جندت الحكومة الجزائرية الآلاف من أئمة المساجد اليوم بمناسبة صلاة الجمعة، من أجل مناشدة الملايين المسجلين في اللائحة الانتخابية، ودعوتهم للتصويت بكثافة في الاستحقاق البرلماني المرتقب يوم 4 مايو (أيار) المقبل، وشددت على الخطباء بمواجهة أحزاب معارضة تدعو لمقاطعة الانتخابات بحجة أنها محسومة النتيجة لصالح الأحزاب الموالية للسلطة. وتلقى مديرو الشؤون الدينية والأوقاف بالولايات الـ48 تعليمات صارمة من طرف وزير القطاع محمد عيسى، طلب منهم توزيعها على كل أئمة المساجد المطالبين بدورهم بتبليغ مضمونها للمصلين اليوم الجمعة. وجاء في الأوامر المكتوبة (تملك «الشرق الأوسط» نسخا منها) أن «الدعوات التي يطلقها هؤلاء وأولئك في مختلف الفضاءات لمقاطعة الانتخابات التشريعية، ستلقى بلا شك من فرسان المنابر سادتنا الأئمة العلماء، المواجهة العلمية الشرعية». ولم يذكر وزير الشؤون الدينية من يقصد بـ«هؤلاء وأولئك»، لكن يفهم بأن الكلام موجه لحزبين معارضين أعلنا عدم المشاركة في المعترك الانتخابي، هما «طلائع الحريات» بقيادة رئيس الحكومة سابقا علي بن فليس، و«جيل جديد» (ليبرالي) برئاسة الطبيب سفيان جيلالي. وإذا كان الأول اكتفى بالتعبير عن موقفه الرافض للانتخابات، فالثاني يشن حملة في الميدان لحث الجزائريين على عدم التوجه إلى صناديق الاقتراع. وهذا النشاط يثير حفيظة الحكومة، بخاصة وزيري الداخلية والشؤون الدينية. وذكرت الوثيقة التي تلقاها الأئمة أول من أمس بأن الجزائر «تعيش ظروفا حساسة ومحطة تاريخية حاسمة، لذلك نهيب بالسادة الأئمة أن يضمّنوا خطبة الجمعة الأبعاد الروحية، والمعاني الدينية والنصوص الشرعية التي تسهم في دعم استقرار الوطن وتنميته في هذه المرحلة». وطالبت أئمة المساجد بأن تتناول الخطبة «تعزيز الوطنية والمواطنة، كقيمة أخلاقية أصيلة في هدي الإسلام الحنيف»، و«التنبيه إلى خطر الفتنة، والوقاية من أسبابها، والتحذير من نتائجها، مع الإشارة إلى الشعوب التي تعاني منها»، والقصد هنا شعوب مجاورة اختارت تغيير النظام، فغرقت في الفوضى والحروب الأهلية، مثل ليبيا. غير أن السلطات في الجزائر لا تذكر مطلقا التجربة التونسية والانتقال السلس للسلطة فيها، في سياق التخويف من نماذج الربيع العربي الذي تمارسه، بل تركز دائما على البلدان التي عم فيها الخراب، حسب بعض المراقبين. كما ينبغي أن تتضمن الخطبة، حسب الوزير: «الدعوة إلى الوقوف ضد الأطراف المشبوهة، التي تهدف إلى تعطيل المسار الانتخابي، وحث الشعب الجزائري السيد على المشاركة الإيجابية الحرة في هذا المسار الوطني، استكمالا لكل الجهود والإصلاحات المبذولة في تنمية الوطن وخدمة المواطن». واللافت أن الأوامر المكتوبة تتضمن ألفاظا حادة ضد قطاع من المعارضة، مثل «الفتنة» و«الأطراف المشبوهة»، فضلا عن الحديث يوميا عن «مؤامرة والتربص بأمن واستقرار الجزائر» في خطاب المسؤولين الحكوميين. وعادة ما يستعمل هذا الخطاب من طرف «أحزاب الموالاة» ضد أحزاب المعارضة، كما يستعمل في بعض الأحيان من طرف بعض الوزراء، ممن لا يخفون خصومتهم مع دعاة مقاطعة الاستحقاق. وعلق ناشطون بشبكة التواصل الاجتماعي على هذه التعليمات بأنها «توظيف للأئمة والمساجد لأغراض السياسية»، علما بأن الحكومة تتعاطى بحساسية بالغة مع أي مسعى سياسي حزبي يتم فيه إقحام المؤسسة المسجدية، بحجة أن البلاد «اكتوت بنار الفتنة» خلال فترة الصراع مع الإسلاميين المسلحين في تسعينات القرن الماضي. ويحظر قانون الانتخابات الزج بالمسجد في المواعيد الانتخابية؛ إذ تقول المادة «184» منه إنه «يمنع استعمال أماكن العبادة والمؤسسات والإدارات العمومية، ومؤسسات التعليم والتكوين، مهما كان نوعها أو انتماؤها، لأغراض الدعاية الانتخابية بأي شكل من الأشكال». وقال رئيس الوزراء عبد المالك سلال، أول من أمس، خلال زيارته لمدينة وهران (غرب) إن «المشاركة الواسعة في الانتخابات المقبلة، بمثابة تقوية للحس الوطني وتحصين لاستقرار البلاد، وهي أيضا تعبير عن وعي ومساهمة مهمة في مسيرة الأمة، التي يتعين على الجميع المشاركة فيها بكل مسؤولية وجدية». وبرأي سلال، فإن «الخيار في هذه الاستحقاقات سيكون على أساس المفاضلة بين البرامج والتشكيلات السياسية، وكذلك الإنجازات»، كما أشاد بمشاريع التنمية التي أنجزت بوهران خلال فترة حكم بوتفليقة، بقوله إن «التنمية في وهران تعد تجسيدا ميدانيا لمفهوم الحصيلة الإيجابية، وتحقيق الوعود والالتزامات.
مشاركة :