شارع بليكر في مانهاتن يمر الآن بوقت عصيب. ارتفعت إيجارات التجزئة في الشارع الرئيسي لقرية جرينتش على مدى خمسة أعوام، مدعومة من سوق الاستثمار المثيرة والسياحة المزدهرة بعد انتعاش نيويورك من أزمة ليمان. لكن في الأشهر الأخيرة متاجر التجزئة الراقية التي تواجه خسائر أكبر لمصلحة التسوق على الإنترنت وبسبب الإيجارات التي باتت أكثر تكلفة، أغلقت متاجرها."مارك جيكوبس" و"جيمي تشو" و"رالف لورين" ساعدت في تحويل شارع بليكر من مركز بوهيمي إلى جنة تسوق راقية. خروج هذه المتاجر، جنبا إلى جنب مع علامات تجارية فاخرة أخرى، تركت متجرين أو ثلاثة فارغة في كل مجمع مباني.تقول فيث كونسولو، رئيسة قسم تأجير ومبيعات التجزئة في مجموعة دوجلاس إيلمان للعقارات: "العلامات التجارية الرائدة التي صنعت هذا الشارع تنسحب الآن. هذا أمر يثير الحزن فعلا. أنا لم أشهد دورة كهذه من قبل". هناك اتجاهات مماثلة تظهر على طول ممرات التسوق المكلفة في الولايات المتحدة، بما في ذلك روبرتسون بوليفارد في لوس أنجلوس ومنطقة التصميم في ميامي، لأن متاجر التجزئة تنسحب من العقارات "المتفاخرة".لقد تم ردعها جزئيا نتيجة لنمو الإيجارات السريع - ما يصل إلى 50 في المائة على مدى خمسة أعوام، بحسب شركة كوشمان آند ويكفيلد للاستشارات العقارية.لكن باستثناء الأنماط الدورية للعقارات هناك تحول هيكلي، كما يقول محللون، في الوقت الذي تجذب فيه مبيعات الإنترنت تركيز متاجر التجزئة بعيدا عن مواقع المتاجر المكلفة. وفي حين أن الوجود في شارع جذاب كان فيما مضى جزءا ضروريا من نفقات التسويق، إلا أن بعض متاجر التجزئة الفاخرة تتكيف مع نوع جديد من المتسوق الذي يفضل تصفح الإنترنت.يقول إيهور دوسانيفسكي، رئيس قسم الأبحاث في شركة إس ثري بارتنرز للتحليل المالي، إن "عامل أمازون" يلحق الضرر بهوامش ربح متاجر التجزئة "لذلك فهي تنفق أكثر على منصات تجارة التجزئة الخاصة بها على الإنترنت بدلا من أقسام المتاجر الفعلية".في الوقت نفسه، على الرغم من أن استبانات ثقة المستهلكين تبدو إيجابية، إلا أن نمو المبيعات بشكل عام انخفض. وتعمل علامات الضعف على دفع بعض أصحاب العقارات إلى إخلاء الممتلكات.في شارع فيفث أفينيو في نيويورك، وهو شارع التسوق الأغلى في العالم، ارتفعت معدلات الأماكن الشاغرة من 10 في المائة قبل عام إلى 16 في المائة، بحسب شركة كوشمان آند ويكفيلد. كذلك انخفضت الإيجارات للمرة الأولى منذ الركود وتحذر الشركة من أن "الاتجاه لم ينته بعد".وارتفعت معدلات الأماكن الشاغرة في منطقة سوهو إلى 18 في المائة، صعودا من 12 في المائة قبل عام، وفقا لـ "جونز لانج لاسال"، شركة إدارة الاستثمار المختصة في العقارات التجارية.وكان لحذر متاجر التجزئة الجديد تأثير سلبي "كبير جدا وسريع" على عقارات التجزئة، كما يقول كريس كونلون، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار العقاري، "أكاديا ريالتي".وليس فقط الشوارع المرموقة هي التي تضررت. مراكز التسوق تتضرر أيضا، في الوقت الذي تغلق فيه سلاسل مثل "سيرز" و"ميسيز" مئات المتاجر. يقول محللون في شركة جرين ستريت أدفايزرز إن "انخفاض النمو هو الوضع الطبيعي الجديد"، في وقت أصبحت فيه الإيجارات منفصلة عن نمو إيرادات المستأجرين مع تحرك المبيعات على الإنترنت.يقول سبنسر ليفي، الرئيس العالمي للأبحاث في مجموعة سي بي آر إي العقارية: "الإيجارات الآن في مرحلة سعرية تتجاوز ما يمكن أن تحققه مبيعات التجزئة". ويلاحظ أن الدولار الأمريكي القوي أيضا يضعف المبيعات في نيويورك، حيث الأجانب الذين لديهم موارد مالية كبيرة يتدفقون تاريخيا من أجل الصفقات.وعلق المستثمرون في المزاج الكئيب. واستنادا إلى مؤشر داو جونز، تراجعت الأسهم في صناديق الاستثمار العقاري للتجزئة في الولايات المتحدة نحو 25 في المائة منذ ذروة آب (أغسطس) الماضي، مقارنة بتراجع نسبته 11 في المائة في صناديق الاستثمار العقاري كافة. والقيم الرأسمالية في السوق الخاصة لم تظهر عليها بعد علامات على مسايرة هذا التحول، لكن المجموعات المدرجة غالبا ما تكون هي الرائدة.في الوقت نفسه، تنشئ صناديق التحوط مراكز كبيرة للبيع على المكشوف ضد القطاع. وزاد الاهتمام بالتعامل على المكشوف ضد الصناديق العالمية للاستثمار العقاري بالتجزئة أكثر من الضعف، ليصل إلى 12.5 مليار منذ تشرين الثاني (نوفمبر)، وذلك وفقا لبيانات شركة إس ثري، منها 1.5 مليار دولار من تعاملات البيع على المكشوف محتفظ بها ضد شركة سايمون للعقارات، أكبر صندوق للاستثمار العقاري للتجزئة في الولايات المتحدة.يقول دوسانيفسكي: "إذا نظرنا إلى الوراء عدة أعوام، هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها اهتماما بالتعامل على المكشوف يزيد على عشرة مليارات دولار في المجموع".القلق يؤثر أيضا على القطاع غير المدرج. "ثور إيكويتيز"، وهي مجموعة عقارات أسهم خاصة، تسعى لبيع ثلاثة عقارات في فيفث أفينيو كانت قد اشترتها بين عامي 2007 و2011 بعد الفشل في العثور على مستأجرين لجزء كبير من المساحة الذي يعرض تسديدات القروض للخطر. يقول جيد نيرو، مدير مكتب نيويورك لشركة أفيزون يونج للوساطة العقارية: "إذا كنت تريد مستأجرين كبار (...) ليس هناك الكثير من الذين يرغبون في ذلك الحجم من المساحة بعد الآن".رؤساء شركة ثور إيكوتيز "لم يحصلوا على الأرقام التي أرادوها" ويتطلعون لتأجير المساحات، كما يقول شخص مطلع على طريقة تفكيرهم.أحد العقارات، مبنى مكاتب ومتاجر تجزئة مكون من 19 طابقا في 590 فيفث أفينيو، اضطر إلى تخفيض سعره المطلوب من 170 مليون دولار في العام الماضي إلى 150 مليون دولار، كما يقول بيل شاناهان، الوسيط المالي في "سي بي آر إي" لبيع العقار. وفشلت خطط لتحويله إلى مساحة متاجر تجزئة رائدة في إغراء أي مستأجر.ويلاحظ محللون ووسطاء ماليون أن أصحاب العقارات كانوا بطيئين في التكيف مع استراتيجيات التأجير، على الرغم من ارتفاع العرض، ما أدى إلى مفاوضات "طويلة جدا" على الصفقات.يقول كونلون: "إذا اشتريت في سوهو أو فيفث أفينيو في عام 2015 وقمت بضمان ذلك العقار لالتقاط ذلك النوع من النمو، عندها فإن الأمر هو نوع من الكراسي الموسيقية: تتوقف الموسيقى ومن الأرجح أن تشعر بخيبة أمل اليوم".في الوقت الذي يستمر فيه التراجع في الإيجارات، بعض أصحاب العقارات والمستأجرين اتفقوا على الالتقاء في الوسط، كما يقول باتريك سميث، نائب رئيس مجلس الإدارة في شركة وساطة التجزئة التابعة لـ "جونز لانج لاسال"، الذي يتوقع "بحلول نهاية هذا العام سوف نرى المزيد من المعاملات".مع ذلك، معظم متاجر التجزئة تبقى على الهامش، كما يقول نيرو: "لا أحد يريد التقاط أوراق مالية متهاوية في قيمتها". وتوجد جيوب من الإقراض المفرط في السوق. تقول شركة جرين ستريت إن صناديق الاستثمار العقاري للتجزئة التي تملك مراكز تسوق من الدرجتين B وC الأقل طلبا: "تتحمل مقادير فوق الحد من الديون وهي غير مجهزة بشكل جيد لتراجع كبير في قيم الأصول". مع ذلك، الإقراض الأكثر حصافة منذ أزمة عام 2008 ينبغي أن يحد من احتمال التعرض لمحنة.في الوقت نفسه، التحول الهيكلي نحو التجارة الإلكترونية يبدو من المرجح أنه لا تزال أمامه مسافة لا بأس بها ليقطعها. تقدر "جرين ستريت" إن نحو 20 في المائة من مبيعات "المنتجات مثل مراكز التسوق" مثل الملابس تحول إلى الإنترنت - وتتوقع أن النسبة سترتفع إلى فوق 30 في المائة في الأعوام الخمسة المقبلة. هناك مواقع تجزئة راقية أخرى قد تضطر أيضا لمواجهة هذا التحول. الإيجارات في "كوزواي باي" في هونج كونج تضعف وفي الشانزليزيه في باريس كانت ثابتة خلال العام الماضي، بحسب شركة كوشمان آند ويكفيلد - على الرغم من أن الركود في السياحة كان أكبر من عامل المبيعات على الإنترنت.وفي نيويورك من الصعب قياس إلى متى سيستمر التصحيح لأنه لم تكن هناك صفقات كثيرة للقياس عليها، وفقا لكولون. ويضيف: "نحن في منتصف ذلك". بالنسبة للمساحات في سوهو التي كانت تؤجر مقابل ألف دولار للقدم المربعة في ذروة السوق، انخفضت الإيجارات بما يصل إلى 20 في المائة. يقول كونلون: "متاجر التجزئة تقول: لسنا متأكدين من المبلغ الذي ينبغي أن أدفعه، لذلك سننتظر". ويشير إلى أن "أكاديا" تستعد للشراء عندما تصبح الأسواق منخفضة."أفيزون يونج" تتفق. يقول نيرو: "نحن نشهد تحولا زلزاليا في تجارة التجزئة، وسنستمر في رؤية التكامل لأن المستأجرين الذين لا يستطيعون فهم الأمر يخرجون من الأعمال"."هذا ليس ما كان عليه الأمر في الأعوام الـ 100 الماضية. كنت تضع منتجا على الرف والجميع يأتي إليه".Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: آنا نيكولاو من نيويورك وجوديث إيفانز من لندنpublication date: الأحد, أبريل 16, 2017 - 03:00
مشاركة :