على وقع القصف الجوي العنيف، شنت قوات النظام ليلاً هجوماً على مواقع فصائل المعارضة غرب مدينة حلب، حيث تمكنت الأخيرة من إحباطه، في وقت اتهمت فيه منظمة «هيومان رايتس ووتش» التحالف الدولي بعدم اتخاذ «الاحتياطات اللازمة» لتجنب مقتل عشرات المدنيين خلال غارة نفذها الشهر الماضي حين استهدف مسجداً في شمال سوريا خلال تجمع المصلين داخله. ويوم أمس، أحبطت فصائل المعارضة السورية هجوماً واسعا لقوات النظام والمسلحين الموالين لها غرب مدينة حلب وكبدتهم خسائر بشرية كبيرة، في وقت كثّف فيه الطيران قصفه على المنطقة. وقال قائد عسكري في «حركة أحرار الشام» لوكالة الأنباء الألمانية إن «الثوار تصدوا لهجوم شنته قوات النظام والميليشيات الموالية لها على جبهة الراشدين وجبل شويحنة وجبل معارة وإكثار البذار شمال غربي حلب، وقتلت 15 عنصراً من قوات النظام و7 من (لواء القدس) الفلسطيني الموالي لقوات النظام، وأصابت العشرات منهم». وأضاف أن «قوات النظام شنت أكثر من 30 غارة جوية استهدفت قرى وبلدات في ريفي حلب الشمالي والغربي». وبالتزامن مع الاشتباكات شن الطيران الحربي الروسي، بحسب «شبكة شام»، عشرات الغارات الجوية على بلدات ريف حلب الغربي ومناطق الاشتباك في الفاميلي هاوس وشويحنة والراشدين وعلى مدن الأتارب وأورم الكبرى ودارة عزة وبلدات كفر داعل وكفرناها والمنصورة وخان العسل بالريف الغربي، ترافقت مع قصف مدفعي وصاروخي. كما تعرضت بلدات كفر حمرة ومدينة عندان وبلدتا معارة الأرتيق والليرمون بالريف الشمالي لغارات جوية وقصف مدفعي عنيف، وفي الريف الجنوبي أغار الطيران أيضا على بلدة خان طومان. وأدى القصف العنيف والمكثف لسقوط 5 قتلى في أورم الكبرى وكثير من الجرحى في باقي المدن والبلدات المستهدفة. من جهة أخرى، وبعدما كانت قوات النظام قد سيطرت أول من أمس على مدينة صوران بريف حماة الشمالي، بدأت عملية عسكرية برية واسعة على بلدة طيبة الإمام الخاضعة لسيطرة المعارضة (نحو 35 كيلومترا شمال مدينة حماة). وقال مصدر عسكري سوري لوكالة الأبناء الألمانية، إن «العملية العسكرية جاءت بعد قصف مدفعي وصاروخي مكثف استمر أكثر من 4 ساعات على مواقع المسلحين في محيط البلدة ومركزها». وذكر المصدر أن مجموعات مؤلفة من مئات المقاتلين بدأت بالتحرك عند منتصف الليل من عدة محاور على البلدة، وتمكنت بعد أقل من ساعة من اقتحامها من الجهة الشرقية المتاخمة لمدينة صوران ومن الجهة الجنوبية من محور قمحانة. وأكد أن قوات الاقتحام عززت مواقعها داخل البلدة، ووضعت نقاط تثبيت «الأمر الذي سيساعدها في السيطرة على البلدة خلال الساعات القليلة المقبلة». وبيّن المصدر أن سلاح الجو الروسي شارك في عمليات الاقتحام عبر تمهيد الخطوط الأمامية بالتوازي مع استخدام الراجمات الصاروخية على عمق الإمداد الآتي للمسلحين من بلدة لطمين المتاخمة للبلدة من الجهة الشمالية. إلى ذلك، قالت «هيومان رايتس» في تقرير أصدرته حول الغارة التي استهدفت في 16 مارس (آذار) الماضي مسجد عمر بن الخطاب في قرية الجينة بمحافظة حلب إن «القوات الأميركية، على ما يبدو، لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين». وقتل 49 شخصا معظمهم مدنيون، كما أصيب أكثر من مائة آخرين بجروح، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، جراء الغارات على قرية الجينة، التي تسيطر عليها فصائل معارضة. وعدّت المنظمة في تقريرها المستند إلى مقابلات هاتفية مع 14 شخصا «مطلعين مباشرة على الهجوم» وأبحاث صادرة عن منظمات متخصصة في مجال تحليل الصور، أن «تصريحات السلطات العسكرية الأميركية بعد الهجوم تشير إلى عدم معرفتها بأن المبنى المستهدف كان مسجداً، وأن الصلاة كانت على وشك البدء فيه، وأنه كانت هناك محاضرة دينية وقت الهجوم». وأوضحت أنها «لم تجد أدلة تدعم الادعاء بأن أعضاء تنظيم القاعدة أو أي جماعة مسلحة أخرى كانوا مجتمعين في المسجد». وكان البنتاغون قد نفى إثر تنفيذ الغارة استهداف مسجد، موضحا أن القصف استهدف «اجتماعا لكبار المسؤولين الإرهابيين من (القاعدة)». لكن بعد التقارير والشهادات عن مقتل مدنيين أعلن عن بدء «تقييم مصداقية» هذه التقارير. وقال نائب مدير برنامج الطوارئ في المنظمة أولي سولفانغ في التقرير: «يبدو أن الولايات المتحدة أساءت فهم عدة أمور بشكل فادح في هذا الهجوم، فدفع عشرات المدنيين الثمن». وعد أن عليها «معرفة الأخطاء التي حدثت، والقيام بما يتوجب فعله قبل شنها الغارات، وضمان عدم تكرار ذلك»، مطالبا إياها بـ«الإعلان عن النتائج التفصيلية للتحقيقات... ومحاسبة المسؤولين عن الهجوم». وبحسب المنظمة، «اعترف المسؤولون الأميركيون بوجود مسجد قريب، لكنهم زعموا أن المبنى المستهدف كان قاعة اجتماعات مبنية جزئيا». وأوضحت في تقريرها أنه «ليس في المسجد مئذنة أو قبة، لكن كان من المفترض أن تظهر المراقبة الجوية تجمع الناس فيه»، مشددة على أن «قصف مسجد قبل الصلاة مباشرة ثم مهاجمة من يحاولون الفرار دون معرفة إن كانوا مدنيين أم مقاتلين، قد يشكل هجوما غير متناسب أو عشوائيا». وشددت على أن «الهجمات العشوائية أو غير المتناسبة، كما عدم اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الوفيات بين المدنيين، تنتهك قوانين الحرب». وأعلنت المنظمة أنها عرضت نتائج تحقيقها على القيادة المركزية الأميركية التي أبلغتها بأنها «ستراجع هذا التحقيق بعناية».
مشاركة :