إيمان عطية| يواجه الاقتصاد العالمي كثيراً من التهديدات، لكن الأمن أو المخاطر الجيوسياسية، ربما هي الأكثر عمقا. لقد كانت الحرب العالمية هي التي أنهت الحقبة العظيمة الأولى من العولمة في عام 1914. ونجد اليوم بعض أوجه التشابه مع حقبة ما قبل عام 1914؛ إذ يبدو أن العولمة تثير ردود فعل غاضبة بسبب التغيّرات التي أدخلتها على النظامين الاجتماعي والاقتصادي، وجاء في تحليل لمجلة إيكونوميست ما يلي: أن القضايا الأمنية مشحونة بمخاطر عدة في الوقت الراهن، حيث كشف الهجوم الكيماوي في سوريا عن الانقسام الإيديولوجي في الأمم المتحدة. لكنها ليست سوريا فقط. إذ يبدو العالم غير قادر أيضا على التعامل مع تجاوزات الدكتاتورية في كوريا الشمالية، وما يحدث فيها من اغتيالات وإطلاق للصواريخ. العجز الآن يذكر بمرحلة الثلاثينات عندما أثبتت عصبة الأمم، الأمل الكبير للتعاون الأمني في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أنها غير فعالة في مواجهة العدوان الياباني والألماني والإيطالي. فرضت العقوبات بعد غزو إيطاليا للحبشة، لكن بفتور وبطريقة غير فعالة ما قوض مصداقية عصبة الأمم. كانت المشكلة الأساسية هي أن القوة العسكرية السائدة في تلك الفترة وهي الولايات المتحدة، رفضت الانضمام إلى عصبة الأمم، في حين أصيبت بريطانيا وفرنسا بصدمة شديدة بسبب الحرب العظمى لدرجة لم تجعل منهما قادرتين على التفكير في عمل عسكري، بينما كانت ألمانيا واليابان عازمتين على الإخلال بالنظام القائم. وفي النهاية، أدى عدم القدرة على احتواء ألمانيا واليابان إلى حدوث كارثة على العالم. لدينا شيء مماثل اليوم. إذ عانت أميركا من فشلها في إقامة دول مستقرة في العراق وأفغانستان، ولا تملك أوروبا أي شهية تقريبا للمشاركة عسكريا، بينما تحرص روسيا والصين على الإخلال بالنظام القائم (وهذه الأخيرة هي أكثر تحفظا من السابق، لكنها لا تزال تريد تأكيد حقوقها في بحر الصين الجنوبي). الاقتصاد يلعب دورا في خلق هذه المشاكل، بطبيعة الحال. ففي الثلاثينات، كانت ألمانيا واليابان حريصتين على توسيع حدودهما للوصول إلى الموارد. والحرب جعلت الدول تدرك أن اقتصاداتها تعتمد الآن على النفط، الأمر الذي وضع منطقة الشرق الأوسط بنزاعاتها الدينية في طليعة الشؤون العالمية. وكانت الصراعات خلال الحرب الباردة تحت السيطرة ربما لأن كوريا وفيتنام لم تمثلا مصلحة اقتصادية حيوية لأميركا أو للاتحاد السوفيتي. والواقع أن كلا من الاتحاد السوفيتي والصين كانا منفصلين إلى حد كبير عن الاقتصادات الغربية. والآن بعد أن أصبح كلا البلدين جزءا من الاقتصاد المعولم، ازدادت احتمالات وقوع اشتباكات. هذه النزاعات الاقتصادية لا تجعل من السهل حل المشاكل الجيوسياسية، ليس أقلها لأن سوريا وكوريا الشمالية تعتبران ضمن نطاق النفوذ الروسي والصيني. لذلك، ليس من المستغرب أن تتردد الحكومات الغربية في اللجوء إلى خيارات حاسمة، لأن من الصعب للغاية حل هذه المشاكل الأمنية. لقد جرى انتقاد باراك أوباما بسبب الإشارة إلى «خط أحمر» في ما يتعلّق بالأسلحة الكيماوية في سوريا في عام 2013 والفشل في التصرف، عندما تم تجاوز ذلك الخط الأحمر. الآن تتحدث إدارة ترامب أيضا عن «الخطوط الحمراء»، لكن التدخل أصعب من ذي قبل. وقصف سوريا يضر ولا يفيد السكان. كما أن هزيمة بشار الأسد قد تجلب نظاما إسلاميا أصوليا إلى السلطة، وخلق نوع من «منطقة حظر الطيران» يهدّد بوقوع تصادم مع القوة الجوية الروسية. وفي كوريا الشمالية، العقوبات قائمة بالفعل، وأي نوع من النشاط العسكري يهدّد بوقوع حرب في شبه الجزيرة الكورية وانقطاع كامل للعلاقات مع الصين. لذلك يجب على السياسيين الغربيين أن يسألوا أنفسهم: ما الثمن الذي قد يكون مقبولا عند الناخبين لكي نتدخّل في هذا الوضع؟ والجواب الذي يسمعونه: «ليس كثيرا». ربما يكون ترامب مختلفا، ويتجاهل الرأي العام، ويستعمل لغة أكثر عدوانية. ففي الأول من فبراير وضعت الإدارة الأميركية إيران تحت الملاحظة. كما صرح ترامب لصحيفة فايننشال تايمز، قائلا «حسنا، إذا كانت الصين لن تحل مشكلة كوريا الشمالية، فنحن سنقوم بذلك». وفي 5 مارس، قالت نيكي هالي، السفيرة الأميركية، للأمم المتحدة: «عندما تفشل الأمم المتحدة باستمرار في أداء واجبها بشكل جماعي، تضطر أحيانا الدول إلى التصرف وحدها». ولعل هذا شبيه بتهديد أحد الوالدين المرهقين لطفلهما الصغير «سأعد حتى ثلاثة، فإذا لم تفعل ما طلبته منك، فستواجه متاعب» من دون تحديد ما هي تلك المتاعب. لكن هناك احتمالين فقط، كلاهما ليس بالأمر الجيد للاقتصاد العالمي. الأول هو أن أميركا تخطط فعلا لاتخاذ إجراءات حاسمة، وأن تتجه إلى صراع في الشرق الأوسط أو آسيا في وقت قصير. والثاني هو أن يكون مجرد خطاب أجوف وفارغ، وأن تتشجع الدول المتمردة على الإقدام على إجراءات أكبر لزعزعة النظام الدولي، كروسيا في البلطيق، على سبيل المثال. وفي كل الأحوال تتزايد المخاطر بوتيرة سريعة.
مشاركة :