بطل يحاول إنقاذ العالم بإمكانات بسيطة في "هياج المحيطات" بقلم: طاهر علوان

  • 4/24/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

بطل يحاول إنقاذ العالم بإمكانات بسيطة في هياج المحيطاتصورة العالم غارقا في الأزمات ليست جديدة على سينما الخيال العلمي، لكن البحث عن أي من الأزمات التي يمكن تجسيدها ونقلها إلى الشاشة مع إسباغ نوع من المعالجات السينمائية التي تجعل من الأزمة عامل تشويق إضافيّا يدفع جمهور المشاهدين إلى المتابعة، هو التحدي الذي سيحاول القيام به المخرج آدم ليبسيوس في فيلم “هياج المحيطات”، فهل ينجح في ذلك؟العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/04/24، العدد: 10612، ص(16)]دمار كهرومغناطيسي لا يبقي ولا يذر تكتظ الشاشات بعرض صور الأزمات التي تجتاح الأرض والكثير منها يرتبط بنهاية العالم عندما تتفاقم التحديّات ويصبح المجتمع البشري في مواجهة قدره. في كل الأحوال كانت أفلام الخيال العلمي قد تطرّقت مرارا إلى قصص الانهيار العظيم وتبدد الثروات والخراب الذي يضرب العالم، ومنها فيلم “هياج المحيطات” للمخرج آدم ليبسيوس (إنتاج 2017) الذي يطرح العديد من الأسئلة، ومنها مثلا أن تعجز المؤسسات البحثية برمتها عن استقراء ما هو آت من تحديات، بينما ينشغل البروفيسور جوش (الممثل جاسون توبياس) برسم صورة قاتمة للانهيار العظيم عندما تبدأ الشمس بإطلاق أشعة ضارة يتجاوز ضررها ما تتسبب فيه مفاعلات ذرية من خراب. يبدأ الفيلم بتصوير الزلازل والفيضانات التي تجتاح العديد من بلدان العالم من دون أن يعرف الكثير عن أسبابها، لكن جوش يعلم الأسرار الحقيقية وهو يدرك أن الآتي سيكون أشد خطورة، ولهذا يجب اتخاذ الإجراءات العاجلة لغرض إنقاذ العالم، وخاصة فيما يتعلق بالمفاعلات النووية، وهو ما يحاول إيصاله إلى رئيسة الولايات المتحدة من خلال الندوة الحوارية معها، حيث يعرض الإشكالات التي تواجه الأرض ونظريته في تأكيد فكرة الفناء، وأنه مضطر إلى ترك كل شيء وراءه والمضي في دراساته التنبؤية. وبالفعل ينفصل عن فريق العمل المتشكك فيه ومِن ضمنه شريكته بام (الممثلة سمر سبيرو)، لكنها لم تلبث أن تركت كل شيء وراءها لتلتحق به. يتشعب السرد الفيلمي في مسارات متعددة ولا تنقطع النشرات والبرامج الإخبارية عن التصدي للظاهرة وكشف المستجدات وتقديم صور مخيفة عما هو آت، وخاصة في تخلّق مجال كهرومغناطيسي خطير قد يضرب الأرض في أي لحظة. عند هذا المفترق ينحو الفيلم منحى آخر، إذ يتحول جوش إلى منقذ أسطوري، فبواسطة الزورق الذي بناه بنفسه ويقوده وسط أمواج البحار يقوم بإنقاذ العديد من الناس ثم يتحولون إلى حماة وطنيين. في مسار الأحداث هنالك الكثير من الحبكات الثانوية التي جرى زجها في السياق الفيلمي، وتنصبّ على قضايا الدمار الكهرومغناطيسي الناشئ عن موجات تسونامي المتواصلة، فضلا عن حماية المفاعلات النووية.الكثير من الحبكات الثانوية جرى زجها في السياق الفيلمي وتنصبّ على قضايا الدمار الكهرومغناطيسي الناشئ عن موجات تسونامي المتواصلة، فضلا عن حماية المفاعلات النووية يتحول جوش إلي صورة منقذ ووطني يقوم بأدوار كثيرة، وها نحن إزاء شخصية درامية مركزية ومحورية هي التي تُنسَج الأحداث من حولها، بل إنه قادر بإمكانات بدائية بسيطة وبمساعدة أشخاص سبق أن أنقذهم من الغرق على القيام بأدوار استثنائية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. كرّس البناء المكاني عزلة بضعة أشخاص يكافحون من أجل البقاء مع أحداث جانبية ليست مقنعة إخراجيا، ومن ذلك الخوارق التي تقع لجهة إنقاذ شخصيات وأماكن، تبدو من الوهلة الأولى جديرة بالمغامرة، لكنها لم تلبث أن تتحول إلى لازمة فرضتها إطالة عمر الأحداث من جهة وإسباغ عناصر إضافية من التشويق تدفع المشاهد إلى المتابعة من جهة ثانية. الزورق الذي يتقاذفه الموج العاصف مثالا على تلك المغامرة، والبطل المنقذ جوش كلاهما يمثلان نقطة هامشية أمام الطوفان والتسونامي الذي لا يبقي ولا يذر، ومع ذلك يبقى جوش وزورقه علامتين فارقتين في تلك الدراما المتشبثة بالواقع. في المقابل تم صنع نسيج من العلاقات والوظائف الهامشية والجانبية لغرض تماسك البناء الفيلمي، وذلك من خلال عدد من الشخصيات الثانوية التي أنقذها جوش أصلا، وهي التي سوف يعوَّل عليها في الإنقاذ والتصدي للتسونامي، وهؤلاء حرص على جعلهم منحدرين من إثنيات وعرقيات مختلفة، إذ فيهم الآسيوي واللاتيني والأفريقي. وبصدد الشخصيات أيضا بنيت شخصية الممثلة بام بطريقة ملفتة للنظر، فهي العالمة والباحثة، وهي زوجة جوش، وهي التي تفتقد إلى الذرية، وتجد في طفل ماتت أمه في الطوفان بسبب صعقة كهربائية ابنا لها بالتبني، فضلا عن طابع المغامرة والتحدي الذي انطوت عليه شخصيتها، وبعدما كانت معارضة لأفكار زوجها وأطروحته صارت مكملة له في آخر المطاف. على صعيد الحوار الفيلمي يمكن عدّ الفيلم مغرقا في الحوار، فهنالك الكثير من الكلام والكثير من التفاصيل التي تم الكشف عنها بالمزيد من الكلام، فيما كان من الممكن اختصارها بأفعال درامية تجعل الأحداث أكثر إثارة، لكن كثرة الحوارات أضعفت إلى حد ما مراحل البناء الدرامي للفيلم على الرغم من زج حبكات ثانوية في كل مرة للتغطية على مثل تلك الثغرات. وعلى صعيد النوع الفيلمي يمكن أن يضاف الفيلم إلى سلسلة أفلام الخيال العلمي المرتبطة بالفناء والدمار الأرضي، لا سيما أننا نشاهد تحطم وانهيار مدن أميركية بأكملها وهي تغرق تحت مياه المحيطات الهائجة، لكن الأحداث ليست مبنية دراميا بطريقة موضوعية مقنعة، وخاصة عند اللجوء إلى الخدع البصرية والغرافيك، إذ بدت مجرد تجارب في المسار الفيلمي لهذا النوع الذي امتد لعقود في تاريخ السينما وترسّخت جمالياته ومنجزه المتميز.

مشاركة :