وسائل التواصل الاجتماعي إذ تهدِم جدراناً وتعلي أخرى

  • 4/24/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ليس غريباً أن تسمع أو تشاهد نقاشاً أو جدالاً في أي بيت أردني في العام 2017، يتناول مسألة تعلّق الأبناء بهواتفهم لساعات طويلة. إذ أضحت مسألة الانكفاء على الهاتف أو الآيباد أو الكومبيوتر المحمول ومجاراة الـ «السوشال ميديا» أمراً وصل إلى حد الظاهرة المرضية، وفق كثيرين. يشتكي آباء من أن أبنائهم يتعلقون بهواتفهم أكثر من تعلقهم بمحيطهم العائلي، في الوقت الذي ينتقد به أبناء عدم إدراك أو تفهّم هؤلاء الآباء للقفزات التكنولوجية التي واكبت نشوء هذا الجيل. حالة التنافر هذه (بين الآباء والأبناء ليست وليدة «السوشال ميديا»، بل إن هذا الأمر الحداثي ساهم في توسيع الفجوة الموجودة أصلاً بينهم. وفي هذا الصدد، يقول محمد سعيد (53 سنة) وهو أب لأربعة أبناء إنه غالباً ما يكون هناك فجوة بين الآباء والأبناء، وهذه الفجوة تُقدر بجيل، وأحياناً أكثر وفق فارق الاعمار ويوشح «ولكن جيلي، وتحديداً جيل ما فوق سن الخمسين، يشعر بفجوة أكبر مع الأبناء، بسبب القفزة التكنولوجية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي لم يتسن لجيلي اللحاق بها بالوتيرة نفسها». وعلى رغم ذلك - يتابع سعيد - أن نسبة مرتفعة من أبناء جيل يستخدم هذه الوسائط، لكن ارتباطه بها لا يزال محدوداً مقابل استمرارية الاعتماد على وسائط التواصل القديمة. ويتابع «وسائط التواصل الحديثة لم تصبح جزءاً من البنية الثقافية لجيلنا بينما هي العمود الفقري لثقافة جيل أبنائي، وهو ما يجعل الفجوة بيني وبينهم واسعة جداً، قد تكون ضعفاً أو أكثر من الفجوة التي كانت بيني وبين أبي». الى ذلك، يمضي الطالب بشار ذياب ذو الـ 19 ربيعاً ما لا يقل عن ست ساعات يومياً وهو يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي. ويقول ذياب لـ «الحياة» إن والده يوبخه دوماً على هذه الساعات الطويلة التي يمضيها وهو يمسك بهاتفه في عزلة شبه تامة عما يدور حوله. ويتابع «قام والدي ذات يوم بسحب هاتفي من يدي غضباً من انهماكي وتعلقي به». وفي السياق ذاته، يؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة حسين محادين لـ «الحياة» أن الحديث لا يستقيم عن هذه الفجوة، من دون الإشارة في شكل أساسي إلى طبيعة العلاقات الأسرية المتغيرة والتي أصبحت العنوان الأبرز في مؤسسة التنشئة الأولى، والتي تشكل مظلة جامعة لأفرادها كما يفترض. لكن الواقع التشخيصي يشير إلى ظهور طبائع جديدة لدى كل أفراد الأسرة وليس فقط اليافعين فيها، من حيث ضعف علاقاتهم التفاعلية المشتركة على رغم تشاركهم الحيّز الجغرافي نفسه والذي يسمى «البيت». ولعل العلاقة التي تربط الآباء بالأبناء كما يوضحها محادين أضحت علاقات منفعية أكثر من كونها علاقات تكافلية، أي أن الأبناء وبحكم اعتمادهم الطويل على إعالة آبائهم لهم، باتوا لا ينظرون الى أهلهم إلا وفق ما يوفرونه لهم. وفي الوقت نفسه، عملت التكتولوجيا بحسب محادين على خلق حيوات عديدة ضمن حياة البيت الواحد، ما جعل لكل واحد من أفراد الاسرة أولوياته الفردية، لا بل المساحة الخاصة به، من اختيار الأصدقاء والتفاعل مع الأخرين بصورة عابرة للعائلة والاقرباء والجغرافيا. وبذلك، أصبح بوسع من يتقن التعامل مع التكنولوجيا أن يدير منظومة علاقاته في شكل سهل ومباشر وبلا علم الأهل. فحتى حاجز اللغة التقليدي تم تجاوزه في مثل هذه العلاقات من خلال توافر نظام الترجمة الفوري، وعليه تبدو الأسرة كتنظيم أساس في أي مجتمع أمام تحديات عديدة أولها فكرة الزواج نفسها، وأصبحنا نلحظ أن خيارات الأبناء في الزواج تكون مختلفة تماماً عن تطلعات الآباء، نتيجة لسهولة بناء العلاقات السريعة ذات الكلفة المتدنية. وبناء على ما سبق فإن الصورة بين الأجيال أصبحت ذات مدى يصعب قياسه، وهو آخذ بالاتساع بوتيرة متسارعة بدأت بعيد التسعـــينات من القرن الماضي عندما أتاحت العولمة فرصاً كثيرة للأبناء لتحديث وتطوير رغباتهم مقارنة بما كان متاحاً في السابق حيث الآباء والأمهات هم المرجعية الأساسية، أما الآن فقد أصبح الشباب حراً طليقاً من قيود الآباء التقليدية في التربية. وفي السياق، يذكر أن دراسة لمؤسسة (Pew Research Center) البحثية صنفت الأردن في المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر نسبة عدد من يستخدمون منصات وشبكات التواصل الاجتماعي مقارنة بعدد مستخدمي الإنترنت عموماً. وأظهرت هذه الدراسة تفوق الأردن عندما احتل المرتبة الأولى في مؤشر نسبة عدد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي البالغين الى عدد مستخدمي الإنترنت، حيث بلغت النسبة في الأردن 90 في المئة. ووفق الدراسة نفسها، فإن أكثر شبكات التواصل الاجتماعي استخداماً في الأردن هي «فايسبوك، وانستغرام، وسنابشات، وتويتر، ولينكد إن» وغيرها. ووفقاً لأرقام رسمية محلية، فإن عدد مستخدمي الإنترنت في الأردن يقدر بحوالى 8 ملايين مستخدم، وبالاستناد إلى النسبة العالمية، فإن عدد مستخدمي مختلف شبكات التواصل الاجتماعي في المملكة يقدر بحوالى 7.2 مليون مستخدم.

مشاركة :