سباق مع الزمن للقضاء على الفقر المدقع

  • 1/26/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تخيل أنك في سباق، تجري بوتيرة مطردة في الثلثين الأولين من السباق، ثم لاحظت أن خطواتك تتباطأ، وأدركت أنك إذا لم تغير وتيرة خطاك، فلن تفوز، بل قد لا تستطيع إكمال السباق. إنني أجد هذا المثال منطبقا على الوضع القائم حينما أتحدث مع أسرتي وأصدقائي عن موضوع الحد من الفقر المدقع في العالم؛ فمع دخولنا عام 2020، لم يبق أمامنا سوى عشرة أعوام لنجعل الفقر المدقع صفحة من الماضي، ومع أن هذا يأتي في وقت ينبغي لنا فيه حث الخطى، فإن وتيرة خطانا تباطأت في الأعوام القليلة الماضية، وعليه فإن العالم قد يفوته بلوغ أهداف الحد من الفقر المدقع، ليس هذا فحسب، فنحن نشهد، في بعض الحالات، ضياع ما تحقق من مكاسب. ونحن نحذر منذ عدة أعوام من أن وتيرة جهود الحد من الفقر المدقع قد تباطأت كثيرا؛ ففي الفترة من 1990 إلى 2015، انحسر معدل الفقر المدقع في العالم في المتوسط بمقدار نقطة مئوية، لكن في الفترة من 2013 إلى 2015، انخفض معدل الفقر بمقدار 0.6 نقطة مئوية فقط سنويا، وتظهر التقديرات الأولية لعام 2018 أن معدل الفقر المدقع انخفض بمقدار 1.4 نقطة مئوية فقط في الأعوام الثلاثة بين 2015 و2018. ويمكن الإشارة في هذا الشأن إلى التفاوت فيما تحقق من تقدم بين المناطق وفي الدول. وفي عام 1990، كانت شرق آسيا والمحيط الهادئ، وجنوب آسيا المنطقتين اللتين يوجد فيهما أكبر عدد من الفقراء، إذ بلغ نصيبهما 80 في المائة من الفقراء فقرا مدقعا، ومع التراجع السريع لمعدل الفقر في الصين، انتقلت بؤرة تركز فقراء العالم من شرق آسيا في تسعينيات القرن الماضي إلى جنوب آسيا في عام 2002، ثم إلى إفريقيا جنوب الصحراء في 2010. وإذا ألقينا نظرة أعمق، فسنجد أن نصف فقراء العالم يعيشون في خمس دول فحسب، هي الهند ونيجيريا والكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وبنجلادش، وعلى رأس هذه المجموعة تأتي نيجيريا والهند اللتان تتباين فيهما أوضاع الفقراء، ويبدو أن نيجيريا تخطت بالفعل الهند لتصبح الدولة التي يعيش فيها معظم الفقراء فقرا مدقعا، أما الهند فتشهد تراجعا سريعا لمعدلات الفقر المدقع، وتتنبأ التقديرات بأن هذه الدولة يمكنها تحقيق هدف القضاء على الفقر المدقع. وتظهر التوقعات لنا أن المرحلة الأخيرة في السعي نحو الحد من الفقر ستكون أصعب المراحل، لأن الفقر المدقع بدأ يتركز في إفريقيا جنوب الصحراء وفي الاقتصادات الهشة، وهي مناطق بات الفقر مترسخا فيها. لذلك، سنطلق في عام 2020 تقريرا جديدا بعنوان "الفقر والرخاء المشترك" وهو تقرير جديد سيتناول ما يجب على الدول القيام به لتسريع خطى الحد من الفقر، مع التركيز على خيارات السياسات وتحديات التنفيذ، وسيبين لنا التقرير أيضا - استنادا إلى أحدث البيانات - هل العالم على المسار الصحيح المؤدي إلى القضاء على الفقر المدقع، أم أنه يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لتصحيح المسار؟ ومع أن التقرير سيناقش خيارات معينة على صعيد السياسات للخلاص من ربقة الفقر، فإننا نعلم أيضا من التجارب الناجحة للدول بعض اللبنات المشتركة للحد من الفقر، وتبرز ستة إجراءات عريضة على صعيد السياسات، ثبت أنها فعالة في دول مختلفة تتفاوت مستوياتها من حيث التنمية: - مساعدة الفقراء على بناء أصول مثل العقارات، ومنشآت الأعمال الصغيرة، واكتساب قسط وافر من الصحة والتعليم، يمكنهم من أن يصبحوا عمالا منتجين. - إيجاد الأسواق الشاملة وتيسير الوصول إليها. - الاستفادة من مبتكرات التكنولوجيا في زيادة إمكانية الحصول على التمويل. - بناء الصمود والقدرة على مجابهة الصدمات. - إشراك القطاع الخاص في جهود زيادة الفرص أمام الفقراء، ومن ذلك تحسين مناخ الأعمال من أجل نمو القطاع الخاص والاستثمار. - تقوية استقرار الاقتصاد الكلي وإدارة الديون. ومن نافلة القول، إنه حتى تستطيع الدول تصميم هذه التدخلات على صعيد السياسات يتعين عليها تحقيق نمو قوي ومستقر، غير أنه إذا لم يتم تقاسم منافع هذا النمو على نطاق واسع، فما من دولة يمكنها الحفاظ على ما يحقق من تقدم. ونحن نعلم الآن أن الدول التي تعاني فجوة آخذة في الاتساع بين القادرين على الحصول على فرص في الحياة والمحرومين منها تجد صعوبة في تحقيق استدامة النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي بمرور الوقت، وإلى الآن، لم تتمكن أي دولة من تجاوز مستوى الشريحة متوسطة الدخل في ظل ارتفاع مستويات التفاوت وعدم المساواة، ولذلك، فإن التحرك لمعالجة التفاوتات لا يفيد في الحد من الفقر فحسب، لكنه يضمن أيضا تحقيق الانسجام والتماسك الاجتماعي. وعودة إلى المثال الذي ضربته عن سباق الجري، فإننا ندخل المرحلة الأخيرة من السباق، وستحدد إجراءاتنا الجماعية هل يمكننا الوصول إلى خط النهاية والفوز بالسباق أم لا بحلول عام 2030؟ ولا شك أن الفقر المدقع ليس هو الهدف الوحيد الذي سيتم تقييم مساعي العالم بشأنه؛ فعام 2030 سيمثل أيضا ذروة السعي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ16 الأخرى التي تبنتها الأمم المتحدة. ومن معالجة التفاوت وعدم المساواة إلى مكافحة تغير المناخ، تستدعي هذه الأهداف إطلاق نداء عاجل للتحرك واتخاذ إجراءات تكفل بناء مستقبل أفضل للجميع، وعلينا الآن جميعا ــ حكومات، ومؤسسات أعمال ومجتمع مدني وعامة الناس ــ العمل جاهدين لتحقيق الرخاء والسلام للشعوب وللكوكب الذي نعيش فيه.

مشاركة :