قال الشيخ د. هشام الرميثي في خطبة الجمعة إن من أشدِّ المظاهر التي تمر بها الانسانية جمعاء وأشد فتكًا بالإنسان، ومن أرذلها مسْلكًا، ومن أقبحها موْردًا، ومن أعنفها تأثيرًا في الحياة الإنسانية بصورة عامة: ظاهرةَ الظلم، سواء كان الظلم في حقوق الله تعالى، من وجوب إخلاص العبادة له وحده جلَّ شأنُهُ، والخلوص من الشرك، كما قال سبحانه وتعالى: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»، أو كان الظلم بين الناس، بتعدي بعضهم على بعض في الحقوق والواجبات، كما قال الله تعالى: «إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ»، أو كان الظلمُ بين العبد وبين نفسه، كما قال الله تعالى: «فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ». فكل صور الظلم محرمةٌ على العباد، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: قال الله تعالى: (يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّمًا فلا تَظالموا). إنَّ منشأَ الظلم من أصل الأمر: ظلمةٌ في القلب، تُعمي صاحِبَهَا عن استبصار الحق، وإدراك العواقب، وتدفعُهُ إلى التمادي في الباطل فلا يجد في نفسه وازعًا يُوقظُهُ، ولا يجد من المجتمع رادعًا يقمَعُهُ ولهذا غالبًا ما يقعُ الظلمُ على الضعفاء والمساكين، الذين لا يجدون مالاً يدفعون به عن أنفسهم، ولا يجدون من قوى المجتمع ما يحميهم من الظلم، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم محذرًا المجتمع المسلم »إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعُمَّهم الله بعقاب منه«، وقال أيضًا: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إن كان ظالمًا كيف أنصرهُ؟ قال: تحجُزُهُ أو تمنعهُ عن الظلم فإن ذلك نصْرُهُ». إن انتشار الظلم الاجتماعي لا يبرر للناس التظالم، وإنما للمظلوم أن يدفع عنه الظلمَ ما استطاع بغير تعدٍّ، فإن لم يستطع فليعلم أنَّه منصور، وأن الله تعالى لن يخذله، وفي الحديث: «ثلاثةٌ لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمامُ العادلُ، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين». كما أن صبره على الظلم في غير ذلةٍ لا يزيدُهُ عند ربه إلا عزًّا، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ أُقسم عليهن وأحدِّثكم حديثًا فاحفظوه، قال: فأما الثلاثُ التي أقسم عليهن: فإنه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظُلم عبد بمظلمةٍ فيصبرُ عليها إلا زاده اللهُ عز وجل بها عزًّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر». فاحذروا أن يصدر منكم ظلم ولو لحيوان، ففي الحديث: «دخلت امرأةٌ النار في هِرَّة حبسَتها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض». إنَّ قضيةَ الظلم لا تنتهي بزوال هذه الحياة وانقضائها، وإنما هي أرصدةٌ مدخرةٌ لأصحابها، يُوفَّوَن بها يوم القيامة، في صحائف لا تغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصتها، فيأتي الرجل يومَ القيامةِ فيرى من بياض صحيفته، ونقائها ما يظنُّ معه أنَّه ناجٍ من العذاب، فإذا بمظالم بني آدَمَ تتكالبُ عليه من كلِّ صوب، فهذا يُطالبه بمال، وهذا يطالبُهُ بعرض، وهذا يطالبه بدم. فما يمضي عليه الحسابُ إلا عادَ مفْلسًا من كلِّ خير، محمَّلاً بأوزار العباد، لا يعرف منها خلاصًا.
مشاركة :