لا تكترث الصغيرة أسيل ضراغمة بتعثر قدميها مرات عدة، وهي تسير وسط الجنود الإسرائيليين عند حاجز الحسبة في البلدة القديمة بمدينة الخليل، حاملة كاميرا صغيرة بيدها، فأقصى أمنية بالنسبة لها في تلك اللحظة هي توثيق كل الانتهاكات والاعتداءات التي يتعرض لها سكان البلدة، خصوصاً الأطفال من قبل الاحتلال والمستوطنين. انتهاكات واضحة مشاهد الانتهاكات تظهر واضحة في مدارس «قرطبة، واليعقوبية، والفيحاء، وزياد جابر» الواقعة جميعها على مقربة من البؤر الاستيطانية الأربع في المدينة القديمة، والتي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن منازل السكان، ومدارس أخرى في محيطها، حيث تتضاعف المرارة لدى التلاميذ المتوجسين على الدوام من هجمات المستوطنين، الذين يطلقون الكلاب المتوحشة والمدربة، أو يهاجمونهم بالحجارة والزجاجات، وأكثر من ذلك، المواد الكيماوية الحارقة والأجسام المتفجرة، ليغرقوا في الرعب والهلع، وتتحول حياتهم إلى جحيم. مشاركة الطلاب والطالبات في مبادرة «أسر الاحتلال بكاميرا» تمكّنهم من الدفاع عن حقوقهم، وتوثيق الانتهاكات التي يتعرضون لها بشكل يومي بأنفسهم، وإظهارها للعالم الخارجي. وبحذر شديد تتنقل أسيل ابنة الـ(11 عاماً) بين الحواجز والبوابات العسكرية، التي تفصل حواري وأحياء البلدة القديمة، فيما توثق عبر كاميرتها كل انتهاك تمارسه القوات، وكل اعتداء يتعرّض له السكان. وتلتحق الطفلة أسيل برفقة عدد من أطفال البلدة القديمة في الخليل في تجمّع المدافعين عن حقوق الإنسان في الخليل، حيث أجريت لهم دورة تدريبية على توثيق كل ما يتعرض له سكان البلدة القديمة، لفضح وكشف ممارسات الاحتلال، واعتداءات المستوطنين، والأفعال التي يمارسونها للتنغيص على حياة السكان، لدفعهم إلى الرحيل القسري. وتراوح أعمار فريق الأطفال لتوثيق انتهاكات الاحتلال في الخليل ما بين 7 و15 عاماً. وتقول صاحبة الشعر البني الطويل لـ«الإمارات اليوم» ببراءة مطلقة: «سأتعلم ما أقدر عليه من أسس وفنون التصوير والتوثيق، وسأبذل كل ما بوسعي من جهد لأسجل انتهاكات الاحتلال، وانشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي». وبينما انشغلت ضحى بتدوين بعض الملاحظات التي رصدتها خلال تنقلها، تدخلت زميلتها رفيف زيدان لتقول بلغة الكبار: «إذا كنا صغار السن، فإننا لن نسمح لهذا المحتل بأن ينتهك براءتنا، ويسلب حقوقنا، ويقيد حركتنا، ولسوف نكشف كل الاعتداءات التي ينفذها ضدنا هو والمستوطنون، ونوصلها إلى العالم، حتى نفضح حقيقتهم المزيفة». أسر الاحتلال يواجه طلاب المدارس في مدينة الخليل منذ سنوات انتهاكات صارخة لحقوقهم، بفعل الحرب الإسرائيلية المزدوجة من قبل الجيش والمستوطنين، خصوصاً من تقع مدارسهم على خطوط التماس، أو أولئك المقيمون في البلدة القديمة، أنفسهم، في دائرة المواجهة، وقبضة الخوف، والنيران الإسرائيلية. وبفعل ممارسات وقيود الاحتلال وانتشار القوات داخل المدن وعلى البوابات، واعتداءات المستوطنات، لا تتمكن وسائل الإعلام الفلسطينية من الوصول إلى قلب مدينة الخليل، وفضح ممارسات الاحتلال. لذلك أطلق «تجمّع المدافعين عن حقوق الإنسان في الخليل»، بداية مارس الماضي، مبادرة «أسر الاحتلال بالكاميرا» لتدريب طلبة المدارس الأربع في المناطق المغلقة، وسط مدينة الخليل، على توثيق انتهاكات الاحتلال باستخدام كاميرا الموبايل والكاميرات الصغيرة، تحت إشراف نخبة من النشطاء المعروفين بتوثيقهم العديد من انتهاكات الاحتلال. ويعلّق عماد أبوشمسية منسق «تجمّع المدافعين عن حقوق الإنسان، لـ«الإمارات اليوم»، قائلاً: «إن التدريب يهدف إلى جعل التوثيق منهجية واستراتيجية فلسطينية، تستخدم في فضح جرائم الاحتلال عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الدولي، إضافة إلى استغلال المادة المصوّرة قانونياً، وسوف يشمل التدريب على الحماية والتوثيق داخل المدرسة». ويضيف أن «مبادرة (أسر الاحتلال بكاميرا) جاءت للتوثيق في المناطق المعزولة، التي تكثر فيها جرائم وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، ويندر بها تواجد الصحافيين أثناء حدوث جريمة أو انتهاك»، لافتاً إلى أنه سيتم تخصيص كاميرا لكل مدرسة، كتبرع من التجمع ليستطيعوا التوثيق من خلالها، بجانب هواتف الطلاب الشخصية. وتأتي المبادرة، بحسب أبوشمسية، استكمالاً للحملة الوطنية لرفع الاغلاقات عن مدينة الخليل «فككوا الغيتو»، حيث تستهدف فضح الاحتلال عبر الكاميرا، وتوثيق الانتهاكات التي تجري على المدارس والطلبة والهيئات التدريسية في مدارس واقعة ضمن دوائر الاستهداف من جانب الجيش والمستوطنين في قلب مدينة الخليل. ويشير إلى أن التجمع يسعى إلى تعليم الطلبة الملتحقين بمبادرة توثيق الانتهاكات على فنون التصوير، وإطلاعهم على القوانين الفلسطينية والإسرائيلية التي تضمن حقوقهم. ويقول منسق تجمّع المدافعين عن حقوق الإنسان: «إن الهدف من التدريب هو أن تصبح الكاميرا سلاحاً دفاعياً، يستخدمها الطلاب للدفاع عن أنفسهم، أثناء مرورهم عبر الحواجز الإسرائيلية إلى المدرسة، ومن أجل حماية زملائهم أو الهيئة التدريسية في حالة تعرضهم للاعتداء من المستوطنين أو الاحتلال». ويشير أبوشمسية إلى أن الطلبة يتعرضون للانتهاكات اليومية والمتكررة، خصوصاً أثناء مرورهم على الحواجز العسكرية، إضافة إلى عمليات الاحتجاز والتأخير عن الدوام المدرسي، وكذلك عمليات التفتيش العاري التي تجري بحقهم، في بعض الأحيان، والاعتقال. انتهاك يومي مديرة مدرسة قرطبة الأساسية المختلطة، نورا نصار، التي تعلم تماماً معنى أن «تجاور» مستوطنين مسلحين بأنياب العنصرية. تقول لـ«الإمارات اليوم»: «يعاني طلاب ومعلمات المدرسة خلال مرورهم عبر الحاجز رقم (56) المعروف بـ(الكونتينر)، الذي يفصل بين منطقة (H1) الخاضعة للسيطرة الفلسطينية، ومنطقة (H2) الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، حيث يخضعون للاحتجاز عبر البوابة الإلكترونية، وتفتّش حقائبهم المدرسية، ما يتسبب في تعطيل وصولهم الى المدرسة مدة نصف ساعة على الأقل». وتضيف أن «كل حقوق التلاميذ في مدارس الخليل الواقعة في مناطق السيطرة الإسرائيلية، وعلى (خطوط النار) ضائعة، وكرامتهم مستباحة، الأمر الذي أنهك براءتهم، وسلب أدنى مقومات الحياة الكريمة بالنسبة لهم». وتشير نصار إلى أن مشاركة الطلاب والطالبات في مبادرة «أسر الاحتلال بكاميرا» يمكنهم من الدفاع عن حقوقهم، وتوثيق الانتهاكات التي يتعرضون لها بشكل يومي بأنفسهم، وإظهارها للعالم الخارجي. فوائد عدة دعاء النتشة (12 عاماً)، التي تدرس في الصف السادس الأساسي بمدرسة قرطبة الأساسية الواقعة في قلب مدينة الخليل، هي إحدى المشاركات في مبادرة «أسر الاحتلال بكاميرا»، تقول خلال حديثها لـ«الإمارات اليوم»: «نعاني كثيراً أثناء ذهابنا إلى المدرسة، فأحياناً نتعرض للتفتيش وأحياناً أخرى للضرب والشتم والإهانة من قبل قوات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، وهذا بدوره يؤثر في التحصيل الدراسي». وتضيف «بعد مشاركتي برفقة عدد من طلاب وطالبات مدارس الخليل بالمبادرة التي أطلقها (تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان) تعرفنا الى آلية استخدام الكاميرا وكاميرا الموبايل، بتوثيق الانتهاكات التي نتعرض لها بشكل يومي، ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لفضح ممارسات الاحتلال بعرقلة المسيرة التعليمية، وإيذاء الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية». وبعد التحاق الطالبة النتشة بمبادرة «أسر الاحتلال بكاميرا» هي وعدد من طلبة الخليل، أصبحت تمتلك دراية كاملة حول فنون التصوير والتوثيق، ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى توعيتهم القانونية للدفاع عن أنفسهم حال تعرّضهم لأي انتهاكات إسرائيلية. وتمكّن الأطفال، بحسب النتشة، من صناعة مجموعة من الأفلام الوثائقية القصيرة التي تعرض شهادات حية لسكان وأطفال تعرّضوا للاعتداءات المباشرة من قبل القوات والمستوطنين.
مشاركة :