"الجديد" تناقش احتضار العولمة وصعود اليمين الشعبوي بقلم: عواد علي

  • 4/17/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الجديد تناقش احتضار العولمة وصعود اليمين الشعبويدأبت مجلة "الجديد" اللندنية في كل عدد منها على اقتراح مواضيع راهنة ومتنوعة تميد بين عوالم الفكر التي تقف بشجاعة قبالة الواقع المتشابك وخاصة العربي، كما تقترح علاوة على ذلك قراءات أدبية نقدية، ونصوصا إبداعية من مختلف الأجناس مقدمة بذلك فسيفساء عربية ثقافية شهرية. العرب عواد علي [نُشر في 2017/04/17، العدد: 10605، ص(15)]هل أنجب الشرق ثورته (لوحة للفنان زهير حسيب) خصصت مجلة “الجديد” الثقافية في عددها السابع والعشرين، الصادر في الأول من أبريل الحالي ملفا واسعا لموضوع “احتضار العولمة: ترامب والترامبية وصعود اليمين الجديد”، شارك فيه مفكرون وكتاب وأكاديميون من سوريا وفلسطين ولبنان والعراق والجزائر ومصر واليمن بمقالات متنوعة. الملف والمقالات مقالات الملف الخاص بـ”الجديد” في عددها الأخير حملت عناوين مختلفة منها “لحظة ترامب أم احتضار العولمة” لجاد الكريم الجباعي، و”قراءة في صعود ترامب” لأحمد برقاوي، و”أن تكون هنا في أميركا: دونالد ترامب والاستبداد المُـعَولَم” لنجيب جورج عوض، إضافة إلى مقال “من المكارثية إلى الترامبية: مخاطر الانقلاب على الجوانب الإيجابية من العولمة” لخطار أبودياب، و”إحياء خطاب غربي يعادي الإسلام” لإبراهيم سعدي، “سليل مدرسة شيكاغو الترامبية: الجذور والآفاق” لأيمن بكر، و”ترامب والقوميون الجدد: توجهات الطريق أمام تحولات العولمة” لرفعت السيد علي، “الظاهرة الترامبية وسؤال الأمة الأميركية” لربوح بشير، “التوصيف العقلاني للفاشية الجديدة” لمحمد حيّاوي، “تقليص العولمة” لآراء عابد الجرماني، “مستقبل العالم” لآراء عابد الجرماني ، “هل يصبح العالم ترامبيا؟” لفادي قدري أبوبكر، علاوة على عدد من المقالات لكل من رشيد غويلب، وسلام سرحان، ومحمد جبير، وأحمد سعيد نجم، وثابت الأحمدي. وقد حاولت هذه المقالات تفكيك ظاهرة ترامب أمام الوعي العربي، بوصفها ظاهرة دهمت العالم وفاجأته كما تفاجئه الزلازل والطوفانات، وأحدثت رجة طالت كل جزء من المعمورة وهزت معها الوعي والوجدان الإنسانيين. احتوى العدد الجديد أيضا على الأبواب التي دأبت المجلة على نشرها: مقالات ونصوص شعرية وقصصية ومسرحية ودراسات وأصوات وتشكيل وقراءات في كتب ورسالة باريس، إضافة إلى افتتاحية رئيس التحرير والصفحة الأخيرة التي يكتبها مؤسس المجلة وناشرها. في باب “مقالات” كتب كل من: خلدون الشمعة عن “السلطان العاري”، وهند عبدالحليم محفوظ عن “الفريضة الغائبة في آليات الاستبداد الشرقي”، كما كتب علي رسول حسن الربيعي عن “نقد سياسة الاعتراف”، فيما كانت مساهمة حميد زناز بعنوان “كيف صار اليسار الغربي حليفا للإسلاميين؟ فرنسا نموذجا”، وجاء مقال سيد القمني عن “ما هي الثقافة؟”.العالم اليوم يشهد شيئا مختلفا جذريا يتمثل في انهيار منظومة الدولة في أكثر من بلد عربي نتيجة تراكمات كثيرة كما احتوى العدد على دراسة للكاتب المصري محمد غنيم، المقيم في طوكيو، الذي قدّم في دراسته المعنونة بـ”اليابان أسطورة وحقيقة” تفاصيل الحياة اليومية اليابانية والحياة الاجتماعية هناك، وكيف يعيش اليابانيون واليابانيات، وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم ومأكلهم ومشربهم، قائلا “طوكيو مدينة مزدحمة دوما وإيقاع الحياة فيها سريع والنَّاس في عجلة من أمرهم تراهم يهرولون في الصباح إلى أعمالهم حتى لتظن أن اليابانيين واليابانيات جميعهم قد تأخروا في الاستيقاظ، لذا يهرولون محاولين اللحاق بأعمالهم، والملابس الرسمية هي الطابع العام للموظف أو الموظفة اليابانية، لا فرق بين من يعمل بالقطاع العام أو المؤسسات الحكومية ومن يعمل بالقطاع الخاص، وهم يحرصون على الرسميات ويراعونها في كل أعمالهم”. واليابانيون واليابانيات -كما يوضح غنيم- يدعو كل منهم الآخر باسم عائلته وليس بالاسم الأول رجلا كان أو امرأة، لا أحد يستخدم الاسم الأول لزميله أو زميلته في التخاطب والتعامل والمعاملات في أعمالهم. وتسبق اسمَ العائلة كلمةُ “سن” وتعني باليابانية سيد أو سيدة وفق المنادى، ولا أحد يدعو الآخر باسم عائلته من دون لقب سيد أو سيدة إلا فيما ندر، وقد يكون ذلك بين الشباب من العاملين، والذين تجمعهم علاقات صداقة، ولكن يظل اسم العائلة وليس الاسم الأول هو المستخدم. واليابانيون رجالا ونساء مهما بلغت العلاقات من ودية وأريَحيّة لا يتزاورون فيما بينهم في المنازل كما يحدث في بلداننا مهما طال أمد العلاقة داخل العمل، ولو امتدت لسنين طويلة، العمل يبقى عملا والعلاقة بداخله علاقة عمل حتى لو نمت إلى صداقة. حال الشرق من بين الأسئلة التي يطرحها رئيس التحرير نوري الجراح، في افتتاحية العدد التي حملت عنوان “النخب إلى الصراع والجموع إلى المصارع”، “كيف يبدو حال الشرق وتبدو مصائره في الزمن العالمي الراهن وقد أوهم الغرب في دوائره التسلطية نفسه أنه بات مكتفيا بذاته كما السايكلوب الإغريقي، لكنه نوع جديد من السايكلوب (الذي كان يوما بعين واحدة)، يبحر حيثما شاءت له رغباته وحاجاته أن يبحر ويتصرف في الشرق كما في الغرب كقوة جبارة لا رادّ لها؟”. مواضيع راهنة ومتنوعة تميد بين عوالم الفكر ويرى الجراح أن أجوبة أسئلته ليست ناجزة، ولكنها أسئلة يطرحها أولا على عقل النخب العربية المثقفة التي قالت لنا أدبياتها إنها مؤمنة بالتغيير ولأجله تعمل، ولكونها أعلت من شأن نفسها ومواقعها وقراءاتها للصراع، وجعلت من فكرة الجموع جمهورا لأفكارها وتطلعاتها. وتحاول كلمة الجراح أن تكون كلمة ناقدة “تضيء مصباح السؤال، في عتمة الأجوبة الدوغمائية، وظلام التطلعات العمياء الناكصة بأهل الحاضر نحو ماض متوهّم لا يمكن استعادته في برهة زمنية يسودها خليط من المغامرين والأفّاقين اللاعبين بدم الأبرياء، وقد هان هذا الدم حتى صار أرخص من ماء مسفوح وليس له صاحب”. فيما حملت قصائد العدد عناوين: “لوعة الحجر” و”أجنحتان طويلتان” للشاعر المغربي محمد الأشعري، و”موسيقيون في غرف معتمة” ست قصائد نثر للشاعر الأردني المقيم في فينيسيا أحمد النسور، عناوين ثلاث منها بأسماء مطربات عربيات: سميرة توفيق، ذكرى، وأم كلثوم، والبقية بعناوين: “فراغات كبيرة” و”ضباب لاهث” و”الحرب المراوغة”. كذلك ضم العدد ثلاث قصائد للشاعرة السورية المقيمة في لندن آلاء أبوالشملات وجاءت بعنوان مشترك “الساعة الحجرية”، وخمس قصائد للشاعر السوداني حاتم الأنصاري نذكر منها “عيد النهار”، و”الثلاثة والثلاثون”. في باب “مسرح” نشرت المجلة نصا مسرحيا بعنوان “عزلة: متوالية مسرحية” لهشام البستاني من الأردن. وهو يقوم على توليفة من أربع قصص مختلفة للكاتب، لكن المحتوى الأساسي للنص مستمد من قصة “عزلة” على وجه التحديد، ويتناول موضوعة معاصرة٬ وحقيقة قاسية أفرزها عصر التطور التكنولوجي٬ وهي “عزلة البشر”. في باب “قص” نشرت المجلة قصة للقاص والروائي السوداني عباس علي عبود بعنوان “المشهد”، وفصلا من رواية “حب في دمشق” للروائي السوري المقيم في بلجيكا عبدالله مكسور بعنوان “صناعة تاريخ الآخرين”، وقد سبق لي أن قرأت مخطوطة الرواية كاملة فوجدتها رواية متعددة الأصوات، وجريئة، أغلب شخصياتها سورية وعراقية، تشتبك فيها السياسة بالجنس، وتستغور العوالم السرية لأصحاب المصالح والنفوذ (مافيا المال والسلطة في دمشق) في حبكة أقرب إلى الحبكة البوليسية. أصوات وقراءات الناقد والشاعر العراقي المقيم في لندن فاروق يوسف يكتب في باب “تشكيل” دراسة بعنوان “أربعة رسامين من تونس” كرّسها لتجارب علي بن سالم، عبدالرزاق الساحلي، رضا بالطيب، ونجيب بلخوجة، مبينا أن “كل واحد منهم شكّل بأسلوبه الفني نوعا من القطيعة مع الماضي الفني، فاتحا الأبواب على كشوفات بصرية جديدة”.العدد ضم نصا مسرحيا لهشام البستاني إضافة إلى عدد من القصائد والقصص والمقالات التي تهتم براهن الثقافة في باب “أصوات” نقرأ عددا من المقالات منها “هل نقرأ الكتب التي نشتري” لهاني حجاج، و”حطام صور” لرنا زكار، و”النزعة الإنسانية مساءلة مشروعة” لنزار عثمان، و”الولادة العسيرة للكتاب” لأحمد اسماعيل اسماعيل، فيما نقرأ في باب “كتب” مقالا عن كتاب “طبائع” لليوناني تيوفراست بقلم الناقد هيثم حسين، وقراءة في رواية “السراب الأحمر: سيرة حياة هشام المقدادي” للروائي والباحث العراقي علي الشوك بقلم شكيب كاظم، وقراءة في “استراتيجيات التشكيل وكتابة التاريخ في رواية “عين الشرق” للروائي السوري إبراهيم الجبين بقلم خالد حسين، وقراءة في رواية “حكاية مغربية” للروائي المغربي بشير الدامون بقلم سعيد بوعيطة. أما في باب “المختصر”، فقد نشرت المجلة عروضا مختصرة لاثني عشر كتابا من إصدار دور النشر الفرنسية، منها: “الهجرة في فرنسا” للجزائري الموهوب موحود أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة باريس دوفين، و”نشوء الإمبراطوريات وزوالها” لغابريال مارتينيز غرو، المتخصص في تاريخ الإسلام في العصر الوسيط، “السوق الحلال أو ابتداع تقليد” للباحثة فلورانس بيرجو بلاكلير، “هل ستدق الأجراس غدا؟” لفيليب دو فيلييه، “عنصرية خيالية: الخصومة حول الإسلاموفوبيا” للفيلسوف باسكال بروكنر، “انتصار الفنان” لتودوروف، و”اختلال الغرب أخلاقيّا” للفيلسوف فيليب بينيتون. رسالة باريس الدورية خصصها أبوبكر العيادي في هذا العدد لـ”انتصار العنصرية في بلد حقوق الإنسان”، مركّزا فيها على تصدر الجبهة الوطنية (حزب فاشيّ) المشهد السياسي في فرنسا على حساب الحزبين التقليديين: الحزب الاشتراكي اليساري وحزب الجمهوريين اليميني. أيمن بكر وهشام البستاني وآراء عابد الجرماني وبشير ربوح: مثقفون عرب يناقشون حال الثقافة في راهن العولمة ويعزو العيادي هذا التصدر إلى استغلال الجبهة الوطنية لتدهور الأوضاع الاقتصادية وتآكل القيم واعتماد قطاعات كثيرة على العمالة الأجنبية لتبث خطابا شعبويا عنصريا ما انفك يستقطب شرائح المجتمع الضعيفة، تلك التي تراجعت قدرتها الشرائية بتراجع موقع فرنسا كقوة اقتصادية كبرى، ما دفع تشكيلات حزبية أخرى إلى تبني خطاب الجبهة الوطنية ولغتها وأفكارها، طمعا في تجفيف منابعها. يختم مؤسس المجلة وناشرها الكاتب هيثم الزبيدي العدد بكلمة عنوانها “المصدومون”، يقف فيها على ظاهرة التمرد على الدولة، التي شهدها تاريخ معظم دول العالم. ورغم أن العداء ضد الدولة يكون، نظريا، بسبب ظلمها لمواطنيها أو رعاياها وعدم مراعاتها لهم، فإن ثمة ما يكفي من الشواهد التاريخية التي تؤكد أن الظلم ليس السبب الوحيد دائما، بل توجد دوافع أخرى يرى الزبيدي أنها تتمثّل في الدوافع الأيديولوجية، فالأديان، بعمومها، كانت تمردا أيديولوجيا على حال سائدة. ومن قلب الأديان أيضا جاءت حركات متمردة كثيرة على الدول التي أسستها الأديان. وقد تكون فكرة اليسار الأشهر في هذا الصدد. وأسهم الفكر اليساري المعتدل أيضا في تحدي الدولة، ولكن لتقويمها وليس لتدميرها. كذلك كان اليمين بدوره معاديا للدولة، والنموذج الأميركي تجسيد لهذا العداء. بيد أننا نشهد اليوم شيئا مختلفا جذريا يتمثل في انهيار منظومة الدولة في أكثر من بلد عربي نتيجة لتراكمات كثيرة. ومثلما صدم المثقفون العرب أمام تفكك الدولة، يبدو أن مثقفي الغرب يقفون منذهلين أمام تسارع صعود التيارات الشعبوية، ويثبتون مرة أخرى أنهم مستسلمون لواقع ثابت وعاجزون عن قراءة التغيّرات الاجتماعية والسياسية الكبرى التي وصلت مع تقدم التكنولوجيا. وهكذا تبدو الثقافة، التي يفترض أنها القوة الطليعية في قيادة المجتمعات، حائرة حتى في تفسير حركة هذه المجتمعات.

مشاركة :