لكل مقام مقال..!

  • 4/23/2017
  • 00:00
  • 26
  • 0
  • 0
news-picture

في يوم الجمعة الموافق 7 من أبريل 2017، أرسلت الولايات المتحدة الأميركية 59 صاروخاً من طراز توماهوك لتقصف بها مطار الشعيرات العسكري في محافظة حمص بسوريا، بأمر مباشر من الرئيس دونالد ترامب وأيدت غالبية الدول، وفي مقدمتها الكويت، هذا الإجراء واعتبرته تصرفاً عادلاً إزاء أطفال أبرياء. فقد نشرت وكالات الأنباء في يوم الثلاثاء الرابع من أبريل صوراً وفيديوهات مقززة لأطفال أبرياء يتلوون ألماً من وقع الأسلحة الكيماوية التي ضربت بها منطقة خان شيخون، ورُجح أن من قام باستخدام هذه الأسلحة الكيماوية هو القوات الجوية السورية، ولهذا لاقى رد أميركا الناجز والعادل استحساناً من الدول المحبة للسلام، التي تؤمن بحق الطفل في الحياة حياة آمنة مطمئنة، ولهذا أثار الجميع منظر الأطفال الأبرياء العزل وهم يتلوون تحت وقع الأسلحة الكيماوية، والمسعفون يرشونهم بخراطيم المياه، لتخفيف بعض الألم الذي يعانونه. استفزت هذه الصورة كل من طالعها، لأنه تصور أن ابناً من أبنائه يمكن أن يتلقى مثل هذا الأذى البشع على يد أناس لا يرحمون، وكما قلنا إن هذه الخطوة أيدها من أيد وعارضها من عارض، ولكن المغرضين أخذوا ينبشون في تاريخ ترامب، محاولين الاصطياد له بأي وسيلة من الوسائل فوجدوا تغريدة قديمة له، نشرها قبل أن يتولى الحكم، على تويتر يشجب فيها إقدام أميركا على تدخل سابق في سوريا، ويعيب فيها على أوباما أن يتخذ قراراً بهذا التدخل، وأرادوا بهذا أن يبينوا أن ترامب يكيل بمكيالين، فقد خالف القاعدة التي تقضي بأن من ينهي عن خلق لا يأتي مثله، فقد كان عليه أن يراجع نفسه قبل أن يأمر بضرب مطار الشعيرات، لأنه بذلك يقحم أميركا في أمر لا يخصها. والواقع أن هذا النقد ليس في محله، لأن لكل مقام مقالا، والثبات على الرأي ليس دائماً مطلوباً، بل إنه في بعض الأحوال يكون ضاراً، فلو ثبتنا على رأينا مع تغير الظروف لأصابنا الضرر، ولهذا فما انتقده ترامب قبل توليه السلطة لم يكن إجراء عادلاً اتخذ قصاصاً لأطفال عاجزين عن القصاص، وإنما انتقاده كان ينصب أساساً على أننا حين نحارب يجب أن نحارب الدول، ولا نحارب الرؤساء، فهو في رأيه أن التدخل في سوريا من أجل إزاحة بشار الأسد ليس من اختصاص أميركا، لكن هذا أبداً لا يمنع من أن يتدخل لإنصاف أطفال عزل من بطش جيش ظالم، فلو لم ينتصف المجتمع الدولي لهؤلاء الأطفال الأبرياء فمن إذن ينتصف لهم؟ إننا يجب أن نبعد السياسة عن الأمور الإنسانية، فالسياسة تجري دائماً وراء المصالح، فكل دولة تبحث عن مصلحتها وتتخذ القرار الذي يحقق تلك المصلحة، ولكن بحثها عن هذه المصلحة، لا يجب أن يلهيها عن الوقوف صفاً واحداً في وجه كل من يتعدى على الإنسانية، فمشاعر الإنسان أغلى بلا شك من المصالح، فإذا اختلفت الدول بعضها مع بعض حول الدفاع عن المصالح فإنها يجب ألا تتخلف أبداً عن الدفاع عن الإنسانية، وإلا أضحت الإنسانية يتيماً بلا عائل يدافع عنها، ولأصبح الأمر فوضى بحيث يجور الكبير على حقوق الصغير، ويلتهم القوي حقوق الفقير. فإذا كان ترامب قد هزه المشهد الأليم الذي وصفناه فتحرك تلقائياً بدافع إنساني وأعطى أمره بضرب المعتدي، فإنه لا يكون قد أخطأ ولا يجوز للإجراءات أن تقف حائلاً من دون الوصول إلى الحق حسبما نتعلمه ونعلمه في القانون، فلا وجه للقول إن التدخل الأميركي قد تم بغير إذن من مجلس الأمن أو أنه يتضمن خرقاً لميثاق الأمم المتحدة الذي حرّم الحرب إلا دفاعاً عن النفس أو رداً لاعتداء، فالسوابق تكشف لنا أن حوادث مماثلة هزت ضمير الإنسانية ولم يتحرك أحد بزعم أن مجلس الأمن لم يرخص بالتصدي لها وكان معروفاً سلفاً أن الولايات المتحدة لو لجأت لمجلس الأمن لتحصل على إذنه بالتدخل لوقف لها الفيتو بالمرصاد ولمنعها من الحصول على القرار المناسب ولذلك سلكت سلوكاً عملياً، فاكتفت بأن أخطرت روسيا بإقدامها على هذا العمل قبل إجرائه وبطبيعة الحال عرفت سوريا بهذا الأمر قبل وقوعه، ولذلك لم تقع أي إصابة في الأرواح عن هذه الضربة الموفقة..! المستشار عادل بطرس a.botrosfarag@gmail.com

مشاركة :