نوافذ الألم والفرح والحب

  • 4/19/2017
  • 00:00
  • 35
  • 0
  • 0
news-picture

لمستدركات المشاعر مواقع مهمة في ذاكرة الإنسان، ولإرهاصات الذكرى نوافذ ألم أو فرح، بحسب تفاصيلها، تنطلق الأحاسيس بين ذلك وتلك، تكتنف الشعور مشاعر تستكمل مستمرات التذكر المعتاد للذاكرة التي ما زالت مرتكزاتها ثابتة في مكان الذكرى، ولم تغادره. الناس في أحايين كثيرة قد يصبحون أسرى لذكرياتهم، ولا يستطيعون حتى تناسي أو نسيان أي ذكرى لها ملامح متجذرة بأساسات عميقة حفرت في تلك الذاكرة المأسورة. ذات مرة، وفي إحدى مدن الملح (كما أسماها الراحل عبدالرحمن منيف)، كنت جالساً في أحد المقاهي العتيقة، وفنجان قهوة يتبعه فنجان، طال وقت المكوث، تعدى الساعتين في مقهى عتيق نظيف الأثاث، لم يفارقه عبق الماضي، ولم يكن أحد غيري ثابتاً، الزبائن القلائل يأتون ولا تستمر أطول جلسة قهوة للزبون أكثر من نصف ساعة، فقط «حضرتنا» من هو ثابت، وكما أسلفت: فنجان يتبع فنجاناً! أثناء وقت جلوسي كان أحد عمال المقهى (من جنسية عربية)، هو من يحضر لي القهوة، مع «عشرة» القهوة بدأت بعض الحوارات القصيرة بيني وبين النادل، الذي كان مهذبا ولم تفارقه ابتسامة الترحيب، في أحد الحوارات القصيرة أسر لي النادل المهذب بصوت هامس بأن الطاولة التي أجلس عليها، لها تسمية عند صاحب المقهى والعمال، وهو «طاولة صفية»! سألته: ما قصة صفية وهذه الطاولة؟ فبيّن أنها زبونة كانت تتردّد دائما على المقهى بشكل شبه يومي، اسمها صفية، وكانت لا تجلس سوى إلى هذه الطاولة، ومن كثر ترددها وجلوسها الدائم إلى الطاولة بالذات، فقد سميت هذه الطاولة باسمها! وبطبيعة هذا النوع من الحوارات، أكد لي النادل بكلمة تصاحبها ابتسامة معبّرة، أن عينيها جميلتان! واحترت بالنادل والقهوة والعينين الجميلتين، لا أعلم هل كان يتحدث عن الطاولة أم عن صفية، أو يتغنّى بعيني جميلة! ارتشفت آخر فنجان، وتصوّرت النادل إذا جاءت صفية ولم تجد طاولتها «فاضية». هل ستختار غيرها، أم سيطلب مني النادل إخلاء الطاولة، استحقاقا لجلوس العينين الجميلتين؟ الذي لم أفهمه: النادل عندما تحدث وكأنه عاشق هل تحدث بلغة نادل مقهى، أم بلغة عاشق؟.. شتان بين اللغتين، حتى الترجمة لا تنفع! بينما كان النادل يتحدث عن ذات العينين الجميلتين بحميمية وعشق (يبدو أنه نسي دوره كنادل وبدا دور العاشق!) تذكرت شاعر المرأة نزار قباني في إحدى قصائده، حيث قال: «عندما أشرب القهوة معك أشعر أن شجرة البن الأولى زرعت من أجلنا!»، هذا شعر نزار وليس شعري، أو شعر النادل، وإن تساوت الرؤى بين نزار والنادل.. للمقاهي حكايات وقصص، ولأيامها أيام، ولقهوتها ارتشاف.. ويا له من مقهى ونادل وعينين جميلتين! يوسف عوض العازمي

مشاركة :