التأمل تقنية مركّزة تُستعمَل لتحسين مستوى التركيز على الحاضر (التنفس في هذه الحالة!). تقول ترايسي أوشيستر، وهي طبيبة نفسية وأستاذة يوغا وصاحبة مركز Clear Mind Open Heart: «تتشتّت عقولنا وترقص أفكارنا لذا يشكّل التنفس محوراً مرجعياً. كلما تشتّت العقل، نلاحظ ما يحصل ونعيد تركيز انتباهنا على التنفس. تساهم هذه الطريقة في إرخاء الجسم وتساعد المبتدئين على التركيز وملازمة مكانهم». روّجت فرقة «البيتلز» تقنيات التأمل والاسترخاء الذهني في الغرب بعدما سافر أعضاؤها إلى الهند لتعلّم التأمل الفائق على يد ماهاريشي ماهيش يوغي. إليك أبرز ما يقدمه لك هذا النوع من العلاجات. زادت ممارسات الاسترخاء شيوعاً حين عمد جون كابات زين، مؤسس «عيادة تخفيف الضغط النفسي» و«مركز الاسترخاء الذهني في الطب والرعاية الصحية والمجتمع» في كلية الطب بجامعة ماساتشوستس، إلى الدمج بين الممارسات الشرقية وبين العلوم والطب. كان الشاعر آلن غينسبرغ والطبيب النفسي المتخصص بالثقافة المضادة تيموثي ليري من بين أصدقاء كابات زين الذي درس مع أساتذة بوذيين وأصبح أستاذاً متمرساً في اليوغا. منذ ذلك الحين زادت شعبية الاسترخاء الذهني، وتحديداً بين مؤيدي أسلوب العيش المتكامل. يقول هؤلاء إن هذه التقنية تفتح عقولهم وتجعلها أقل ميلاً إلى إصدار الأحكام وتُحسّن نوعية حياتهم عموماً. في هذا السياق، ابتكر خبير واحد على الأقل تمريناً من 10 دقائق يبدأ بأكل حبة زبيب وسمّاه «أول نكهة للاسترخاء الذهني». أنا أحب الزبيب. ربما يجب أن أخوض تلك التجربة! تقول الطبيبة النفسية ترايسي أوشيستر: «إذا اعتبرنا أن «الاسترخاء الذهني» يعني تمضية الوقت مع الأولاد أو الشريك أو القيام بعملنا واختبار تلك التجارب بأدق تفاصيلها، لا سيما إذا كنا نشعر بشغف تجاهها، ستصبح الحياة أكثر غنى من أي وقت مضى». إذا كنت تعتبر التأمل والاسترخاء الذهني بدعة من حركة «العصر الجديد»، اعلم أن الدراسات العلمية تثبت العكس. اكتشف الباحثون أن التأمل يزيد حجم الدماغ ويحسّن الذاكرة ومستوى الرضا في العلاقات تزامناً مع تخفيف الاكتئاب والقلق وضغط الدم. اكتشفت الدراسات الأولية أيضاً أنه يقوي جهاز المناعة. إليكم رحلتي الخاصة في استكشاف الاسترخاء الذهني. علاج التعويم كنت أعوم هناك في جو مظلم داخل غرفة عائمة (Zero Gravity II) في مركز Floating KC في «والدو». كانت الغرفة عبارة عن علبة زجاجية بطول سبعة أقدام وتساوي حجم السرير المزدوج الكبير، وكانت مليئة بنحو 30 سنتم من الماء ومئات الكيلوغرامات من الملح الإنكليزي. تكلّف حصة التعويم التي تدوم 60 دقيقة 75$ بينما تصل كلفة الحصة التي تدوم 90 دقيقة إلى 99$. اخترتُ حصة الساعة. حين جلستُ في الماء، شعرتُ بأنني أعوم إلى أقصى الدرجات. ارتفعت ساقاي إلى سطح الماء وبدأتُ أدور في الجهة السفلية من جسمي. قبل أن أدخل الغرفة، عرض عليّ صاحب المركز بلايك سويتنام فيديو عن مسار الجلسة. ارتديتُ رداء حمّام وجلستُ في كرسي التدليك داخل غرفة مظلمة طوال 15 دقيقة. بدأ الكرسي يعجن جسمي كله ويطرق عليه ويدلّكه فيما كانت موسيقى المنتجع الناعمة تملأ الجو وراحت نقاط صغيرة من الضوء الملوّن تدور على السقف. للحفاظ على نظافة المكان، كانت الغرفة مجهّزة بالأشعة فوق البنفسجية وبيروكسيد الهيدروجين ونظام تنقية بمضخة صناعية لتعقيم الماء. لكن يجب أن يستحمّ العملاء أولاً لإزالة مستحضرات التجميل ومنتجات النظافة الشخصية. يحث سويتنام العملاء على خوض تجربة التعويم بطريقة طبيعية، إذ يكون الماء المالح بحرارة البشرة وقد يؤثر ثوب السباحة في الحرمان الحسّي. يقول لورانس سيمونز، مدير مركز Floating KC، إن العلاج بالتعويم يخفف نشاط الموجات الدماغية وينقلها إلى حالة «ثيتا» (الحلم)، بما يشبه ما نختبره قبل النوم مباشرةً. اخترع جون سي. ليلي، معالِج فيزيائي وعالِم، العلاج بالتعويم في عام 1954 بعد اختبار آثار الحرمان الحسي واكتشاف قدرته على تجديد الاسترخاء وتعزيز الإبداع أحياناً عبر دفعات قصيرة من العلاج. يعتبر رياضيون من أمثال نجم الدوري الأميركي لكرة السلة ستيف كوري واللاعب الأولمبي كارل لويس أن التعويم وسيلة لتدريب العقل. لكنه قد يعطي في المقابل آثاراً سلبية مثل الهلوسات المخيفة عند استعماله لفترة طويلة. تشتّت عقلي من وقت إلى آخر لكني انتقلتُ في النهاية إلى حالة «ثيتا». لم أكن واعية بالكامل لكني أدركتُ أنني موجودة داخل خزان من الماء الدافئ. أحياناً كنت أتحرك ذهاباً وإياباً كي أشعر بالماء يدغدغ بشرتي. وسمعتُ طبعاً صوت تنفّسي. في مرحلة معينة، خطرت على بالي فكرة غريبة: قد يكون رأس الإنسان أكثر كثافة من جسمه. لماذا؟ لأن رأسي كان يعوم على مستوى أدنى من جسمي في الماء وكان يُرجِع عنقي إلى الخلف. مرّت تلك الساعة بسرعة. أُشعِلت الأضواء ببطء وارتفع صوت الموسيقى. بعد بضع دقائق، أصبحتُ جاهزة للخروج. كنتُ مسترخية طبعاً مع أنني لست متأكدة من زيادة استرخائي الذهني لكني شعرتُ بألم في عنقي طوال يوم أو يومين بعد الجلسة. هل أوصي بهذا العلاج للآخرين؟ طبعاً لأنه يستحق التجربة! خضعت زميلة لي لعلاج التعويم في أحد منتجعات أريزونا. تقول إنها اختبرت تجربة تتوق إلى تكرارها مجدداً. يستعمل بعض علاجات التعويم مسنداً للعنق لذا اطلبه حين تقرر الخضوع لجلسة مماثلة. ضبط العقل في المرحلة اللاحقة، قصدتُ صف ضبط العقل الذي تعطيه أوشيستر في «استوديو مايا يوغا» في «منطقة الفنون» في يوم خريفي دافئ. كنت متوترة بعض الشيء لأنني لم أعتد ممارسة اليوغا ولستُ منظّمة بطبيعتي. قالت أوشيستر: «تهدف اليوغا في الأساس إلى تحضيرنا للتأمل. نركّز على وضعيات «أسانا» البسيطة كونها تفتح الجسم وتُحضّره للجمود وتجذبه نحو الداخل. لم يسبق أن مارس عدد كبير من المشاركين في هذه الحصص التأمل وما كانوا يظنون أنهم سيبرعون فيها. تساعدهم تلك الوضعيات على الاسترخاء والابتعاد عن مشاغلهم اليومية». أدارت أوشيستر الحصة طوال 30 دقيقة واستعملت وضعيات بطيئة وبسيطة وسلسة، ثم حان وقت التأمل. وجدتُ صعوبة في اتخاذ وضعية زهرة اللوتس على الأرض، إذ تتطلب شبك الساقين كي تمتدّ كل قدم على الفخذ المعاكس. تمكنتُ من اتخاذ نصف الوضعية بعدما أعطاني أحدهم بطانة رغوية سميكة لرفع مؤخرتي عن الأرض. خلال الدقائق الثلاثين اللاحقة، طلبت منا أوشيستر بصوت ناعم وهادئ التركيز على التنفس. يمكن القيام بذلك بحسب قولها تزامناً مع إغماض العينين أو فتحهما بشرط التركيز على نقطة واحدة. فوجئت حين وجدتُ نفسي منوّمة مغناطيسياً لبضع دقائق بسبب قرص معدني صغير وُضع على نسيج هندوسي مُعَلّق على الجدار. سرعان ما أغمضتُ عينيّ. في مرحلة معينة، طلبت منا أوشيستر أن نركز على صوت محدّد في الغرفة عدا تنفّسنا. كان صوت مكيّف الهواء قوياً، لذا ركّزتُ عليه، ثم أعادت توجيه تركيزنا على تنفّسنا. حين انتهى الصف، شعرتُ بالاسترخاء. لكني فوجئتُ حين لاحظتُ أن ساقيّ المتشنجتين أصبحتا أطول وأكثر مرونة مما كانتا عليه منذ فترة طويلة. قالت أوشيستر إنهما ستزدادان مرونة مع مرور الوقت. هل أوصي بهذه الحصة؟ نعم. إنها بداية مثالية للتعرّف إلى عالم اليوغا والتأمل. شعرتُ طبعاً باسترخاء ذهني إضافي بعد الحصة. استراحة هادئة قادتني آخر مغامرة في عالم التأمل والاسترخاء الذهني إلى جلسة تسمح بأخذ «استراحة هادئة» في مركز Unity Temple on the Plaza. يقول مات فوستر، مدير حصص «الاستراحة الهادئة»، إن الجلسات قد تحصل في مركز متخصص لكنه مكان صامت. فيما يحصل الحاضرون على توجيهات في بداية كل جلسة تأمّل وفي نهايتها، يبقى الجو هادئاً عموماً ويمكن أن يتدرب الناس هناك بالطرائق التي تناسبهم. في تلك الليلة، كان جون كوربالي يدير جلسة مدتها 30 دقيقة. جلس في وضعية زهرة اللوتس، في الجهة الأمامية من الغرفة، مقابل خمسة أشخاص جالسين فوق وسائد على الأرض (اتّخذ معظمهم وضعية زهرة اللوتس) وجلس رجلان بوضعية مستقيمة على كرسيين مقابل الجدار. ابتسم كوربالي حين دخلتُ إلى الغرفة وجلستُ فوق وسادة على الأرض وحاولتُ أن أتخذ وضعية زهرة اللوتس. بعد بضع دقائق، قرع كوربالي جرس التأمل ثلاث مرات وبدأ يتكلم: «الجسم والكلام والعقل كيان مثالي واحد. أُرسِل قلبي مع صوت الجرس. لِيوقظ السامعون النسيان ويتجاوزوا مسار القلق والحزن». ثم شجّعَنا بأسلوب لطيف على حصر انتباهنا بإيقاع تنفّسنا. إذا تشتّت عقلنا، طلب منا أن نلاحظ ما يحصل ونتقبّله من دون إصدار أي أحكام ثم نعود للتركيز على تنفّسنا. سررتُ حين عرفتُ أنه وأوشيستر على الموجة نفسها. لكن برزت مشكلة: كانت ساقاي مشدودتَين وتؤلمانني. لم أفكّر إلا بذلك الألم. كان فوستر يمارس التأمل أمامي: جلس ووضع وركيه بين حذائه وكان نعله متجهاً نحوي. بدت وضعيته مريحة جداً لكن تطلّب مني بلوغ تلك الوضعية جهداً شاقاً. لاحظتُ أن وسادتي لم تكن سميكة بقدر تلك التي استعملتها في مركز «مايا يوغا». تمنيتُ لو أنني كنت أجلس على كرسي. فتحتُ أخيراً ساقيّ ومددتهما أمامي. انتابني شعور مريح لكن غريب. لم تكن الوضعية تشبه زهرة اللوتس! وكنت أجد صعوبة واضحة في التركيز على تنفّسي. حين انتهت حصة التأمل، شجّع كوربالي الحاضرين على تمطيط ظهرهم فسمعتُ أصوات طقطقة في أنحاء الغرفة. نهض أنطونيو ويسلي للمغادرة: إنه منتج اسطوانات في مدينة «كانساس» وكان يجلس على الأرض في الصف الأمامي من الغرفة. اكتشف هذا الرجل التأمل منذ ثلاث سنوات، حين كان يقيم في لوس أنجليس، ولاحظ أنه ساعده للتكيف مع مشاعر الشفقة على الذات والغضب والخيبة. قال ويسلي: «إنها أفضل طريقة لتفريغ الأفكار والتشجنات المتراكمة وكل ما كنت أختبره في طفولتي وحملتُه معي إلى سن الرشد. ساعدتني هذه الطريقة كي أعيد ضبط حياتي». هل أوصي بهذه الحصة؟ نعم. أظن أنها تستطيع زيادة مستوى الاسترخاء الذهني. لكني كنتُ لأفوّت شخصياً وضعية زهرة اللوتس!
مشاركة :