بعد مواسم متتالية من الجفاف، بدأ المزارعون والتجار والمستهلكون في شرق وجنوب إفريقيا يشعرون بأثره على المحاصيل وسبل العيش، ولكن بدلاً من توجيه الأموال لمواجهة الأزمة الغذائية والمائية المقبلة، قررت أكثر من دولة إفريقية الاستثمار في الأبحاث الفضائية لهدفين؛ الأول الإنماء الاقتصادي والثاني التجسس العسكري. إذ انضمت أثيوبيا في شهر يناير/كانون الثاني إلى رِكاب الدول التي قررت النظر عالياً إلى السماء وامتلاك مساحة بسيطة من مدار الأرض لأهداف معلنة وغير معلنة. وأعلنت وزارة العلوم والتكنولوجيا أنها ستطلق قمراً اصطناعياً إلى مدار الأرض خلال 5 سنوات، بهدف تطوير نظم مراقبة الأحوال الجوية. ويأتي هذا الإعلان الرسمي بعد عامين من استثمار القطاع الخاص عام 2015 ملايين الدولارات لتشييد مرصد فلكي على تلال أنتوتو المطلة على العاصمة أديس أبابا، وهو المرصد الوحيد من نوعه في المنطقة. طموحات أثيوبيا الفلكية أثارت موجة من الاعتراضات في دولة تشكو من شبح الجفاف وغياب العديد من أساسيات الحياة، لكن على ما يبدو فإن الطموحات الفلكية أكبر من أن يوقفها أحد. وقال أبينيت إزرا من جمعية علوم الفضاء الإثيوبية لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية: "يقولون إننا مجانين؛ لأنهم يعتقدون أننا فقط نستكشف الفضاء الخارجي ونحدق في النجوم، لكنهم لا يستطيعون رؤية الصورة الأكبر". الصورة الأكبر هي بكل بساطة إدراك الدول الإفريقية أهمية توظيف التكنولوجيا الفضائية للتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل، وحتى التطلعات العسكرية. فالعديد من هذه الدول تفتقر إلى الخبرة البشرية أو رأس المال لتمويل هذه المشاريع. ولكن بالنسبة لتلك التي بدأت بها، فإن المعلومات المستمدة من الأقمار الاصطناعية ستساعد في تحسين الزراعة وحماية الغابات الاستوائية من خطر الإزالة ومراقبة التغيرات المناخية، وتحسين التعامل مع الكوارث الطبيعية، فضلاً عن توفير الإنترنت للمجتمعات الريفية. ويمكن لهذه الاستثمارات أن تعوّض أيضاً التكاليف الطويلة الأجل لشراء وصيانة الأقمار من الحكومات الأجنبية. ولكن السباق إلى الفضاء يعني أيضاً القدرة على توسيع رقعة السيطرة العسكرية، لا سيما في البلدان التي ترغب في نشر هذه الأدوات المتقدمة لأغراض الأمن وجمع المعلومات الاستخباراتية. وفي حالة إثيوبيا، لم توضح الحكومة ما إذا كان قمرها سيُستخدم لأغراض عسكرية أو استخباراتية. وقد حاولت الدول الإفريقية الوصول إلى السماء بطريقة أو بأخرى لعقود. ففي عام 1964، أطلق أستاذ بمدرسة زامبيا، يدعى إدوارد موكوكا نكولوسو، أول برنامج فضاء في القارة. وكان أحد جهوده العقيمة وضع طلابه في براميل زيت، ودحرجتها إلى أسفل تلة لمحاكاة ظروف انعدام الوزن على سطح القمر.جنوب إفريقيا وبالفعل، قامت عدة بلدان إفريقية بصناعة الأقمار وإطلاقها وتشغيلها منذ ذلك الحين؛ إذ أطلقت جنوب إفريقيا أول قمر صناعي لها عام 1999، وأنشأت وكالة الفضاء الوطنية في عام 2010. وأصبح رجل الأعمال مارك شاتلوورث أول إفريقي يزور الفضاء عندما دفع للمشاركة في رحلة فضائية روسية إلى محطة الفضاء الدولية في عام 2002. كما أنشأت جنوب إفريقيا فرعاً للاتحاد الفلكي الدولي، الذي يستخدم علم الفلك كأداة للتعليم والتنمية، فضلاً عن مشروع لتطوير أكبر تلسكوب لا سلكي في العالم بالتعاون مع أستراليا و8 بلدان إفريقية أخرى. وفي الآونة الأخيرة، تسبب برنامج مشترك بين جنوب إفريقيا وروسيا في جدل كبير؛ إذ تمحور حول إطلاق قمر اصطناعي، بهدف مساعدة الجيش على جمع صور ترصدها الردارات ليلاً ونهاراً في جميع الأحوال الجوية.نيجيريا وكينيا بدورها، استخدمت وكالة الفضاء النيجيرية الأقمار الاصطناعية لمساعدة الأجهزة الأمنية في تحديد موقع متمردي منظمة "بوكو حرام" ومراقبة منطقة دلتا النيجر المتقلبة. وتطمح إلى إرسال رائد فضاء بحلول عام 2030. وأعلنت كينيا، التي أطلقت أول قمر اصطناعي لها في عام 1970، عن خطط في عام 2015 لإنشاء مركز فضائي يهدف إلى تعزيز أهدافها الإنمائية. وفي عام 2013، اكتشفت الدولة عن طريق الأقمار الاصطناعية خزانيْن للمياه الجوفية، يمكن أن يمداها بالمياه لمدة 70 عاماً. وفي الواقع، فإن هذه التكنولوجيات الفضائية المتقدمة قد تفيد إلى حد كبير في تزويد العلماء الأفارقة ببيانات لحل مشاكل القارة اليومية. ولكن العواقب غير المواتية تشمل قدرة الحكومات على جمع المعلومات الاستخباراتية من المواطنين، أو حتى إيقاف الاتصال بالإنترنت والهاتف عند الحاجة. كما أن الأقمار نفسها قد تؤدي إلى تفاقم النزاعات الجيوسياسية، كما حصل عندما رصدت مصر بناء سد إثيوبي كهرمائي يمكن أن يقلل من إمدادات مياه النيل. وتدعو الاستراتيجية الفضائية الإفريقية، التي اعتمدها الاتحاد الإفريقي في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، إلى وضع إطار قانوني لإدارة برنامج قاري للفضاء الخارجي، وزيادة الوعي بشأن دور العلوم وتكنولوجيا الفضاء في تحسين الحياة وخلق الثروات. وسيتعين على الدول الإفريقية أن تقرر ما إذا كانت ستستخدم هذه التكنولوجيات لتمكين مواطنيها واقتصاداتها أو السيطرة عليها.
مشاركة :