مساع حكومية لتطويق ظاهرة عمالة الأطفال في تونستسعى الحكومة التونسية إلى مكافحة ظاهرة عمالة الأطفال، عبر خطة تمتد على ثلاث سنوات، ستعمل على تعزيز آليات الرقابة ووسائل تطبيق القانون، وذلك بهدف الحد من استفحال الظاهرة التي تزايدت بشكل خاص في السنوات الأخيرة.العرب [نُشر في 2017/04/19، العدد: 10607، ص(4)]طفولة ضائعة على قارعة الطريق تونس - أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية في تونس عن خطة لمكافحة عمالة الأطفال، وكشف وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي عن أبرز أبعاد المشروع الذي يحمل شعار “كلنا ضد عمالة الأطفال”، مشيرا إلى أن بلاده تهدف إلى القضاء على الظاهرة بحلول سنة 2020 أو الحد منها بشكل كبير. وقال الطرابلسي في تصريحات صحافية أثناء فعاليات الإطلاق الرسمي للمشروع بمدينة الحمامات إن “تونس تحتاج إلى وضع سياسة استراتيجية وطنية متكاملة العناصر ومتعددة الأطراف لحماية الأطفال”، وأكد الوزير التونسي أن “هذه الاستراتيجية ترتبط بخطط ناجعة لمقاومة الفقر وحماية الطفولة الجانحة والفئات المهمّشة”. وأشار الطرابلسي إلى أن تونس طرف في الاتفاقيات الدولية التي تعنى بحقوق الطفل، معتبرا أن نقص العمل الميداني يحد من فعالية تنفيذ هذه الاتفاقيات. وتشير تقارير عدد من الجمعيات والمنظمات الدولية والمحلية إلى تصاعد مقلق لمعدلات استغلال الأطفال في سوق العمل بتونس بشكل غير قانوني خلال السنوات الأخيرة، وذلك في ظل غياب الرقابة وعدم تطبيق القانون بسبب الأوضاع غير المستقرة التي شهدتها البلاد بعد الثورة. واعترف الوزير التونسي بارتفاع مستوى الانتهاكات المرتبطة بتشغيل الأطفال قائلا “اتخذت هذه المسألة في السنوات الأخيرة أبعادا ملحوظة، خصوصا في ظل الوضع الراهن في تونس، وهو وضع انتقالي”. وبحسب مجلة حماية حقوق الطفل الصادرة في تونس سنة 1995 وقوانين الشغل، يحجر حرمان الطفل من مواصلة الدراسة أو إجباره على الانقطاع واستغلاله في سوق العمل دون السادسة عشرة.الزراعة من القطاعات التي تستقطب الأطفال في تونس، إلى جانب قطاعي النجارة الصغيرة وورش الميكانيك ويضمن التشريع التونسي جملة من الآليات والوسائل التي تضمن نظريا حماية الأطفال المهددين وتحديد حالات الانتهاك ومعالجتها على المستوى القانوني والنفسي والاجتماعي. وأكدت وزيرة شؤون المرأة والأسرة والطفولة نزيهة العبيدي، أن “مندوبي الطفولة يتلقون سنويا قرابة 9500 إشعار تتعلق بالطفولة بما فيها عمل الأطفال أو الاعتداءات المختلفة عليهم، ما يؤكد الحاجة إلى اعتماد سياسة متكاملة أساسها المصلحة العليا للطفل ورعايته وتنشئته تنشئة متوازنة”. وقالت المنسقة المحلية للمشروع في منظمة العمل الدولية نعيمة الزغدودي “اليوم لا يمكننا أن نؤكد وجود ظاهرة عمالة الأطفال في تونس بسبب نقص فعلي في البيانات والأرقام”. وشددت الزغدودي أن لدى السلطات “إرادة حقيقية” لتحديد تلك المعلومات، مشيرة إلى أن المعهد الوطني للإحصاء سيجري في مايو مبدئيا دراسة تشمل عينة من 15 ألف عائلة من مختلف مناطق الجمهورية. وبيّنت الزغدودي أن المعطيات المتوفرة تكشف أن “القطاعات التي تستقطب الأطفال في تونس هي الزراعة، خاصة على مستوى المزارع العائلية والنجارة الصغيرة وورش الميكانيك، إضافة إلى محلات تصفيف الشعر والخدمة المنزلية للفتيات”. وأوضح المعهد الوطني للإحصاء أن نتائج هذا المسح الذي سيتم الإعلان عنه في شهر سبتمبر القادم، ستكون منطلقا لتقييم الظاهرة وبناء قاعدة بيانات شاملة حول عمل الأطفال في تونس. كما سيسّهل المسح قياس انتشار مشكلة تشغيل الأطفال وتحديد مؤشراتها الكمية، بما سيمكن من صياغة السياسات الملائمة والناجعة لمقاومة الظاهرة خاصة وأن المكان الطبيعي للطفل هو فضاء الدراسة أو التكوين واللعب والترفيه. وتشير وزارة التربية في تونس إلى أن قرابة 100 ألف تلميذ يغادرون سنويا مقاعد الدراسة دون تحديد وجهاتهم، بما يعرضهم لمختلف أشكال الانتهاك وخاصة استغلالهم في سوق العمل. وكانت وزارة التربية قد أطلقت خلال سنة 2016 مبادرة “المدرسة تستعيد أبناءها”، والتي تهدف إلى إعادة ما لا يقل عن 10 آلاف تلميذ منقطع سنويا إلى مقاعد الدراسة، وبالتالي الحد من مشكلة خروج الأطفال إلى العمل في سن مبكرة. وبحسب الخبراء الاجتماعيين، فإن أعلى نسب للانقطاع عن التعليم وإجبار الأطفال على العمل تسجل في المناطق الريفية وتحديدا بمناطق الشمال الغربي والجنوب الشرقي للبلاد خاصة في محافظتي سيدي بوزيد والقصرين. ويفسر الخبراء سبب انتشار تلك الظاهرة في هذه المناطق بارتفاع مشاكل الفقر وضعف البنية التعليمية وغياب المتابعة الإدارية والنفسية للأطفال خاصة خلال فترة المراهقة . وتدفع الأوضاع المادية والظروف الاجتماعية السيئة العائلات في تلك المناطق إلى وقف أبنائهم عن الدراسة وإدماجهم في مهن مختلفة سواء منها الفلاحة أو الحرف المختلفة . ويمثل تشغيل الفتيات القاصرات ضمن الخدمة المنزلية أحد أبرز ملامح هذه الظاهرة، حيث تشير بعض المصادر غير الرسمية إلى الآلاف من الحالات لفتيات دون السن القانونية اللواتي يتعرضن للاستغلال والانتهاك والعمل في ظروف غير لائقة بالمنازل. وقال وزير الشؤون الاجتماعية “ينبغي صياغة سياسات مناسبة لضمان متابعة الأطفال للدراسة حتى السادسة عشرة على الأقل، بحسب ما ينص عليه القانون التونسي”. وأضاف الطرابلسي أن المخطط سيعمل على “حماية هؤلاء الأطفال من الشارع أولا وكذلك من أي محاولة للاستغلال بما في ذلك الأفكار المتطرفة”. ووضع مكتب العمل الدولي بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية التونسية خطة تفصيلية للمشروع الذي تموله الولايات المتحدة بثلاثة ملايين دولار وينفذ على ثلاث سنوات بين 2017 و2020. وبيّن سفير الولايات المتحدة الأميركية دانيال روبنشتاين، أن دعم البرنامج يأتي من منطلق الإيمان بالحاجة إلى تدعيم مستقبل الأجيال الجديدة في تونس ووقايتها من كل أشكال الانحراف. ويتضمن المشروع 3 محاور هي دعم التعاون المؤسساتي بين أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدني، وبناء نظم معلوماتية حول ظاهرة تشغيل الأطفال وأبعادها وأسبابها، إضافة إلى محور ثالث يُعنى بالتحسيس والتوعية بمخاطر عمل الأطفال واستغلالهم.
مشاركة :