لا عذر لمؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي بقلم: سلام سرحان

  • 4/20/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لن يكون هناك عذر لمعارضي البريكست في داخل بريطانيا وخارجها، بعد دعوة رئيسة الوزراء تيريزا ماي إلى إجراء انتخابات مبكرة، لتقدم لهم فرصة جديدة لإثبات العكس ودحض أوهام السياسات الشعبوية.العرب سلام سرحان [نُشر في 2017/04/20، العدد: 10608، ص(9)] قيل الكثير عن صدمة تصويت البريطانيين للانفصال عن الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016. وألقى مؤيدو البقاء في الاتحاد الأوروبي باللوم على الأكاذيب وتضليل البريطانيين بأوهام لا يمكن تحقيقها. وقال كثيرون إن مؤيدي البقاء وبينهم الأغلبية الساحقة من قطاعات الأعمال والمصارف والطبقة الوسطى لم يتوقعوا وجود هذا العدد الكبير من الانعزاليين والساخطين على العولمة وسياسات الهجرة والتقارب مع أوروبا، ولذلك لم يكن التصويت مرتفعا في معسكرهم وخاصة بين الشباب. لن يكون هناك عذر لمعارضي البريكست في داخل بريطانيا وخارجها، بعد دعوة رئيسة الوزراء تيريزا ماي إلى إجراء انتخابات مبكرة، لتقدم لهم فرصة جديدة لإثبات العكس ودحض أوهام السياسات الشعبوية. ضياع هذه الفرصة سيوجه ضربة قاضية لجميع احتمالات التراجع عن الانفصال، إذا ما فازت الأحزاب المؤيدة للبريكست بأغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات العامة في 8 يونيو المقبل. من المؤكد أن التصويت في الانتخابات العامة سيكون على البريكست فقط، وستضطر الأحزاب للإعلان عن مواقف وتعهدات واضحة من البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تبلغ نسبة التصويت هذه المرة مستويات غير مسبوقة ليس في بريطانيا فقط، بل وفي جميع أنحاء العالم. وستكون الانتخابات أحد أكبر الأحداث العالمية، بعد أن فجرت صدمة البريكست مخاوف عالمية واسعة لا تقف عند تهديد مستقبل بريطانيا بعد أن أدت إلى إيقاظ شبح السياسات الشعبوية التي تهدد مستقبل العالم. كيف يمكن أن نتخيل وقوف دول الاتحاد الأوروبي متفرجة هذه المرة بعد أن أدت نتائج الاستفتاء إلى تهديد مستقبل الاتحاد الأوروبي؟ كما أشعل موجة السياسات الشعبوية وأسقط الحجر الأول في دومينو امتد إلى الولايات المتحدة وأيقظ الحركات الانفصالية في الكثير من دول الاتحاد الأوروبي. وقد تفكر الصين واليابان ودول أخرى تخشى تصاعد السياسات الحمائية التي تهدد حركة التجارة العالمية، في التأثير في الانتخابات البريطانية التي ستكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل الاقتصاد العالمي. بل يمكن أن تحاول اليابان والصين والكثير من الدول الأخرى التأثير بكل ما تستطيع في نتائج الانتخابات المقبلة لحماية مستقبل استثماراتها في بريطانيا ومستقبل الاقتصاد العالمي. ويبدو من المؤكد أن تحشد جميع القوى التي صدمت بنتائج الاستفتاء طاقاتها هذه المرة للتأثير في الرأي العام. فالمؤسسات الاقتصادية والمصارف لن تقف مكتوفة الأيدي هذه المرة بعد أن تكشف لها الثمن الباهظ الذي ستدفعه في حال الطلاق مع الاتحاد الأوروبي. لن تقف حتى شركات السيارات الكبرى وستدخل الحملات الانتخابية لتوضيح تأييدها للبقاء في الاتحاد الأوروبي لحماية الاستثمارات الكبيرة التي وضعتها في بريطانيا بغرض تصدير منتجاتها إلى أوروبا. وستدخل المصارف الكبرى التي تتخذ من لندن مقرا لتأييد الأحزاب الرافضة للانفصال عن الاتحاد الأوروبي كي لا تفقد جواز الدخول المالي إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، ولكي تتجنب التكاليف الباهظة لنقل مقراتها إلى داخل الاتحاد الأوروبي. في الاستفتاء الماضي كانت نسبة التصويت الأدنى بين الشباب الرافضين في الغالب للانفصال، والذين عبروا بعد ذلك عن رفضهم للبريكست. لذلك من المرجح أن يكون إقبالهم كبيرا هذه المرة وسيدقون جميع الأبواب لإقناع الناخبين الموهومين. من المتوقع أن تحدث الانتخابات زلازل في الولاءات الحزبية ونوايا التصويت، ولن يكون الناخبون معنيين بأي سياسات أخرى باستثناء موقف الأحزاب من البريكست. معظم مؤيدي حزب المحافظين مثلا هم من الأثرياء والطبقة الوسطى الرافضة للانفصال، ولذلك فإنهم قد يتحولون للتصويت للأحزاب الرافضة للبريكست، مثلما حدث في الانتخابات الفرعية في مقاطعة ريتشموند معقل حزب المحافظين، حين صوتت الأغلبية الساحقة لحزب الديمقراطيين الأحرار، لتعاقب حزب المحافظين على موقفه من الانفصال. من الواضح أن رئيسة الوزراء البريطانية أجبرت على اتخاذ هذه الخطوة المبكرة بعد الرفض الذي أبداه زعماء الاتحاد الأوروبي لأي مساومة بشأن حقوق دخول السوق الأوروبية الموحدة. كان زعماء الاتحاد الأوروبي مجبرين على منع خروج بريطانيا بيسر وسهولة دون التعرض لكارثة اقتصادية والإصرار على معاقبة لندن لتكون عبرة لجميع الانفصاليين، بسبب خشيتهم من أن يؤدي ذلك إلى تفكك الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو وتبعات هائلة على الاقتصاد العالمي. لم تجد تيريزا ماي مفرا من الدعوة لانتخابات عامة لأن رصيدها السياسي لا يكفي لاتخاذ خطوة تكون لها تبعات كبيرة على الاقتصاد البريطاني، بل ووحدة أراضي المملكة المتحدة وهي التي حلت محل ديفيد كاميرون في رئاسة الوزراء دون تفويض شعبي. ستحتدم الحملات الانتخابية في الأسابيع المقبلة بعد أن تبخرت أوهام الانفصال وبدا واضحا أن الانفصال سيؤدي إلى انفصال اسكتلندا وأيرلندا الشمالية وموت مقاطعة جبل طارق إذا ما أغلقت إسبانيا حدودها معها. وقد يتبع ذلك تململ ويلز والمطالبة بالانفصال أيضا، لتبقى لندن عاصمة لإنكلترا فقط. كما أن الانفصال يمكن أن يؤدي إلى موت حي المال في لندن وحدوث أزمة اقتصادية طاحنة، من بين أوجهها، خلو ما يصل إلى مليون وحدة عقارية من المكاتب والوحدات السكنية، لتتحول أحياء بكاملها إلى مدن أشباح، وسيتبع ذلك حتما انهيار غير مسبوق في أسعار العقارات. لم يكن الانقلاب على نتائج الاستفتاء استنادا إلى العواقب المتوقعة ممكنا، لأنه يمكن أن يؤدي إلى انقسام واضطرابات هائلة في الشارع البريطاني قد تؤدي لانهيار البلاد. ولم يكن بالإمكان إجبار فريق فائز على التنازل دون مبررات ملموسة. هذه الانتخابات ستكون الاستفتاء الحقيقي، وستتجه أنظار العالم إلى بريطانيا مرة أخرى، بل ستمتد أصابعهم للتأثير في نوايا التصويت لأن بريطانيا التي أسقطت أول حجر من دومينو الانحدار نحو الشعبوية وانتخاباتها المقبلة يمكن أن توقف ذلك الانحدار. إنه تصويت على مستقبل بريطانيا وأوروبا والعالم. وسوف تكشف الأحزاب عن مواقف صريحة وواضحة من البريكست. وقد ينشطر بعضها أو تظهر أحزاب جديدة وفقا لتوقعات موقف البريطانيين من البريكست. ستتبلور خلال الأسابيع الخمسة المقبلة جميع الملفات وتلقي بثقلها على الرأي العام، الذي من المرجّح أن يشهد تغييرات كبيرة تجبر البريطانيين على مراجعة موقفهم من الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. كاتب عراقيسلام سرحان

مشاركة :