النسخة: الورقية - دولي فليكن لبنان سيفاً لمنطقة يريدها «حزب الله» جنّة في الشرق الأوسط. وما دام الحلم بهذا الحجم، هل يستقيم الانشغال بانتخاب رئيس للجمهورية، التي باتت جزءاً من الحدود الدفاعية عن إيران؟ فلنصغِ جيداً إلى «حزب الله»، لعل ساعات الحقيقة باتت قريبة، أو لعلنا نخفف أعباء الغموض. فنحن في «غابة يسودها وحوش مفترسون»، وما المشكلة في أن نكون من جنس الملائكة؟ هكذا يبدو الحزب رائداً في إعادة الثقة إلى نفوس اللبنانيين وعقولهم، متعففاً عن قصر نظر الذين يغرقون في مستنقع البحث عن رئيس يخلف الرئيس ميشال سليمان. ولأن فلسطين في القلب دائماً ووجدان الجميع، فلنبرهن على وطنيتنا و «نحارب في سورية ضد المتآمرين كي نحرر فلسطين». فليصغِ الرئيس محمود عباس الى نصيحة «حزب الله» لعله يوفّر على نفسه وعلى شعبه آلاماً كثيرة. ورغم كل شيء، هل يحق لبعض اللبنانيين التذمّر من حيرة أوقعهم فيها الحزب، فهو أولاً أراد القتال في سورية دفاعاً عن حدود لبنان وسيادته، وهو ثانياً غذّى القتال حين أصبح تحرير فلسطين يمر في الغوطة والقلمون والقصير. على هذا النهج، لماذا لا يحق لفريق 8 آذار ان يطالب برئيس للجمهورية «الدفاعية» تتوافر لديه كفاءة الشراسة في الدفاع عن قتل المعارضين في سورية، وتخيُّل أسراب من الطيور تلاحق المدنيين في حمص وحلب، لتبديد كل الأقاويل عما يُحكى عن البراميل المتفجّرة؟ أليس معيباً أن نترك نحن اللبنانيين معركة الرئاسة تُطبخ على نار إقليمية أو دولية، أليس الرئيس الذي «يُصنع في لبنان» مؤتمناً أكثر على لبنان وسيادته وحدوده؟ المشكلة الوحيدة التي باغتت 8 آذار أن ليست لديها دالّة على كل رموز السلطة في إيران، فالجمهورية الإسلامية هناك ليست خط الدفاع عن الحدود اللبنانية، بل العكس، كما يبشّرنا مستشار القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية اللواء يحيى رحيم صفوي. والحال أن الأخير اجتهد قليلاً ليطوّر مقولة «سورية محافظة إيرانية» أو لبنان على الطريق، وهو كذلك منذ استخدمته طهران ساحة لتصفية حسابات وخلط أوراق في ملفها النووي، في حرب تموز عام 2006. ولماذا لا يحق لبعضنا أن يتباهى بأن حدودنا باتت الحدود الدفاعية عما يعتبره الإيرانيون «القوة العظمى» في الخليج والشرق الأوسط؟ تحرير فلسطين يمر الآن في الغوطة والقلمون وحلب وحمص، من أين إذاً يبدأ تحرير اللبنانيين من أوهامهم؟ ولكن لمَ التشاؤم؟... فـ «بفضل بشار الأسد وجيش سورية والمقاومة الإسلامية» سنشهد كما قال رئيس المجلس السياسي لـ «حزب الله» السيد ابراهيم أمين السيد: «منطقة في الشرق الأوسط إيران أمها وأبوها، وسورية قلبها، ولبنان سيفها». ولنعرف حدودنا، والمستقبل الذي ينتظر لبنان وحدوده الدفاعية عن جمهورية يسمّيها بعض المتشنجين في فريق 14 آذار «فارسية»، فلنتأمل في الغد الواعد لقلب تلك المنطقة في الشرق الأوسط، ذاك القلب الذي دفع دماء 150 ألف سوري ليواجه «المتآمرين» ممن يحسدون التعددية في جمهورية بشار، حيث البراميل المتفجّرة حمام زاجل على رؤوس المسلمين والمسيحيين، وما عدا ذلك إشاعات تروّجها كتائب «التكفيريين». لا تمييز بين سنّي وعلوي وشيعي ومسيحي في سورية، في المحرقة الكل سواسية، وشارة البناء والنهضة تبدأ بخراب عامر يستحضر المغول، لاستئصال «المتآمرين». وبالقياس، إذا انتاب بعض اللبنانيين شيء من الحسد من جمهورية السيد الرئيس، فما عليهم إلا التبصّر بنعيم الغوطة ودرعا والقلمون وحلب. مؤلم بعد ثلاث سنوات من «انتفاضة البعث» على الثورة أن يصبح الخبر السعيد إجلاء مقاتلين معارضين من حمص القديمة، كأن النظام يجلي الثورة الى الماضي. ومؤلم مضحك أن تتباهى المعارضة باعتقال مرشح محتمل، كان «سينافس» الرئيس الأسد. هناك، في «قلب العروبة»، لا أحد سيتجرّأ على تطيير النصاب في مجلس النواب. لذلك، ألا يحق لنا أن نتباهى بممارسات 8 آذار مع النصاب في البرلمان اللبناني، ولأن كل السنوات التي تلت حرب 2006 بما فيها 7 أيار (مايو) كانت سمناً وعسلاً وبحبوحة وسياحة، يأنف هذا الفريق التفريط بهذه النِّعم باختيار رئيس للجمهورية «الدفاعية»، بلا لون ولا طعم. نعم، نريد رئيساً مقاوماً، يأخذنا كل سنة أو اثنتين الى حرب، تارة دفاعاً عن حدود لبنان من قلب الغوطة وحمص، وتارة تحضيراً لتحرير فلسطين... ومَنْ يدري، أليست للولي الفقيه في طهران دالّة على الحدود الدفاعية التي باتت لإيران في جنوب لبنان، على الحدود مع إسرائيل. هنيئاً لنواب الأمة في لبنان أن يغرقوا في اللعبة الديموقراطية، مهما طالت جلسات البرلمان لاختيار رئيس جديد للجمهورية المنكوبة بأوهام الفرسان. ولكن هل صحيح أن الفراغ مجرد تهويل، أم هو مجرد ملعب لدمى منطقة، إيران «أمها وأبوها»؟ هنيئاً للذين ما زالوا يعتقدون بأن الطموحات الإيرانية المعلنة بلا وجل، مجرد كلام للاستهلاك... هنيئاً لهم في سباتهم، وبإيران وأمها وأبيها. خليفة الرئيس ميشال سليمان، كيف يُصنع في لبنان إذا كانت الحدود تُصَنَّع في الخارج؟
مشاركة :