس الميزة يوميا، كأن يدفع له راتبا شهريا مقابل الإمداد بالمعلومات. ويعتبر خبراء أمنيون، أن أكثر العوائق التي تواجه عناصر الجيش والشرطة في تحقيق تقدم ملموس في القضاء على الإرهاب بسيناء، هي تراجع الإمداد المعلوماتي من السكان أنفسهم عن تحركات وأماكن تواجد المسلحين، لخوفهم من التعرض للإيذاء على يد هذه العناصر التي أعدمت العشرات لتعاونهم مع الأمن. ويقول هؤلاء إن قبضة القبيلة تراجعت في الآونة الأخيرة في فرض سيطرتها على أبنائها في سيناء، ما يجعل من إمكانية خروج البعض من العناصر عن طوع القبيلة المساندة لقوات الأمن أمرا سهلا، بعكس استمرار نفوذ شيوخ قبائل الحدود الغربية على الأشخاص بالمنطقة الغربية وقيامهم بتسليم من يخرج عن المألوف فكريا وعقائديا لأجهزة الأمن للتعامل معه، بمعنى أنهم مسؤولون عن أبناء قبائلهم أمام الحكومة. ويكمن حل هذه المشكلة، في نظر زاهر، في أن تعمل الحكومة على ترسيخ أسس علاقات جديدة مع سكان سيناء تقوم على الثقة وتدعيم روابط الانتماء للوطن بنفس الاستراتيجية التي تتعامل بها مع أهالي المنطقة الغربية، من توفير للخدمات المتكاملة وتعويضهم عن الخسائر وتقديم حوافز ومساعدات مختلفة لسد المنافذ التي تدفع بعضهم إلى الانخراط مع الجماعات التكفيرية للانتقام من أجهزة الأمن التي حرمتهم من مكاسب مادية كثيرة غير شرعية، وأهمها هدم الأنفاق. ويقول مراقبون إن اللجوء إلى الحل الأمني لن يكفي وحده للقضاء على الإرهاب في سيناء، بل يجب أن تكون هناك مسارات أخرى متوازية، مثل تخفيف إجراءات الحصار الحالي عن المنطقة، والتوقف عن قطع الكهرباء والاتصالات ومنع سيارات الدفع الرباعي من دخول بعض الأماكن وحظر استخدام الدراجات البخارية، مع سرعة تعويض السكان المتضررين، سواء الذين هدمت منازلهم أو مزارعهم، حتى لا يكونوا صيدا سهلا للمتشددين. وأشاروا إلى أن خسارة دور القبيلة وعدم التنسيق معها في رسم الخطط الأمنية واستمرار وجود اعتقالات عشوائية لبعض السكان لمجرد الاشتباه قد يمهد لأن تجد قوات الأمن نفسها في مواجهة ثنائية مع متطرفين مدججين بالأسلحة وسكان محملين بالعداء، ما يجعل من القضاء على الإرهاب بسيناء مهمة شبه مستحيلة.

مشاركة :