صحيفة وصف : دشنت العلاقات السعودية- العراقية تقارباً أكبر خلال الأسابيع الماضية، بعدما شهدت تلك العلاقات تغييراً دراماتيكياً، جاء بعد فترة طويلة من التوتر والحرب الكلامية بين البلدين، ويشير الحِراك الجديد إلى قدرة الرياض وبغداد على تجاوز الكثير من العقبات والإشكاليات التي عكّرت صفو العلاقة بينهما، وتأتي إيران في مقدمة الأسباب التي سعت لإفساد العلاقة بين البلدين العربيين الشقيقين؛ غير أن قيادة البلدين أثبتت طوال تصاعد الأزمة أنها في النهاية ستبقى سحابة صيف، وأن الحوار سيُظهر عمق الترابط الأخوي.تأرجُح العلاقة بين السعودية والعراق في السنوات الماضية، وزيادة حدة التوتر بينهما؛ جاء بعدما قدمت بغداد طلباً إلى الرياض في أغسطس الماضي تُطالب فيه باستبدال السفير السعودي ثامر السبهان الذي اتهمته بغداد بالتدخل في الشؤون العراقية الداخلية، وهو ما نفته المملكة وقادتها؛ مؤكدين أن سياسة المملكة مع الدول الصديقة والشقيقة، لا تتغير، ومن ثوابت هذه السياسة عدمُ التدخل في الشؤون الداخلية للدول كافة.غير أن اللقاء الأخير الذي جمع بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، برئيس وزراء العراق حيدر العبادي على هامش القمة العربية الأخيرة التي أقيمت في الأردن؛ سرعان ما أعاد التأكيد على حرص البلدين على التقارب والاتفاق على تجديد شرايين الأصالة العربية نحو علاقات أكثر استقراراً؛ حيث جرى خلال اللقاء بحثُ العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، وسبل تعزيزها، إضافة إلى مناقشة عدد من الموضوعات المدرجة على جدول أعمال القمة.السبب الرئيسيوتتفق آراء المحللين على أن إيران كانت السبب الرئيسي في توتر العلاقات بين الرياض وبغداد، بعدما سعَت طهران للسيطرة على مجمل مسار الأوضاع السياسية في العراق، منذ أن تَوَلّت الحكومات العراقية المتعاقبة السلطة في بغداد؛ حيث ارتبطت بعض هذه الحكومات -مثل حكومة المالكي- بولاءات طائفية وسياسية مع نظام ولاية الفقيه في طهران؛ وبمقتضى ذلك الارتباط أصبحت العراق “ساحة نفوذ” لإيران ومنطلقاً مشروعها الإقليمي الذي يقوم على ضمان التواصل بين مناطق وأقاليم الهلال الشيعي الممتد من العراق إلى سوريا وصولاً للبنان؛ حيث “حزب الله”، وهو النفوذ الذي استخدمته طهران في تهديد أمن دول الخليج العربية بصورة بلغت أوْجها بعد دخول الاتفاق النووي الإيراني مع دول 5 +1 حيز التنفيذ في يونيو 2015.أبعاد زيارة الجبيروتُعَد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية عادل الجبير لبغداد في فبراير الماضي، وأعقبها زيارة وفد عراقي رفيع المستوى للرياض في منتصف مارس الماضي، حداً فاصلاً بين فترتين؛ الفترة الأولى شَهِدت توتراً في علاقة الدولتين، والثانية فترة الإصلاح وإعادة المياه إلى مجاريها. واستهدفت الحِراكُ الدبلوماسي المتبادل رأبَ الصدع الذي شهدته علاقات البلدين طوال السنوات الماضية، وتنوعت القراءات لأسباب وأهدافه زيارة الجبير، باعتبارها الأولى لمسؤول سعودي بهذا المستوى للعراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003م.واسترعى الانتباه حصول الزيارة في ظل تراجع العلاقات بين الجانبين التي سجّلت إحدى آخر محطات التوتر خلال تغريدات للسفير السعودي ثامر السبهان، الذي عُين في منصبه الحالي بعد انقطاع دبلوماسي بين الجانبين استمر سنوات. وانتقد “السبهان” الحشد الشعبي؛ وهو الأمر الذي عرّضه لتهديدات دفعت الحكومة السعودية إلى سحبه. وكان الجبير قد وصف ميليشيات الحشد الشعبي في العراق بأنها مؤسسة طائفية ترتكب مجازر فى العراق بدعم إيران.لقد أعربت المملكة أكثر من مرة، عن قلقها العميق من التدخل الإيراني المستمر في شؤون دول عربية مثل العراق؛ خصوصاً أن الدعم الإيراني للاعبين غير الحكوميين في لبنان والعراق وسوريا واليمن يُعتبر نقطة خلافية بين الرياض وطهران، ولم يستبعد أن يكون الجبير قد تَطَرّق إلى هذا الموضوع في محادثاته مع المسؤولين العراقيين، وإن يكن لم يشر إلى هذا الموضوع في المؤتمر الصحافي؛ ولكنه أكد أن السعودية حريصة على تحسين علاقاتها مع العراق، وتسعى إلى تعزيز وتوسيع التعاون في عدد من المجالات؛ معتبراً أن تعيين سفير سعودي جديد هو خطوة كبيرة في هذا الشأن.الحرب على داعشومع تقدم معركة تحرير الموصل، يواجه العراق سلسلة من التحديات قد يكون بعضها أصعب من المرحلة العسكرية في معركة مناهضة “داعش”، وتشمل هذه التحديات إعادة إعمار المدن والبلدات التي دُمّرت في المعركة ضد “داعش”، وتأهيل البنى التحتية لإعادة الخدمات الأساسية؛ تمهيداً لعودة النازحين واللاجئين إلى منازلهم، والذين يُعَدون بمئات الآلاف، وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي يعانيها العراق والتوقعات باستمرار الأسعار المنخفضة للنفط، يمكّن دول الخليج -وفي مقدمتها السعودية- من المساهمة في هذه الجهود، وفي هذا الإطار تبدو زيارة الجبير بمثابة رسالة للقيادة العراقية بالاستعداد للوقوف إلى جانبها وبدعم عربي واضح لبغداد في مواجهة التحديات الكبيرة.إلى ذلك تتزامن الزيارة مع تطورات عراقية داخلية وإقليمية، قد تساعد في رسم الإطار العام للمبادرة السعودية؛ فقد أتى الجبير إلى بغداد مع بدء المرحلة الأخيرة من الحرب على “داعش”، وفي ظل تحقيق تقدم كبير في تحرير مدينة الموصل. وقد تجازوت المعركة التي يشنها الجيش العراقي على التنظيم المتشدد للمرة الأولى حدودَ العراق لتشمل قصف قواعد “داعش” في مدينة البوكمال السورية؛ مما أوحى بدور عراقي في المعركة التالية المتوقعة لتحرير الرقة.حول ذلك نقلت صُحف عراقية عن نائب عراقي سني قوله: إن هذه الزيارة تدل على أن “هناك اهتماماً سعودياً كبيراً في مرحلة بعد تنظيم داعش، لإبعاد العراق عن النفوذ الإيراني، ودعم لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي في حربه ضد الإرهاب، ثم إنها بمثابة ضوء أخضر للدعم العربي”.هذا فيما ينتظر أن تتطور العلاقات بين المملكة والعراق في قادم الأسابيع والشهور المقبلة، في إطار سعودي لتعزيز الوحدة العربية، وبناء تحالفات قوية بين دول المنطقة، لمواجهة التحديات التي تحيطها من كل جانب، وتريد تمزيق الدول العربية، وإشعال الفتة بها، وإشغالها بمشكلاتها الداخلية، وتؤمن السعودية بأن العراق دولة مهمة في كل من العالميْن العربي والإسلامي، وأن العراق دولة مهمة في منظومة الدول العربية، ويمكن أن يُعَوَّل عليها في القيام بمهام الحفاظ على الأمة العربية والإسلامية، من خطط الأعداء المتربصين بالأمة. (1)
مشاركة :