«كوجولز» ليست كلمة إنكليزية وقلة من الإنكليز يفقهون ربما معناها، لكنها على رغم ذلك كانت العنوان الذي تصدّر مانشيتات الصحف البريطانية على إختلاف ميولها السياسية قبل أيام. فقد جاءت هذه الكلمة على لسان ميريام غونزاليس كليغ، المحامية الشهيرة وزوجة نائب رئيس الحكومة نيك كليغ الذي يقود حزب الديموقراطيين الأحرار الشريك الأصغر في الحكومة الإئتلافية بزعامة حزب المحافظين. وقفت ميريام خلال مؤتمر صحافي لزوجها طالبة طرح سؤال عليه، فكان لها ما طلبت. سألته: «هل تعتبر أن الرجال الذين يعتنون بالأولاد في البيت (نيابة عن زوجاتهم اللواتي يعملن) هم أقل ذكورية من غيرهم من الرجال؟». و»أقل ذكورية» هنا ترجمة مخففة لكنها تفي بالمعنى الذي قــصدته ميريام بإستخدامها كلمة «كوجولز» المقتبسة من قاموس لغتها الأم، الإسبانية. كان جواب نيك كليغ سريعاً: «بالطبع أتفق معك يا ميريام. أفترض أنني لست مضطراً أن أترّجم لكم «كوجولز»، لكن لا ينتقص من ذكورية الرجل أن يكون هو من يعتني بالأولاد»، مشدداً على أن عالم اليوم هو «عالم المساواة» بين الرجل والمرأة. لكن سؤال ميريام وجواب نيك كشفا أن قضــية بقاء الرجل في البيت للإهتمام بالأولاد بينما تذهب زوجته للعمل لا تزال غيـــر مقبولة تماماً لدى شريحة من الرجال الذيـــن يعتقدون، كما يبدو، أن مكان المرأة «الطبيعي» هو في البيت للإهتمام بالأولاد، بينما مكان الرجل العمل خارج البيت. وكان هذا الموضوع محور نقاش في ندوة نظمتها أخيراً جمعية «سيتي فاذرز»، التي تضم آباء عاملين في حي المال والأعمال في لندن. نيك كليغ، الذي كان ضيف الشرف في تدشين هذه الجمعية، شرح أمام الحضور التغييرات التي إستحدثتها الحكومة البريطانية لتسهيل الأمور القانونية التي تتيح للرجل الإهتمام أكثر بعائلته بدل ترك هذا الأمر على كاهل الأم فقط. وبعدما إستغرب كليغ في كلمته «النظرة القديمة» لأرباب العمل الذي يرمقون «بنظرات تعجب» موظفيهم الذين يطلبون إجازة من العمل للإهتمام بالأولاد، أشاد بالمواد الجديدة في قوانين العمل المتعلقة بالإجازة التي يحق للرجل أخذها بعد ولادة طفل جديد له، قائلاً إن هذه القوانين ستحطّم النظرة التقليدية السائدة في مكان العمل، والتي تعود إلى عصر عفّ عليه الزمن (تحدّث عن «حقبة الملك إدوارد» حيث كان موقع الرجل مكان عمله وموقع المرأة بيتها). وأضاف نائب رئيس الوزراء أن الآباء لم يعد عليهم أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم مصدر الدخل الأساسي للمنزل، بل عليهم أن يعتبروا دورهم بمثابة «المعتني» بعائلاتهم (وليس مجرّد معيلها). ولا شك أن كليغ كان يتحدّث في هذا المجال عن تجربة شخصية. فهو وزوجته الإسبانية لديهما ثلاثة صبيان – أنطونيو وألبيرتو وميغيل – وكان الإهتمام بنشأتهم موضوعاً شائكاً نتيجة عمل الأب والأم معاً. ففي حين كان من الطبيعي أن يأخذ كليغ قسطاً أكبر من الإهتمام بالأولاد نتيجة أن زوجته كانت مصدراً أساسياً لدخل الأسرة براتب يتردد أنه يصل إلى نصف مليون جنيه من شركة المحاماة التي تعمل لديها، فإن دوره تراجع بلا شك بعدما صار زعيماً لحزب الديموقراطيين الأحرار وتولّى لاحقاً منصب نائب رئيس الحكومة. وإذا كان في مقدور كليغ وميريام مادياً إيجاد من يساعدهما بالإهتمام بالأولاد، فإن هذا الأمر ليس متاحاً بالتأكيد لشريحة كبيرة من الآباء والأمهات الذين ليس في مستطاعهم استئجار من يعتني بأطفالهم بينما يذهبون هم إلى العمل. وتبدو هذه الإشكالية أكبر في بريطانيا وبلدان الغرب عموماً مقارنة مع بلدان الشرق الأوسط، حيث يمكن للأب والأم اللذين يعملان أن يتركا الأولاد في أحيان كثيرة مع أفراد من الأسرة حتى إنتهاء دوام عملهما، بينما هذا الأمر غير متاح عموماً في دول الغرب نتيجة التفكك الأسري وعدم عيش أفراد الأسرة الواحدة في أماكن قريبة من بعضهم بعضاً. وحتى الآن تتيح قوانين العمل في الدول الغربية وقتاً أطول للأم في إجازة عن العمل للإهتمام بالأطفال، بينما الأب لا يستطيع أخذ وقت مماثل وإلا فقد عمله. وجزء من عمل جميعة «سيتي فاذرز» التي إستضافت نيك كليغ وزوجته أن تقنع السلطات بمنح الآباء العاملين مزيداً من الحقوق للإهتمام بأطفالهم. وأظهر إستطلاع أجرته الجميعة أخيراً أن ربع أعضائها – قرابة 3 آلاف شخص – أخذوا بضعة أيام فقط أو حتى لم يأخذوا أي يـــوم في «إجازة الأبوة» من عملهم بسبب خشيتهم من أن يؤثر ذلك سلباً على فرصهم في العمل. ولا يحق للأب حالياً بموجب قوانين العمل أخذ إجازة أبوة مدفوعة الأجر من وظيفته لأكثر من أسبوع (وفي بعض الأحيان إسبوعان)، لكن يحق له أخذ إجازة أطول على حسابه، شرط ألا يتقاضى أكثر من 138 جنيهاً إسترلينياً كل اسبوع خلال فترة الإجازة. وهو رقم متدنٍ لا يكفي لشراء حفاضات وحليب مجفف لطفله الجديد. مجتمع
مشاركة :