حتمية التغيير وتحديات الواقع

  • 4/23/2017
  • 00:00
  • 30
  • 0
  • 0
news-picture

الأمر الذي لا يقبل الجدال هو أن التغيير يتوالى عبر الأزمنة والعصور، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الوقوف في وجهه مهما بلغت قوة التحديات وشراستها، ولم يعد هناك من شك بأنه (ما بين غمضة عين وانتباهتها.. يغير الله من حال إلى حال) وإذا استثنينا الثوابت الدينية، فإن التغيير يطال كل شيء، في العادات والتقاليد والتصرفات والآراء والمعتقدات الفكرية، وهو تغيير خاضع لظروف عديدة مؤثرة، وأهمها الظروف الاقتصادية التي تشكل عاملًا حاسمًا في مسار الحياة العامة، وهذه الظروف قد تكون ضاغطة في اتجاه التغيير، وقد تكون ميسِرة له، فهو لا يفرق بين الشعوب الفقيرة أو الشعوب الغنية؛ لأنه سنة كونية تتعدى التفكير المرتهن بالماضي، والمنجرف مع تياراته العاتية، وإلى جانب ذلك هناك التطور الحضاري الذي وصلت إليه البشرية في تقدمها العلمي وانتصاراتها التقنية في مجالات ذات صلة مباشرة بحياة الناس ووسائل عيشهم وأنماط تفكيرهم، فلم يعد التغيير مجرد رغبة في تسريع إيقاع التنمية، بل هو ضرورة حتمية يفرضها التاريخ وتستجيب لها إرادة البشر في تحسين أوضاعهم، وتسهيل أمور حياتهم. الوقوف في وجه التغيير أمر متوقع، فهناك من يتعارض هذا التغيير مع مصالحهم كالفئات المستفيدة من عدم التغيير، أو يتناقض مع مواقفهم التي يستمدون منها قوتهم، أو يقضي على مكاسبهم وامتيازاتهم الشخصية التي تعودوا عليها، لكن التاريخ يقول إن من يقف في وجه التغيير سيجد نفسه ملزما في النهاية بالخضوع له. ولعل أهم تحديات الواقع لأي تغيير هو نمط الحياة التي استقر عليها المجتمع عبر قرون، بما في ذلك من عادات وتقاليد ومعتقدات وأفكار لم تعد قادرة على مجاراة واستيعاب المستجدات، خاصة إذا انبرى للدفاع عنها أصحاب العقول المغلفة بتجاهل ما حولها من مستجدات، والموغلة في حبها للموروث بحذافيره، دون التفكير في تخليص هذا الموروث من الشوائب التي علقت به عبر قرون تخللها الجهل والابتعاد عن الدين، وحكمتها الخرافات والمعتقدات الخاطئة والمنافية للتفكير السوي والفطرة السليمة، التي خلق الله الناس عليها. وإذا قلنا إن التغيير قادم لا مفر منه، فهذا لا يعني التسليم بما هو قار في المجتمع، بانتظار حتمية التغيير، بل لابد من السعي إليه وفق منظور حضاري ينسجم بما هي عليه روح العصر ومقتضيات الحياة، والانسجام مع المستجدات التي يشهدها العالم، دون التخلي عن الهوية بالذوبان في الثقافات الأخرى، ووسيلة التغيير الناجح هي الانتخاب الإيجابي لكل ما يضمن العيش الكريم للإنسان، ويصون حريته، ويحمي إنسانيته من عبث العابثين.

مشاركة :