نيكي هالي ممثلة واشنطن في الأمم المتحدة التي يلقبونها بـ"ثاتشر أميركا" بقلم: توفيق الحلاق

  • 4/16/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

هالي تفاجئ الدبلوماسيين في مجلس الأمن بأدائها الهادئ والصارم وتثير إعجاب كثير من أعضاء المعارضة الديمقراطية في مجلس الشيوخ بتوجهها نحو سياسة الانفتاح على قضايا العالم.العرب توفيق الحلاق [نُشر في 2017/04/16، العدد: 10604، ص(7)]هالي تفجر الصراعات وتشغل المشاهدين ساعة الذروة واشنطن - “إنه كذاب”. هكذا كانت ردة فعل الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين على كولن باول وزير خارجية أميركا حينها عندما عرض على أعضاء مجلس الأمن الذين اجتمعوا لبحث الوضع في العراق تسجيلات صوتية لمكالمات بين ضباطٍ عراقيين وصور لسياراتٍ قال إنها محملة بأسلحة دمار شامل وذلك بتاريخ 5 فبراير 2003 ولقد كان كذّاباً بالفعل. بدا وعلى وجه باول القلق كما على وجوه معظم أعضاء المجلس الذين لم يكونوا مقتنعين تماماً بصدق تلك الوثائق والصور. وهو سيعترف لاحقاً لصحيفة لونوفيل أوبسرفاتور بتاريخ 31 أكتوبر عام 2010 بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ضلّلته، وبأن ذلك العرض سيظل نقطة سوداء في ملفه. نفس المشهد تكرر في مجلس الأمن بعد أربعة عشر عاماً. ها هي مندوبة أميركا في مجلس الأمن نيكي هالي تعرض صوراً لأطفال سوريين يختلجون ويموتون بتأثير من غاز السارين الذي ألقته طائرة السوخوي التابعة لنظام الأسد على أهالي مدينة خان شيخون شمالي سوريا. كانت هالي متحمسة مثل باول وواثقة مثله أيضاً بأنها تدافع عن القيم الإنسانية التي تؤمن بها أميركا وعن المصالح القومية العليا لها كما قال الاثنان. ومثلما كان باول أول وزير خارجية أميركي من أصول أفريقية كانت هالي أول مندوبة أميركية في الأمم المتحدة من أصول آسيوية هندية. لكن الفرق الرئيس بينهما كان في صدق هالي وكذب باول. هالي اعتمدت في عرضها على تقارير استخباراتية من عدة دول غربية إضافةً للاستخبارات الأميركية، وعلى جهاز الموساد الإسرائيلي أيضاً الذي كان سباقاً بإرسال معلوماته إلى الحكومة في واشنطن. كما أن الأقمار الصناعية الأميركية رصدت هي أيضاً الطائرة التي ألقت الكيميائي منذ إقلاعها من مطار الشعيرات غربي مدينة حمص حتى وصولها مدينة خان شيخون وإلقاء حمولتها في نفس الوقت الذي حدثت فيه المجزرة. وعزز صدقية رواية هالي ما أعلنته دمشق “نعم إن الطائرة قصفت موقعاً في خان شيخون ولكن بقنابل تقليدية فأصابت مخزناً للمواد السامة يحتفظ به الإرهابيون”. تلك الذريعة التي سخر منها الخبراء العسكريون حول العالم. إذ كيف للمواد السامة أن تنطلق من ذلك الخزان دون أن تحترق؟ ودون أن تكون هناك أيّ نيران نتجت عن القصف؟ نجحت هالي في إقناع ثمانية أعضاء في مجلس الأمن فيما تطوعت بوليفيا وأورغواي لمساندة الرواية السورية الروسية دونما سند منطقي أو وثائق. وفي الأيام التالية سوف تظل نيكي هالي مرابطةً على مقعدها في مجلس الأمن تتصدى لصلف المندوب الروسي وتكيل له الضربات الموجعة بعدما كان النظام السوري وحليفه الروسي قد تلقيا صفعة مدوية عندما قذفت بارجة حربية أميركية قابعة في عرض البحر المتوسط مطار الشعيرات الذي انطلقت منه طائرة السوخوي بتسعة وخمسين صاروخاً من طراز توماهوك فدمرته تقريباً. يوم 13 أبريل 2017 توجهت نيكي هالي نحو المندوب الروسي وقالت له بحزم “عليكم أن تكفوا عن مساندة مجرم الحرب الأسد، أنتم تعيشون عزلةً عالمية بسبب موقفكم هذا”. حدث ذلك بعدما رفع يده مستخدماً حق النقض (الفيتو) ضد عشر دول وافقت على مشروع القرار الأميركي الفرنسي البريطاني والقاضي بالسماح لفريق الأمم المتحدة بالتفتيش في المواقع التي تشك أنها تخزّن الغازات السامة. روسيا وحدها وقفت ضد المشروع وإلى جانبها بوليفيا.هالي وقبل أن تظهر براعتها الدبلوماسية أثارت إعجاب عدد كبير من أعضاء المعارضة الديمقراطية في مجلس الشيوخ بفضل توجهها نحو سياسة الانفتاح على قضايا العالم، مختلفة نسبيا عن ترامب الذي رفع شعار "أميركا أولا" كمبدأ لسياسته الخارجية مهاجرة في إدارة ترامب لم تكن نيكي هالي لتتوقع أن تلعب هذا الدور الصعب والمعقد في مجلس الأمن عشية استلامها منصب مندوبة أميركا في الأمم المتحدة. بل إنها فاجأت الدبلوماسيين المخضرمين في مجلس الأمن بأدائها الهادئ والمتقن والصارم. هالي لم تخض من قبل تجارب سابقة في السياسة الخارجية. مع ذلك وقبل أن تظهر براعتها الدبلوماسية فقد أثارت إعجاب عدد كبير من أعضاء المعارضة الديمقراطية في مجلس الشيوخ بفضل توجهها نحو سياسة الانفتاح على قضايا العالم مختلفة نسبياً عن ترامب الذي رفع شعار “أميركا أولا” كمبدأ لسياسته الخارجية. وهكذا حصلت هالي على تأييد معظم أعضاء مجلس الشيوخ لتصبح سفيرة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة بأغلبية وصلت إلى 96 صوتا. نيمراتا راندهاوا من مواليد 20 يناير 1972 في بامبرج بساوث كارولين لعائلة هندية من السيخ تنحدر من البنجاب، وكلمة “نيكي” تعني “الصغيرة”. كان والدها بروفيسورا في الزراعة بجامعة البنجاب، ووالدتها حاصلة على شهادة القانون من جامعة دلهي. وفي البداية هاجر والداها إلى كندا ومن ثم إلى أميركا في نهاية الستينات من القرن الماضي. وأسست والدتها متجرا للملابس في عام 1976 باسم “إكزوتيكا الدولية”. في سن الخامسة شاركت في مسابقة لملكة جمال الأطفال في بامبرج وهي مسابقة تقليدية يتم فيها اختيار ملكة بيضاء وأخرى ملوّنة، لكن اللجنة رفضت مشاركتها لأنها لم تعرف تصنيفها لأيّ فئة. وعندما بلغت عمر الثانية عشرة عملت مع أمّها في متجر الملابس وشبهتها مجلة الإيكونوميست بابنة صاحب متجر آخر، وهي مارغريت ثاتشر، وهذا أكسبها خبرة مبكرة في اليقظة وإدارة المال. ثم درست هالي في جامعة كليمسون حيث حصلت على درجة البكالوريوس في علوم المحاسبة. وقد مثلت مقاطعة ليكسينغتون في مجلس النواب في كارولينا الجنوبية وأصبحت أول امرأة تشغل منصب محافظ ولاية كارولينا الجنوبية في سن الـ43، كما أنها أصغر محافظ حالي في الولايات المتحدة. وهي المحافظ الأميركي الهندي الثاني في أميركا بعد بوبي جندال من لويزيانا. هالي التي تقترب من سن الخامسة والأربعين ابنة مهاجر هندي أصبحت أول امرأة تعيّن في إدارة ترامب. قال البيان الصادر عن مكتب الرئيس ترامب حول سبب تعيينها “إن حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية نيكي هالي أثبتت قدراتها من خلال التقريب بين الناس بغض النظر عن أصلهم أو حزبهم السياسي في مهمة لخير ولايتها وبلادنا. وهي أيضا مفاوضة معروفة ونحن عازمون على التفاوض على عدد كبير من الاتفاقيات. ستكون قائدة عظيمة لتمثيلنا على الساحة العالمية”. أما هالي فقد قالت حينها “ستواجه بلادنا تحديات هائلة، محليا ودوليا، ويشرفني أن الرئيس المنتخب طلب منّي الانضمام إلى فريقه لخدمة البلد الذي نحب بصفتي سفيرة لدى الأمم المتحدة”.نيمراتا راندهاوا تحتفظ لنفسها بلقب أول امرأة في عدد من المناصب، ليس فقط في الأمم المتحدة. فقد مثلت مقاطعة ليكسينغتون في مجلس النواب في كارولينا الجنوبية وأصبحت أول امرأة تشغل منصب محافظ ولاية كارولينا الجنوبية في سن الـ43 وللمفارقة فإن هالي كانت عبّرت سابقا عن تأييدها للمرشح ماركوروبيو في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. غير أنها صوتت لترامب خلال الانتخابات الرئاسية. وقالت “لن أدّعي أنني كنت دائما الداعمة الأولى للرئيس المنتخب، لكنني كنت سعيدة للغاية لرؤيته يفوز”. وقال فريق الرئيس المنتخب “إن هالي قامت، بصفتها حاكمة، بقيادة سبع بعثات تجارية في الخارج وتمكنت من جذب فرص عمل واستثمارات بفضل مفاوضاتها الناجحة مع شركات أجنبية”. حاكمة كارولينا الجنوبية كانت هالي قد اكتسبت شهرة عندما قامت بصفتها حاكمة لكارولينا الجنوبية بنزع علم الكونفدرالية في يوليو 2015 الذي يرمز بالنسبة إلى كثيرين لسياسة الفصل العنصري. وكان ذلك العلم يرفرف لسنوات أمام مبنى برلمان الولاية. في أول مؤتمر صحافي لها بعد تسلّمها قيادة الدبلوماسية الأميركية في الأمم المتحدة بدت سيدة قوية واثقة وهي تخبر العالم عن سياسة أميركا الجديدة حينما قالت “إننا ننطلق بقوة إلى العمل، وسترون تغيرا أفضل”. مضيفةً “يجب أن نُظهر للعالم قوتنا وأن نتحقق من وقوف حلفائنا إلى جانبنا، ومع هؤلاء سنتعامل بالمثل. أما من لا يفعلون ذلك فسنسجل الأسماء جيدا ونحدد مواقفنا بشكل مناسب”. أما عن سياسة أميركا تجاه إسرائيل فقد أعلنتها هالي حين قالت أمام منظمة أيباك الذي يضمّ أكبر لوبي مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة “إن زمن توبيخ إسرائيل ولّى، وإن هذا القرار الذي صدر عن مجلس الأمن في نهاية العام الماضي كان بمثابة ركلة في البطن شعرت بها الولايات المتحدة”. وكانت تقصد تلك المرة الأولى منذ 1979 التي امتنعت فيها واشنطن عن التصويت ولم تستخدم الفيتو لمنع صدور قرار يدين إسرائيل بسبب المستوطنات التي أقامتها في الضفة الغربية والقدس. وهي في هذا الموقف تتماهى تماماً مع رئيسها دونالد ترامب الذي كان حث إسرائيل بعد فوزه برئاسة أميركا على التماسك أمام الموقف الدولي تجاه المستوطنات حتى يتولى مهام منصبه رسميا، وكتب في صفحته على التويتر مخاطباً الإسرائيليين “ظلوا أقوياء فنحن لا يمكننا السماح بمعاملة إسرائيل بهذا الازدراء وعدم الاحترام”. وغرد أيضاً “البداية كانت مع الاتفاق النووي مع إيران ثم الآن في الأمم المتحدة (وقصد سياسة أوباما) .ظلوا أقوياء 20 يناير قادم (موعد تنصيبه بشكل رسمي)”. مع حلف ناتو قوي موقف هالي من حلف الناتو بدا للمراقبين مختلفا جداً عن موقف الرئيس ترامب الذي وصفه بالمنظمة البالية، حيث أكدت أن الولايات المتحدة ملتزمة بالمؤسسات التي تحافظ على أوروبا آمنة، وأنها لن تتردد في دعمها لحلف شمال الأطلسي وإلى تعميق التعاون معه في الوقت الذي يتم فيه الإبقاء على الباب مفتوحا أمام انضمام حلفاء جدد.هالي سيدة قوية واثقة ومستفزة، تضع الحدود مسبقا. فقد قالت في أول مؤتمر صحافي لها بعد تسلمها قيادة الدبلوماسية الأميركية في الأمم المتحدة "يجب أن نظهر للعالم قوتنا وأن نتحقق من وقوف حلفائنا إلى جانبنا، ومع هؤلاء سنتعامل بالمثل. أما من لا يفعلون ذلك فسنسجل الأسماء جيدا ونحدد مواقفنا بشكل مناسب" وصفت هالي العلاقات الأميركية مع الاتحاد الأوروبي بالعميقة والمستمرة. لكن ذلك الاختلاف بين هالي وترامب ذاب تماماً عندما قال ترامب خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ “إن الحلف بات بنظره حضنا للسلام والأمن الدوليين وهو لم يعد باليا”. ولكنه جدد التأكيد على وجوب أن تزيد الدول الأوروبية الأعضاء من نفقاتها العسكرية فيه. مسؤولية هالي في الأمم المتحدة كبيرة جداً فعلى عاتقها تقع مسؤولية التصدي لأعداء أميركا حول العالم. ومن أهم أولئك الأعداء نظام كوريا الشمالية الذي لا يمكن الركون إلى سلوكه العدواني الدائم تجاه بلادها خصوصاً وأنه يمتلك السلاح النووي ويهدد به أميركا وحلفائها بين فترة وأخرى، وبخاصة كوريا الجنوبية التي تعتمد كلياً على واشنطن في الدفاع عن وجودها. قالت هالي في مقابلة معها بثتها شبكة إي بي سي “إن الدولة الوحيدة التي تستطيع إيقاف كوريا الشمالية عند حدها هي بكين، والصين تعلم ذلك وعليها التحرك وسنواصل من جهتنا الضغط عليها كي تتحرك”. وكانت بكين أعلنت وقف صادراتها من الفحم إلى كوريا الشمالية تطبيقاً للعقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة لإقناع نظامها بالتخلي عن برامجه النووية والبالستية. إلا أن هالي اعتبرت هذه الخطوة غير كافية. وعلقت بالقول “نعلم بأن الفحم يدخل بطرق أخرى. نريد رؤية تحركات فاعلة من قبل الصين لإدانة كوريا الشمالية ولا نريد كلاماً فقط”. لكن ما شغل الإدارة الأميركية في أبريل 2017 وسيشغلها لاحقاً أكثر من أيّ أمر آخر هو الوضع المتفجر في سوريا والذي يمثل تحدياً قوياً لمكانتها وهيبتها في العالم وهي باتت الشغل الشاغل لسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة هالي التي سخرت من موقف موسكو حول مجزرة خان شيخون السورية، وأعلنت هالي أن الولايات المتحدة تعتبر روسيا “مشكلة” لأنها تقوم بأشياء دون أدنى دليل. تقول هالي إن “روسيا ادعت أن داعش، وليس الأسد، كان وراء الهجوم الكيميائي، ولقد اتصلنا بهم وأوضحوا أن الهجوم كان عن طريق حاوية كبيرة من الأسلحة الكيميائية التي تمتلكها داعش. مع أن روسيا لا تمتلك أيّ صورة أو أيّ دليل لتثبت ذلك”. هالي توجهت بكلمات قوية لإدارة بوتين “روسيا لم تفعل ما يفترض القيام به”. ووصفت الهجوم الكيميائي في خان شيخون بأنه حالة تفطر القلب. وأنه ليس من الممكن التوصل إلى حلّ في سوريا ونظام بشار الأسد الذي تدعمه روسيا وإيران في الحكم. الإعلام الأميركي أخذ يطلق على هالي لقب “المرأة الحديدية”، وقد ظهرت وهي تقذف الحمم الدبلوماسية من لحظة وصولها إلى منصبها. ويقول هذا الإعلام ذاته إن هالي رفضت أن تعطي موقفاً محدداً من المسلمين. فقبل فترة صرحت بأنها “تعارض فكرة تسجيل المسلمين الأميركيين” وذلك أثناء جلسة بالكونجرس. وكان ترامب قد أعلن عام 2015 بأنه سيطلب من المسلمين في الولايات المتحدة بشكل قطعي تسجيل أسمائهم في “قاعدة بيانات خاصة”. لكن عندما اختارها ترامب وجهت الصحافة الأميركية النقد الشديد لها وللرئيس بسبب ما وصفوه بانعدام الخبرة السياسية الخارجية لديها.

مشاركة :