زكرياء حبيبي ما أثار انتباهي في خطابات غالبية الأحزاب السياسية خلال الأسبوع الأول من الحملة الإنتخابية لتشريعيات 4 مايو المقبل، أنها تقاطعت لأول مرة بشأن بعض القضايا الحساسة والمُرتبطة أساسا بأمن واستقرار الجزائر، وضرورة الوقوف في وجه مثيري الفتن، والمُتربّصين بالبلاد، والمُتآمرين عليها سواء في الداخل أو الخارج، وهذا شيء جميل للغاية، لم نتعوّد على سماعه في السنين القليلة الماضية، بل إنّنا كُنّا نرى بعض السياسيين والإعلاميين، يُخوّنون كل من يُحذر من المؤامرات التي تُحاك ضد الجزائر، ويصفونه بأنه “عميل للنظام”، وشخصيا تعرّضت لحملة تشويه شرسة بسبب مقالاتي التي عرّيت فيها الأهداف الخفية ل”الرّبيع العربي”، وحذّرت من خلالها من السّم المدسوس في “طُورطة” “الربيع” غير العربي. اليوم وقد عجّت خطابات بعض الأحزاب بالتحذيرات من هذه المؤامرات، وأعلن بعضها التوبة، وأخص هنا الأحزاب الإسلامية وحتى العلمانية التي تحالفت فيما بينها، والتي لم تُبارك هذا “الربيع العربي”، بل ساندته وعملت المُستحيل من أجل إدخاله إلى الجزائر، مُبشرة المواطنين بأنه سيفتح عليهم أبواب الجنة، اليوم يحق لنا جميعا أن نتساءل، هل هذا الإنقلاب في مواقف هذه الأحزاب، هو نتاج لمُراجعة دقيقة، وتقييم جدي لنتائج هذا “الربيع” غير العربي، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مُجرّد مُناورة لتحقيق اختراق ما من خلال هذه الإنتخابات التشريعية، يُمكن هذه الأحزاب من جرعة أكسجين، تُبقيها على قيد “الحياة السياسية”، في انتظار ظروف مُواتية، قد تسمح لها بمُعاودة محاولة إسقاط “النظام”، وهذه المرة بالإرتكاز على مواقعها في السلطة، وأقول ذلك، لأن من بين أهمّ الأحزاب التي زمّرت وطبّلت لهذا “الربيع العربي” في الجزائر، نجد حركة مجتمع السلم “حمس”، التي كانت داخل السلطة، في إطار التحالف الرئاسي الذي جمعها بكل من حزب جبهة التحرير الوطني “الأفلان”، وحزب التجمّع الوطني الديمقراطي “الأرندي”، فحركة “حمس”، لم تكتفِ فقط بمساندة هذا “الربيع” عن بُعد، بل إنها أعلنت طلاقها مع التحالف الرئاسي، وانسحبت من الحكومة أي “السلطة”، بمعنى آخر أنّها كانت تنتظر مكافأة كبيرة تُعوضها عن خسارة الحقائب الوزارية، وبشكل أدق، أقول إن حركة “حمس” كانت تتصور نفسها في ذلك الوقت أنها هي من ستسود، وهي من ستُوزّع الحقائب الوزارية تحت راية “الربيع العربي”، هذا الإنسحاب ل”حمس”، لا يجوز البتة أن نتغافل عنه، فهي اليوم وإن أعلنت “توبتها”، إلا أنها لا تزال تُحافظ على مواقفها المُستمدة من مواقف التنظيم العالمي لحركة الإخوان المسلمين، وأتحدّى هنا حركة “حمس” أن تُدين بشكل صريح الجرائم الإرهابية التي تُرتكب بحق أشقائنا في ليبيا وسوريا ومصر واليمن…. بل وأتحدّاها أن تُعلن بشكل صريح وواضح، أن “الربيع العربي” ما هو إلا نتاج مؤامرة صهيوأمريكية، غربية، ضد الوطن العربي والإسلامي، وبصراحة لا أنتظر أي موقف مُندد بهذا “الربيع العربي” من قبل “حمس” الشريكة في تنفيذه وليس في التخطيط له، أمّا أن نكتفي في تبييض “حمس” ومن يسير في فلكها من الأحزاب الإسلامية، والعلمانية، بمُجرّد تبنّيها لخطاب يصب في الدفاع عن أمن واستقرار الجزائر، فهذا برأيي سيُشكل أكبر خطأ استراتيجي، سيفتح الأبواب من جديد أمام المُتربّصين بالجزائر، وبالمُقابل أدعو كل الأحزاب التي باركت وساندت هذا الربيع المشؤوم، أن تُعلن صراحة بأنها تُدين الأعمال الإرهابية التي تُرتكب في البلدان التي دمّرها الربيع العربي. وحتى لا أطيل في الكلام، أذكر هذه الأحزاب بأنها أدانت مرارا وتكرارا، ما وصفته ب”جرائم الأسد” بحق الشعب السوري، و”جرائم السيسي” بحق الشعب المصري، و”جرائم القذافي” بحق الشعب الليبي، فهل تجرؤ اليوم على إدانة أبشع مجزرة بحق المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، إرتكبتها الجماعات الإرهابية بحق نازحي كفريا والفوعة، بالقرب من حلب، في منطقة يُسيطر عليها “ثوار” الربيع العربي؟ لن أتردّد للحظة في الجواب بأن هذه الأحزاب لن تجرؤ البتّة على اتخاذ مثل هذا الموقف، وهي اليوم إنّما تبيع الأوهام للجزائريين، وتتبنى خطابات مُتناقضة، لا لشيء سوى لأنها فشلت في تركيع الجزائريين، وإدخالهم في دوّامة “الربيع العربي”، وبرأيي كذلك، أنه على الناخب الجزائري أن ينتبه لهذه المخاطر، وألا يُزكي مترشحين ما هم في حقيقة الأمر سوى أفاعي وعقارب ستلدغ الجزائر برُمّتها عندما تسنح الفرصة لذلك. والحال كذلك، أرى أنه من العبث أن تدخل بعض الأحزاب الوطنية في سجالات عقيمة، وتفتح جبهات صراع فيما بينها في هذا الوقت الحساس للغاية، الذي شهد تحالف أعداء الأمس القريب، لتحقيق ما عجزوا عنه بداية سنة 2011، فالمنطق، ومصلحة الجزائر، يقتضيان اليوم قبل أي وقت مضى، تشكيل تحالف وطني قوي، يقطع الطريق أمام كل المتربصين بالجزائر في الداخل والخارج، لأنني شخصيا، أرى بأن ما يُخطّط اليوم للبلاد، أخطر بكثير ممّا خُطّط لها في مؤامرة “الربيع العربي”، فالإختراق قد يحدث هذه المرّة من الداخل، ومن زوايا جدّ حساسة، وهو ما يتطلّب تشريحا دقيقا لكلّ ذلك، إذ أنه من غير المسموح به، أن نُقامر بما تحقّق من أمن واستقرار في الجزائر، بفضل السياسة الرشيدة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لاسترضاء بعض القوى التي تأكد في وقت قريب، بأنها مجرّد أدوات هدم، كُلّفت بمهمة تنفيذ مؤامرة “الربيع العربي”.
مشاركة :