لا نجد الدعم الكافي لضمان استمرار الكلية ولكننا مؤمنون بالمشروع

  • 4/16/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

خلال فعاليات النسخة الرابعة من مناظرات الجامعات باللغة العربية التي احتضنتها الدوحة مؤخراً، قابلناها تقود فريقاً من طلاب ينتمون لبلدان غير ناطقة بلغة الضاد، لكنهم جاؤوا للتناظر بها وإبراز مهاراتهم التي تعلموها خارج المدارس والجامعات التقليدية في مجتمعاتهم، وأسهمت فيها مؤسسة يكافح القائمون عليها لنشر العربية في الغرب حتى يتعلم المسلمون هناك دينهم بشكل صحيح، السيدة أمل الرباعي، ألمانية الجنسية من أصل تونسي، هاجرت إلى ألمانيا منذ العام ١٩٩٤، وبرغم أنها كانت تدرس المواد التجارية لطلاب المرحلة الثانوية، فإنها منذ حلولها بألمانيا قررت أن تتوجه إلى تدريس اللغة العربية، لشعورها بحاجة المسلمين هناك إلى تعلم «العربية» للتعرف على العلوم الشرعية التي يحتاجون إليها، إلى أن أصبحت مدير قسم تعليم اللغة العربية بالكلية الأوروبية للعلوم الإنسانية بفرانكفورت.. تفاصيل أكثر عن الكلية وبدايتها والصعوبات التي تواجهها أطلعت الرباعي «العرب» عليها.كيف كانت بدايتك في تدريس اللغة العربية في ألمانيا حتى ترؤسك للقسم المختص بها في الكلية؟ - بعد إقامتي هناك بدأت بالتدريس كمتطوعة فيما يعرف بـ «مدارس آخر الأسبوع» بالمساجد والمراكز الإسلامية. وفي الوقت نفسه كنت أقوم بدراسة دبلوم اللغة الألمانية بمعهد «جوته»، إلى جانب دراسة الشريعة بالمراسلة، وحصلت على الماجستير فيها بعد أربع سنوات من جامعة فرنسية، بهدف تدريس الشريعة الإسلامية باللغة الألمانية. في ذلك الوقت كان هناك مشروع لفتح جامعة إسلامية في منطقة قريبة من فرانكفورت، تخرجت منها أيضاً بالحضور وكانت فرصة لتقوية دراستي، فكنت أدرس العربية إلى جانب التربية الإسلامية باللغة الألمانية، ثم جاءت فرصة لتدريس اللغة الألمانية لغير الناطقين بها، وعملت به قرابة أربع سنوات، وخلال دراستي للماجستير في أصول الفقه في باريس التي تبعد عن المدينة التي أقطن بها حوالي ثلاث ساعات بالقطار، فكان المدرس الذي يدرسني الأصول الفقهية من فرانكفورت، ووقتها طُرح موضوع العمل في الكلية كمشروع جديد، وعملت في قسم اللغة العربية كمدرسة وبعد ستة أشهر تم اختياري كرئيسة له، وقتها شعرت بالحاجة الملحة لإيجاد منهج سريع لتدريس اللغة العربية، فخلال دراستي وعملي مررت على غالبية الكتب واطلعت عليها واستفدت منها، إلا أنني كنت أشعر أنها بطيئة، وأن الطالب الذي نريده أن يتعلم العربية يجب أن يستطيع قراءتها بعد فترة من دون تشكيل أو حركات، وهذه كانت مشكلة الكتب الموجودة، فهم إما يدخلون في تعليمها مباشرة من دون حركات والطالب يتعلم القراءة والحركات من دون تعلم الكلام، أو أن الكتب تعلم الكلام والاستماع لكنها تقيده بالحركات، فلا يستطيع التعامل مع الصحف والكتب، فعادة لا يستخدم التشكيل إلا في المصحف وكتب الأطفال، فكان الطالب لا يستطيع أن يقرأ سواهم. فعندما تسلمت الكلية ألفت منهجاً مختلفاً آخر للتدريس كنت أريده دسماً، وراجعته عدة مرات، والآن هو في مرحلة الطباعة. توسيع رقعة الاستفادة هل هناك توجُّه لعرضه على جهات أخرى للاستفادة منه في التجارب المشابهة؟ - بالطبع أسعى في هذا لتوسيع رقعة الاستفادة منه وانتشاره، خاصة بعد أن كانت نتائجه مشجعة لدينا، وأثنى عليه كل من اطلع عليه، وخلال تواجدي في الدوحة للمشاركة في البطولة الدولية للمناظرات باللغة العربية قبل أيام كانت فرصة ليطلع عليه بعض الزملاء من أعضاء وفود الدول غير الناطقة بالعربية مثل كوريا الجنوبية وفيتنام، وفيينا، وأبدوا إعجابهم به، والأسبوع الماضي شاركت بمؤتمر اللغة العربية كلغة ثانية في جامعة مرمرة بتركيا وكانت به الكثير من الأوراق المقدمة عن كيفية تدريس اللغة العربية وتسهيلها على الدارسين، وكان منهجي من ضمنها ولاقى ردود أفعال طيبة، فالله سبحانه وتعالى قال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} فلا يعقل أن يكون القرآن سهلاً، بينما الوسيلة له صعبة، وإيماننا بالقضية جعلني أنتقل من مدينة لأخرى 4 مرات أسبوعياً وقطع مئات الكيلومترات لتدريسها. نقلة جوهرية إلى أي مدى يستفيد الطلاب لديكم من تعلم اللغة العربية؟ - تعلم العربية ينقل الطلاب نقلة جوهرية فيما يتعلق بتعلم الدين، فلدينا طلاب من معتنقي الإسلام أصبحوا قادرين على الدراسة باللغة العربية سواء للعلوم الشرعية أو أي تخصص آخر. ويدرس معنا الطلاب بعد تعلمهم للعربية العلوم الشرعية والفقهية في الكلية باللغة العربية، فلدينا أساتذة من خريجي الأزهر والجامعات المغربية كـ «فاس» وغيرها وكلها جامعات قوية، إلى جانب دراستهم للدراسات الإسلامية باللغة الألمانية في جامعة جوته، ويكون هذا بهدف الحصول على شهادة معترف بها عندما يتوجهون للعمل في هذا المجال، لكن تكون الدراسة هناك بطريقة مختلفة وعليها الكثير من الملاحظات بالطبع. وهناك من طلابنا من أصبحوا يُدَرسون في مدارس آخر الأسبوع والمعاهد، وهم غالباً من الأتراك والباكستانيين وغيرهم. صعوبات ومعوقات عادة ما تواجه مثل هذه المؤسسات صعوبات ومعوقات، فهل واجهتكم أي منها؟ - لدينا بالفعل بعض المشكلات مثل عدم وجود مقر للكلية، فلو كان لدينا مقر ثابت أو مبيت لكانت الكلية مكتظة بالدارسين، فللأسف لم نجد الدعم الكافي للكلية حتى الآن، هي معاناة كبيرة بالنسبة لنا ولكننا مؤمنون بالمشروع، ولا نريد أن نشتكي من الوضع، لكن المشكلة قائمة فعلاً، ودائماً أدعو الله أن يأتي اليوم الذي ينطلق فيه المشروع ولا نحاسب نحن المسلمون عنه، لأنه كثيراً ما يكون مهدداً بالإغلاق، حيث يرسل صاحب المبنى الذي نستأجره منه يهددنا إن لم ندفع في تاريخ محدد بإغلاق المقر. دعم حكومي ألم تسعوا في الحصول على دعم من أية جهة يمكنكم من التغلب على هذه المشكلات خاصة المقر؟ - بالفعل قمنا بذلك، لكن المشكلة أن الأمر أصبح الآن أكثر صعوبة، ولا يمكن أن يقدم لنا الدعم إلا دولة أو جهة معروفة لها اسمها، بينما الأشخاص والجهات غير المعروفة التي ترغب في مد يد العون لنا فلا يمكنهم دعمنا بأي شيء، فهناك تضييق كبير والناس تخاف من القوانين الجديدة، ولا يستطيع أن يدعمنا إلا جهة حكومية أو قوية، ومشكلتنا تتفاقم، وتتعدد وجوهها، فالمدرس يظل يعمل معنا لمدة تزيد عن 6 وأحياناً 8 شهور دون أن يحصل على مستحقاته، رغم أن لديه عائلة يكون مسؤولاً عنها، وأنا واحدة من هؤلاء مسؤولة عن الإنفاق على أسرتي. كما نعاني من تأخر طباعة الكتب الخاصة بنا لأننا لا نجد الدعم المطلوب، ولكننا مصرون على إكمال طريقنا ورسالتنا حتى ولو تداينا. فبعض الأشخاص ذكروا لنا أنهم توجهوا إلى البنوك لإرسال المال لنا لكنهم في البنك رفضوا تحويلها واشترطوا وجود علاقة قرابة مع متلقي الأموال، وبالتالي نحن نفتقر إلى كافة أشكال الدعم، ولولا إيماننا بالمشروع لتوقفنا مبكراً. وبالنسبة لي -وكذلك كثيرون غيري- أخذت المشروع من ناحية «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، فواجب الدعوة وتعلم العلم الشرعي يقتضي منا تعليم اللغة العربية، فلا يمكن أن نُخرج علماء في الغرب باللغة الألمانية، لا بد أن يتعلموا اللغة العربية وأن يكونوا من هذا المجتمع حتى يمكنهم أن ينقلوا المعلومات إلى المجتمع الألماني بلغته وثقافته التي يفهمها، وأن يعرفوا الواقع الأوروبي بعد أن يتعلموا من أمهات الكتب ومن المراجع، ولا يعتمدوا في تلقي العلم على الأخذ من ترجمة عن أخرى، فمعروف أن التراجم لا تعطي المعنى الكامل أو الدقيق، والعالِم لا بد أن يكون تفاعله مع الكتب ليناً وسهلاً. حملات إعلامية مستمرة أكدت السيدة أمل الرباعي، إنه بخلاف الصعوبات المادية تنامي الإسلاموفوبيا خاصة في ألمانيا دائماً ما تتعرض الكلية إلى الحملات الإعلامية، وقال :»يجب أن نكون مستيقظين دائماً، واضطررنا أحياناً إلى تغيير إدارة الكلية، كأن ننشئ جمعية كي تدير هي الكلية ويترأسها شخص قادر على مخاطبة الإعلام، لأن من لا يتقن الألمانية ولا يعرف لغة البلاد وثقافتها أيضاً لا يمكنه مجاراة الأوضاع هناك. وكل فترة نتعرض إلى حملة جديدة لكننا نتغلب عليها والحمد لله، والآن هم يعرفوننا ويدركون أنه ليس هناك داعٍ للخوف منا، لأننا منفتحون وأي أحد يمكنه أن يأتي إلى الكلية ويتعرف عليها ويدرس فيها أيضاً». وأضافت :»أن الغالبية لدينا من غير العرب، إلى جانب طلاب من العرب لكنهم لا يتكلمون العربية من المولودين في ألمانيا، أو الجيل الثالث، فهناك المغاربة الأمازيغ الذين لا يتكلمون العربية أصلاً، فهؤلاء عندما يعيشون في المغرب يتعلمونها من المدارس، أما هنا فلا يتعرضون للعربية نهائياً في المدارس والمجتمع ولا البيت بطبيعة الحال. وتضيع منهم اللغة العربية في الوسط، وكذلك الحال بالنسبة لأبناء المهاجرين العرب، فالغالبية يهتمون بتدريسها لأبنائهم في مدارس نهاية الأسبوع مرة واحدة، لكن بالطرق القديمة للتعليم يظلون مدداً طويلة حتى يتعلموها. فالشعور بأهمية اللغة العربية في الغرب بدأ يكبر لكن وسائل نجاح هذا ما زالت غير واضحة. ففي الجانب العلمي نحن حريصون على بذل أي جهد يمكننا القيام به، لكن على الجانب الآخر إذا لم تكن لديك مظلة لتغطية هذا المشروع وتسهر عليه -مثل تظاهرة المناظرات التي تواجدنا فيها بالدوحة، حيث تقف وراءها مؤسسة كبيرة ودولة- فالأمر سيكون صعباً للغاية. فعندما تكون الإمكانات ضعيفة فإن الإنتاج سيظهر ببطء. ونحن ما زلنا كالفسيلة التي توجد تحت الأرض وتصعد قليلاً قليلاً.;

مشاركة :